مقال

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء !

بقلم: د. أحمد الطباخ
إنها المعادلة التي أعلنها الله منذ الخليقة، فقد خلق الخلق برحمته، ورزقهم، وسخر لهم كل شئ، وجعل الرحمة من صفاته تباركت اسماؤه، فإن رحمة الله شملت كل شئ، وعمت الملكوت، بل إن منها نبعت الكثير من أسمائه الحسني من معاني الرحمة والكرم والفضل والعفو حتي غلبت رحمته غضبه كما جاء في الحديث القدسي: إن رحمتي تغلب غضبي.

أي إن تجاوزه عن خطايا البشر يسبق اقتصاصه وسخطه عليهم ، وبذلك كان أفضل الرحماء واجلهم، فهو أرحم الراحمين جعل منها جزءا يسيرا في الارض بين الخلق به يتراحمون، ويتعاطفون، وجعل هذا الحزء هو المحك الذي لا يخطئ، ورمانة الميزان لاستحقاقهم رحمات الله، فقد النبي صلي الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.

فأين أمة نبي الرحمة من رحمة بعضهم بعضا، فيما نحن فيه اليوم من حر وغلاء وغبن وظلم ومرض ووجع، فقد صار السواد الأعظم من الناس أنانيا لا يبحث الا عن نفسه وذاته، ولم يعد احد يحس بلوعة فقير يتلوي جوعا، أو أرملة تبيت ليلها تبكي وتشكو لربها ظلم العباد، وصار الأخ يأكل حق أخيه، ولا يراعي فيه إلا ولا ذمة، ولا رحما ولا مودة، وصارت الحياة تشكو لربها ظلم العباد الذين لم يرحم كبيرهم صغيرهم، ولا حاكمهم رعيته، ولا أحد يرحم أحدا، ثم بعد كل هذه المظاهر نشكو ونقول: ما الذي جري في الدنيا من جفاء وغربة وغلاء وحر ووحشة يتوحشها الكثير من الناس؟!، والله يقول في كتابه الكريم:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)).

إن الحياة لن تستقيم إلا بالرحمة التي يقذفها الله في قلوب عباده الذين عرفوا ربهم، وأخلصوا قلوبهم له ، فرحموا خلق الله، وخفضوا جناحهم للناس، فأعادوا البسمة الي وجوه الخلق، وعطفوا عليهم ، وعرفوا أن قوام الحياة هو التراحم بينهم وبين الناس، والإحساس بلوعاتهم وأناتهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى