اليأس و قانون المعطيات الصفرية
د. طارق حامد
قد يتسرب اليأس إلى نفوس السالكين في طريق الحق وذلك بسبب طول الطريق وقلة السالكين وتأخر النصر لحكمة من الله – عز وجل – وكذلك لقلة الزاد الذي يحمله من يسلك طريق الحق والزاد ليس طعاماً وشراباً ولكن هو الباقيات الصالحات من شتي الطاعات، كذلك من أسباب اليأس ضعف الثقة في وعد الله – عز وجل – لهذه الأمة بدولة التمكين وأستاذية العالم، وإذا أمعنا النظر في قوانين نشأة الأمم وصعود نجمها وأعتلائها قمة هرم الحضارات لأمد ليس بالقليل وإذا حاولنا الربط بين تلك القوانين والواقع الذي نعيشه من خمول واستضعاف ليس قسراً بل نختاره نحن المسلمين فحتماً سوف تنهض أمتنا ونتخلص مما نحن فيه من السكون المقيت واحتلال ذيل الأمم ليس عن ضعف ولكن عن اختيار كما قلت.
ومن أهم القوانين التي تعمل على إزالة حالة اليأس الذي تفشى في طبقات الأمة فضلاً عن العاملين في حقل الدعوة وسالكي طريق الحق، قانون المعطيات الصفرية، فهذا القانون هو قاعدة انطلاق المرحلة القادمة في درجات الحضارة من الصحوة إلى الحضارة مروراً بمرحلة اليقظة والإدراك والعمل المثمر الحكيم، فهو قانون يزيل اليأس ويعطي الأمل بإذن الله – تعالى -في بناء ونهضة الأمة.
وتطبيقاً لهذا القانون على السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وعلى العديد من تجارب الأمم في العصر الحديث فنجد التالي:
1- الأمة العربية في شبه الجزيرة العربية: ماذا كانت تملك من موارد مالية وبشرية حتي تستطيع برسالة الإسلام أن تكون لها دولة في ثلاث عشرة سنة ثم فتح كبري الإمبراطوريات في ذلك الوقت وما تسمى الآن بالدول العظمي في خلال ما يقرب من أربعة عقود من الزمان، ما هي مؤهلاتهم التي جعلت من هؤلاء الحفاة رعاء الشاء قادة الدنيا وقضوا على أحلام وآمال الفرس والروم الدولتين العظميين آنذاك؟ !
إن معطياتهم صفرية ولكنهم حملوا رسالة الإسلام بما تحمله في طياتها من مفردات النجاح والنصر والتمكين من الاصطفاء أولاً، والإيمان بالله – عز وجل – الذي يحيي الأمل في النفوس ويجعل هذا الخامل القابع في خيمته لا يلوي على شيء حركة دائبة فعالة بناءة تجوب الأرض تنطلق من منهج رباني إلى غاية كبرى لا يدانيها غيرها، تحمل الفهم الصحيح والتصور الواضح الذي لا غبش فيه عن الحياة وعمارة الكون ويحمل في طياته الخير لكل الناس مع الإخلاص والعمل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر علي مشاق الطريق ولأواء الدعوة مع الحفاظ علي قيمة الوقت كمحور للحياة والآخرة، ولقد ظهر هذا جليا في قول ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس حينما قال له رستم: ما الذي جاء بكم أيها العرب إلينا؟، فقال ربعي – رضي الله عنه -: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة “
أما اليأس فلم يعرف سبيله أبداً للقادة العظام، ومنهم محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يبث الأمل في نفوس أتباعه، فيقول لخباب – رضي الله عنه -: (( والله ليتمن الله هذا الأمر حتي يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ))
وفي طريق الهجرة لما طارده سراقة بن مالك وساخت ساقا فرسه في الرمال طلب من النبي – صلى الله عليه وسلم – الأمان فأعطاه الأمان وكتاباً فيه أن له سواري كسرى وقد كان في زمان خلافة أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه -، وهكذا من معطيات صفرية صارت دولة الإسلام الأولى في المدينة فتولدت منها حضارة الإسلام التي امتدت إلى عشرة قرون وعلمت العالم وفي عصور الظلام في أوربا كانت الحضارة الإسلامية مصدر إلهام وإشعاع حضاري للدنيا كلها.
2- نهضة ألمانيا واليابان بعد الانهيار التام في الحرب العالمية الثانية:
ألمانيا تم تقسيمها وإنشاء سور برلين من قبل دول الحلفاء المنتصرين فهي آنذاك تخضع لقانون المعطيات الصفرية فخاضت معركة الوعي والنهضة مرة أخري من الصفر إلى التقدم العلمي والاقتصادي والتقني ثم هدم معوقات التقدم الاجتماعي بهدم سور برلين وتوحيد ألمانيا مرة أخرى، وها هي ألمانيا في مقدمة الدول ومصاف الدول الأولى في العالم في مجال التعليم والبحث العلمي والتقنية الحديثة، كذلك اليابان نهجت نفس المنهج بعدما خرجت من إلقاء القنبلة الذرية عليها صفراً وتهجيراً لسكانها وتشويه الباقين في الخلقة وبلا موارد مادية استطاعت أن تكون اليابان وحدث ولا حرج عن تجربة اليابان التي حذا حذوها كل من ماليزيا والصين وهونج كونج وكوريا وغيرها من النمور الأسيوية الخمسة ثم الهند ذات الديانات المتعددة والأعراق المختلفة.
إذاً قانون المعطيات الصفرية يزيل اليأس ويبعث الأمل والتجارب التي تحققت من قبل هي مشاريع قائمة يمكن تحققها مرة أخري لدينا نحن العرب المسلمين بشروط استنفار الهمم واستنفاذ الجهد والأخذ بالأسباب والأخذ بسنن وقوانين قيام الأمم وتقدمها ورفعتها من الإيمان بالله العلي القدير والفهم المبني على الرؤية الواضحة والأهداف الإنمائية والتخطيط الاستراتيجي والعمل المثمر الحكيم الذي لا يألو جهداً ويهدر طاقة حتى تمام المنة من الله – عز وجل – والتمكين لهذه الأمة مرة أخرى حتي أستاذية العالم، ويؤيد كل ما قلت النقل والعقل والمنطق وعامل الاجتماع واستقراء التاريخ وإن غداً لناظره قريب: ((والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)) سورة العصر.