مقال

بين السادي والأكثر من عادي.. الإصدار الأول للكاتبة دلال الظاهر

قراءة بقلم الروائية عنان محروس

نحن نعلم أن التجربة الأولى، لأي منتج أدبي، هي لبنة أو عتبة لمسارٍ طويل، وقد يبلغ بنا المسار أقصاه للوصول إلى قمة الرضا، ومنتهى النجاح بإذن الله، فالولوج إلى عالم الكتابة ليس سهلًا، بل يحتاج إلى شجاعة الكاتب مع تمكنه من أدواته، بالإضافة إلى محبة الإرشاد وصدق التوجيه والتشجيع من المحيط، ليكمل الكاتب طريقه، متجنبًا الأخطاء التي قد نقع فيها كلنا، ولنرى في إبداعاته القادمة، صواب التوسع التصوري والدلالي واللغوي، وهذا ما أتمناه لدلال.. ماسبق، هو مايدفعني لمؤزارة كل من يبدأ طريق الحرف.
أثارت الكاتبة إعجابي بإهداء ماخطت لنفسها أولًا، ثمّ جيّرت الإهداء والشكر لمن حولها، فعلينا أن نحب أنفسنا بكل إيجابياتنا وعيوبنا.. حب الذات حالة صحية سليمة، طبعًا بعيدًا عن الأنانية والنرجسية..حب النفس التي جاهدت وقاومت وتعبت، إلى أن وصلت مبتغاها، شرط أساسي لحب الآخرين وتقبل الحياة وفهمها.. هنا يجب الإشارة إلى معضلة مكررة، فكلما قرأنا رواية أو قصة أو حتى نصًا شعريًا، خُيّلَ إلينا الكاتب كأنه البطل أو البطلة.
في هذا الإصدار، لا أعتقد البطلة تمثل في حال من الأحوال الكاتبة، لكن دلال لاشك موجودة، بأفكارها وخبرتها، بنظرتها المتفحصة للواقع المحيط، وهذا التخبط لدرء الشبهات، قد يقيد إبداع وإلهام الكاتب بشكل عام .. يقول الروائي الارتيري حجي جابر:(لا أستطيع أن أصف علاقتي بشخصيات رواياتي، ثمة ماهو ملتبس، نصف غامض، وموارب يربطني بها). فما الذي يغوينا؟ عن ماذا نبحث كقارىء أو كاتب؟ سؤال يراودني دائمًا
وأجد أحد الأجوبة، يعصف في المهجة قبل التفكير وهو: بحثُ واستكشاف البشرية الدائم عن الحب، يؤهلنا لأن نكون خليطًا من(افروديت _كولومبوس)، وهذا ما بحثت عنه ندى بطلة القصة، حيث مشاعر الحب تنتصر في مواقف عديدة، على عقلانية الإنسان، وقد يصبح الأمر خطيرًا، فنتجاهل العيوب والعثرات، طمعًا في ذاك الصراع ، بين الناقلات العصبية التي تجعل خلايا الدماغ نشطة، فيرتفع هرمون نشوة السعادة لدينا، وينخفض أو يكاد ينعدم التبصر والبصر في بداية العلاقات، مما يدفعنا إلى التجمل والتحمل، خوفًا من خسارة هذه المشاعر، التي تُبقينا على عجلة استمرارية الحياة.

بين السادي والأكثر من عادي
قد يتبادر إلى الذهن جرأة العنوان، لما تعودناه بشكل عام على المعنى، حيثُ ارتبط بالذهن، أن السادي هو البشري الذي يسعى إلى المتعة الجسدية، دون قيود أو ضوابط، وتعود التسمية كما نعلم، للروائي الفرنسي الارستقراطي ، ماركيز دي سادا. وحتى على مبدأ فرضية جرأة العنوان، الجرأة ضرورة ملحّة للكاتب، وخاصة في مجال القصة والرواية، فكيف سيلقي الضوء على مشاكل المجتمع الحساسة والمسوّرة بسور شائك؟ لكن! هناك ضوابط للجرأة، في مجال عرض الواقعية، بالتزام أدب اللفظ والمشهدية، وهذا ما وجدته في هذا الإصدار، الحشمة في العبارة، والتدبر الأخلاقي والديني في تصوير المشهد.

الحقيقة
السادية مرض نفسي خطير، له تفرعات وأشكال وأنواع عدة، تلك التفرعات مختلفة تماما عمّا ألفناه، من معنى عام للمرض..الشخصية السادية هو إنسان مضطرب، يشعر بالمتعة عند رؤية الآخرين يعانون الألم والعذاب، ليسحق آدميتهم، ويجرح كرامتهم، وهو عديم الشعور بالذنب عند ارتكابه، يعاني من الوسواس القهري والخوف والضعف أيضًا وعدم الثقة بالنفس.
المفارقة أن علماء النفس، يؤكدون، بداخل كل منا شخصية سادية، من الأنواع الأربعة المصنفة ، قد تطغى علينا، في مواقف بسيطة، دون وعي منا. فعليًا معظم أبطال رواية الكاتبة دلال الظاهر، مصابون بالسادية، ولا أريد المبالغة باتهام (الكل).. “الأهل” وهم من نوع السادية المسيطرة، الباحثين عن عريس مناسب لتفادي عنوسة ابنتهم ، وضغطهم عليها، حسب ما تقره هرمية الأسرة من أب، أم ، أخ أكبر…مما يجعل البطلة تذعن مترامية نحو المجهول، وهذا جواب السؤال الذي راود ندى يوم زفافها:(لماذا تبكي الفتيات في نهاية الزفاف، عندما تبدأ في عناق الأحبة) هو المجهول الذي لا نتكهن بماهيته، خيرًا كان أم شرًا… “خالد ” وهو من فئة السادي الضعيف، الرجل الأول في حياة ندى، العاجز جسديًا عن إيفاءها حقوقها الزوجية، المتميز بالجبن، لايبدأ الهجوم، يترقب، لايهمه المخاطرة بمشاعر وحياة من حوله..“عماد “والحب المتخفي الخائن، البشري الذي استمتع بتعلق ندى به، ومن ثمّ انتقم باختياره فتاة أخرى ويصنف (بالسادي المتفجر)، و“بلال” السادي الإجرامي، وهو من أخطر أنواع السادية، عدم ثقته بنفسه، وإظهاره القوة المزيفة، هما من أوجدا شخصيته الإجرامية. أما “ندى” بطلة القصة الطويلة الشيّقة، القصة التي كان من الممكن، أن تكون كل تجربة وموقف فيها لندى ، رواية طويلة منفردة، لو تركت الكاتبة دلال العنان للحدث، وأسهبت في الخيال أكثر .

أخبري ندى يا دلال، أنها مصابة بأعتى أنواع المرض السادي، فهي ظلمت نفسها في عدة مواقف، ضميرها الحي تواجد للجميع ما عدا شخصها المتعب، جلدت نفسها بالتحمل، والتزامها الأخلاقي والديني وأمومتها المقدسة، لم تثنِها على الاستسلام إلى سموم المرارات التي تخمد رغبة أي أنثى بالحياة. أخبريها أن مغادرتها أغضبتني فعلًا…

أخيرًا
أتمنى كل الموفقية للكاتبة دلال الظاهر ، بكل القادم من أعمالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى