أدب

غُربة الرُّوح

فايز حميدي| شاعر فلسطيني مغترب

-١-
يا سيدتي الكنعانيّة
يا فرعاً سامقاً من شجرةِ الحضارةِ الكَونية
أنتِ رائحة التاريخ ، وخميرة الخصب الأول ، والجذور الموغلة …
أنتِ المحبة ، والأغاني ، وصباحات الحصاد
أنتِ حضارة الضوء والزعفران
وخمسة آلاف عام ..
ما كنتِ يوما على رصيف الذاكرة
يا بدرا يشرق من صفحة غيمة
والدَّم الذي يسري بين القلب والعروق
كل شيء فيك يعزف لحن الحياة
أحياؤكَ ، قُرَاك ، مُدُنكَ ، وحتى خرَائبكَ
يا صهيل الروح
وضياء الوله
وصنو الأبدية
جئتُ إليكِ
أرشدني نور وعانقني صوت
من فضائي النحيل
ومجامر السنين
وشجيرات القلب ضامئة
-٢-
جئتُ إليكِ
موجةٌ تُلقي برأسها على رمالِ شواطئكِ
أشتكي ظلمةً عمياء
ومسامير الصلبان فوق قلبي تؤرقني
السُّوس أتلفَ القمحَ
والماء مالح
وشمس أيامي الجَّريحة
وغفلة تعج بالأماني الضائعة

أشتكي طريقاً يُدحرجُ أهوالهُ
وتسْرَحُ فيهِ الضِّبان والضِّباع والثَّعالبُ
ويضيق في زمن الهوان
والاحتمالات الكئيبة

أشتكي جُرحا يتدثرُ بالريحِ
ويتأملُ مُقلَ الأمهات
ويصهلُ من أفكِ الأرواح
ويُنجبُ جِرَاحاً
وحواراً لا يهدأ
ولغةً حائرةً مغلولةً ومخنوقةً …
والجحيمُ حارقاً ما تَبقى من لغةِ السَّكينة …
-٣-
يا سيدتي الكنعانيَّةُ
أتحسسُ جدرانَ العُمرِ
وساحة حَربيٍَ الأخيرة
يا يبوس وغزة العصية
يا جنين ونابلس الأبية
يا حزن الخريف النبيل
كل شيء بَعدُكِ :
هباءٌ
رياءٌ
مساحةٌ جرداء
ولغةٌ مكسورة ..

يا أباة الضَّيم
يا من تقمصت أرواحكم قصائدي
وألقمتني جذوة التوهج
الحياةُ تستيقظُ
وتربتُنا تعشقُ الشَّوكَ
وبراعم الضوء تنبثقُ من الأزقةِ المظلمة
العزُّ في عرين أسودها وجبالها
وأغنيات حنينها …
سيخرُّ المدى المستحيل بأحضانها ساجداً متوسلا
لن يغفر التاريخُ لكل من تهاون وفرط
يا لِصلافة السُّفهاء
وتلك الطُبول الخَاوية
ولكلَّ مَنْ صَفَّد الآمال في العيونِ الحالمة
* *
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى