بقلم: علي جبار عطية – رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية
أثارني مشهد هرب عدد من المصلين في مسجد (الروضة) في مدينة إدلب شمال سوريا قبل ثلاثة أشهر جراء الزلزال الأخير !
كاميرات المراقبة وثَّقت انتقال الناجين من قضاء الله إلى قدره !
بقي هذا المشهد في الذاكرة يختزل جانباً من مأسأة هزة ارتدادية بلغت قوتها أكثر من ست درجات حسب مقياس ريختر.
أحالني المشهد إلى حقيقة صادمة تقول: إنَّه لا إعفاء من الرقابة، وقد أصبح الجميع مراقبين بمعنىً من المعاني فلا ينجو منها تقي أو غير تقي ، فأينما يولي المرء وجهه يجد كاميرات المراقبة سواء دخل إلى مول للتسوق، أو مقهىً، أو قاعةٍ للتدريب الرياضي، أو مكانٍ للترفيه فهو مرصود ، وحتى اللصوص لم يسلموا من ذلك، ولوتخفوا خلف اللثام، أو لبسوا أقنعةً، أو سرقوا وضح النهار !
أصبحت المراقبة ثقافةً، وسمت هذا العصر الذي زادت فيه الأغلال والقيود، وصار كل شيء مرصوداً.
لقد كانت كاميرات المراقبة يقتصر وجودها وعملها على الدوائر الحساسة، والشوارع ثمَّ امتدت إلى المؤسسات والشركات ، بل شملت جميع الدكاكين، وصارت من شروط استمرار فتح المحل واتخذت مكاناً بارزاً في رؤوس الأزقة التي يخشى ساكنوها من الرمي العشوائي للنفايات فعلقوا لافتة تقول : (يمنع رمي النفايات والمكان مراقب بالكاميرات) !
يزيد بعضهم الطين بلةً بأن يكون مُراقَباً لنفسه أكثر، ومثال ذلك أنَّ أحد الأصدقاء اقتنى ساعةً متطورةً ثمنها أكثر من مليون دينار عراقي لها عدة ميزات منها أنَّها متينة، ولا تتأثر بالماء، وتقيس الجهد المبذول خلال اليوم، وعدد الخطوات التي يمشيها، وهي مرتبطة بالشبكة العنكبوتية، وهي بمثابة هاتف نقال مصغر، وتظهر المتصلين به على مدار الليل والنهار ، يعني لا يمكنه الإفلات من قبضة الآخر !
سابقاً كانوا يقولون : إنَّ الحيطان لها آذان يُخشى منها فماذا يقولون الآن وقد أصبحت لها عيون، وشريط يوّثق بالصورة ما نفعل، ونحنُ غافلون !
قد يقول قائل : ألا يوجد حل؟
والجواب : لم يعد تجنب ذلك ممكناً كما يتبادر إلى الذهن، وصارت المواعظ أو الحكم التقليدية غير ذات جدوى لأنَّ المرء في سنوات ماضية كان يقنع بالبيت الشعري (منْ راقب الناس مات هماً) الذي يحمل معنيين كلاهما صحيح الأول : إنَّ مَنْ يراقب أحوال الناس وتقلباتهم، وصعودهم، ونزولهم يقتله الهم، أما المعنى الثاني فهو أنَّ مَن يراقب ردود أفعال الناس في ما يصدر منه فسوف تقتله الهموم أي يجب أن تكون له شخصية مستقلة ! فهل تصمد هذه الحكمة مع عصرنا الحالي، وما الذي تبقى من شخصية الإنسان وقد صار رقماً من الأرقام ؟
لقد فقد الفرد خصوصيته تماماً،وأصبح مراقباً في أي مكان يحل فيه فإلى أينَ يتجه الإنسان في تجاوز الحدود
هل أضاع الطرق، وفقد بوصلة النجاة بدخوله بقوة في عصر العولمة، والعالم الرقمي، وبيت الشبكة العنكبوتية
(وإنَّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) !
