فنون

تطور الأغنية المصرية.. رؤية نقدية

أحمد عبد الموجود الشيخ| شاعر وناقد مصري

       إن الأغنية بشكل عام والشعبية بشكل خاص سواءا من حيث الكلمات أوالألحان تختلف من عصر لآخر وفقا لبيئتها، فكما تشبه العمارة عصرها فإن الأغنية تشبه عصرها زمانيا وموطنها الجغرافي مكانيا، وقد يكون ذلك استجابة لتغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية تلحق بالمجتمعات،
      وعلى الرغم من تطور الأغنية المصرية في بدايات القرن العشرين بشكل كبير وملحوظ, إلا أن ذلك يرجع لجذور تمتد الى القرن التاسع عشر,
حيث بدأت الموسيقى في الإنتقال من مرحلة الألحان البدائية المعتمدة على أساليب الغناء الغجري, الى مرحلة الألحان المنتظمة, والتي كان من سماتها الجمع بين التواشيح الدينية والإنشاد والإبتهالات الصوفية، حتى إن المفتتح في شريحة كبيرة من التراث الجنوبي مثلا كانت لابد أن تبدء بالصلاة على سيدنا النبي، وهناك الموروث الشهير (صلي صلي).

– المسلوب :
ويعد الشيخ المسلوب وهو محمد عبدالرحيم المسلوب المولود في قنا عام 1793 وتوفي حوالي 1928, اختلف على تاريخ ميلاده لكن اتفق على انه كان معمرا وعاش اكثر من 130 عام تقريبا وهو يعد الرائد الأول للنهضة الموسيقية في مصر في تاريخ الغناء الحديثف، هو أول من وضع اللبنة الأولى لشكل الأغنية المصرية في شكل (الدور الغنائي)، وعرفت أدواره بالثراء اللحني, كان وقتها الدور عنده يتألف من (مذهب)و(أغصان) تتولى البطانة غناء المذهب, والمطرب يغني الأغصان وحده , وكان يتكون من جملة لحنية واحدة.ومن أشهر أدواره (دور ياحليوة يامسليني) الذي ينسب بالخطأ انه من تراث الشام,حتى إن الناقد الموسيقي كمال النجمي نسب موشح (لما بدا يتثنى) له وقتها لم يكن لقب موسيقار مستخدم ونظرا لدراسته بالأزهر الشريف وعمله منشدا بالحفلات والموالد فأطلق عليه الشيخ, ووالده سمي عبدالرحيم تيمنا بالشيخ عبدالرحيم القنائي أسد الصعيد, وتعلم أصول علم المقامات والإيقاعات وحفظ العديد من الموشحات حتى صار مرجعا كبيرا فيها.

– شهاب الدين محمد :
     ومع الشيخ المسلوب كان الشيخ شهاب الدين محمد بن اسماعيل (1795- 1857) صاحب الكتاب الهام (سفينة الملك ونفيسة الفلك) الشهير ب(سفينة شهاب) الذي جمع فيه العديد من الموشحات العربيه, وكان شاعرا وفير الإنتاج, واهتم شعره بالتأريخ. وفي الجنوب مابين ١٩٢٥ الى وفاته ٢٠١٥ كان هناك الشيخ أحمد برين والذي أبرز أعماله الأنشودة الصوفية سيدنا موسى والخضر ويا حمام بتنوح ليه،وهو خال محمد العجوز .

– الإرتجال :
عقب الشيخ المسلوب والشيخ شهاب م جاء الثنائي (محمد عثمان) و( عبده الحامولي ) فطور عثمان شكل الدور وجعل منه لحن الأغصان مختلف عن لحن المذهب,وأعطى الحرية للمطرب في الإرتجال والتنقل بين المقامات على أن يعود في النهاية الى المقام الرئيسي, فيضيف الحليات الخاصة به حتى انه ظهرت حلية (ياعين) (ياليل) التي كانت للتطريب وشكل من أشكال الإستعراض بخامة الأصوات وبإحكام تمكنها من قوة الأداء. 
– التسجيلات :
    ثم دخلت مصر عصر التسجيلات الذي ساهم في الحفاظ على الكثير من الأدوار والطقاطيق والموشحات وإلا لكانت اندثرت,فسجل بعض المطربين بعض الأدوار القديمة المنسوبة للمسلوب مثل (يوسف المنيلاوي- سلامة حجازي – وصالح عبد الحي الذي سجل بعض أدوار محمد عثمان ).

– التدوين :
    والذي كان له الفضل الكبير في الحفاظ على الأعمال ولكن التدوين الموسيقي لم يبدأ الا في بدايات القرن العشرين وكان التراث قبل ذلك ينقل سماعيا من جيل الى جيل, كما أن التدوين الموسيقى ألزم المطربين والعازفين على الإلتزام باللحن كما هو مدون .

– سيد درويش:
كان البناء اللحني الى مرحلة محمد عثمان تطريبي محض حتى جاء الشيخ سيد درويش فجعل هناك تماهي ما بين الكلمات واللحن, فجمع بين التعبير والتطريب مثال دور (أنا هويت) و(ضيعت مستقبل حياتي)ثم جاء (زكريا أحمد) الذي صار على نهج سيد درويش مع التطوير، وجاء (داوود حسني الذي اشتهر بالطقاطيق الخفيفة والأدوار الغارقة في التطريب)، و( كامل الخلعي الذي اشتهر بمدرسة الموشحات) لكنهما كانا مخلصين لأدوار محمد عثمان أكثر, واقتصر تأثرهم بسيد درويش في التلحين المسرحي فقط.

   ثم (القصبجي) الذي تبنى تطوير فن المونولوج , وإضفاء التعبيرية على أداء المطرب دون الإرتكاز على التطريب فقط,بالإضافة لتطوير مقدمة الأغنية حيث تلعب الموسيقى دورا كبيرا في البداية,ثم (محمد عبدالوهاب) ودوره في تطوير الألحان وجعل العاطفة سابقة على الطرب كما كانت نفس مدرسة القصبجي، واستغل عبدالوهاب السينما في تقليل زمن الأغنية, وتحفيف ألحانها بحيث ترددها الجماهير بسهولة ويسر. 

وأخيرا فكما تعبر الأغنية عن بيئة أوثقافة معينة، مثل الصعيد والبدو أو الصيادين أو الفلاحين، فكذلك تكون الآلات الموسيقية المستخدمة في تلحينها آلات شعبية مثل مدن القناة الشهيرة بالسمسمية، ومدن الصعيد بالربابة والمزمار البلدي، والمدن الزراعية بالنفخ في الناي وصولا إلى تقديم الأغنية الشعبية في فرق لكل منها بيئتها، فكانت :بدرية السيد، بدارة الإسكندرية (أدلع يا رشيدى على وش المية)وحورية حسن في طنطا، التي أطلق عليها المطربة الطائرة لكثرة أسفارها إلى العواصم العربية لإحياء الحفلات والتي مثلت تسعة أفلام منها (عنتر ولبلب، وبابا عريس، وفى صحتك، والصبر جميل) والريس متقال في قنا(الفراولة، ميل وأسقينى، وافرحى يا عروسة أنا العريس، ويا حلوة يا شايله البلاص) ومحمد طه في سوهاج، ومحمد الكحلاوي في الشرقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى