أدب

قراءة نقدية في رواية “هكذا أصبح جاسوسا” الأسير المُحَرَّر وليد الهودلي

الرواية صدرت عن مركز بيت المقدس للأدب في صفحة 178

بقلم: هدى أبوغوش|ناقدة فلسطينية

     ليس من السّهل أن تقرأ كتابا يتعلّق بالأسرى،لأن النّص غير عادي وليس مادةّ شهية للعين أو مريحة للقلب والأعصاب،ففي مجموعة القصص التي جاءت تحت مسمّى الرّواية ،والأنسب تسميتها مجموعة نصوص أو مجموعة قصصية، فإن الأديب الأسير المحرّر وليد الهودلي،يضع القارىء أمام تحدّ وصبر لمتابعة أوراقه الملغومة بالأسرار،ويكشف لنا كيف تموت الضمائر وتحيا “العصافير”،عصافير لا تعرف الرّحمة،تنهش الكرامة والعرض،وتستبيح كلّ شيء في خدمة ومصالح الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية،من الملاحظ في تلك المجموعة هو انتصار البعض على الاحتلال من خلال التمسك بالثقة بالله والإيمان به، أمّا عدم نجاة البعض فكان سببه إسقاطهم بإعترافات موثقة أو كما ذُكر بين أوراق الكتاب مقولة مقتبسة “ليس من الضروري أن تكون عميلا لتخدم عدوك،يكفيك أن تكون غبيا”.


     في تلك الأوراق تكمن العبرة من كتابة هذا الكتاب كما قالها أحد الأصدقاء للأسير”في السّجن ادفن نفسك في تراب الاخلاص والصدقة الخفية”،وتتجلى شخصية الأديب الأسير المحرّر وليد الهودلي من خلال المثابرة المستمرة في إيصال أوراقه للنور رغم محاولات الاحتلال المتكررة في القبض عليها،وهنا نرى رسالة لعدم اليأس والثبات والمحاولة حتى الوصول للهدف.

    بأسلوب انسيابي، سلس، مشوق، مفعم بالمشاعر، والعاطفة الحزينة، يدخل القارىء لحالة توتروترقب عمّا سيحدث للأسير أو المناضل، ونجد الوصف والحوار بالفصحى،والحوار الذاتي عند بعض الأسرى الذي يعكس محاولة الأسير إقناع نفسه بأن ما سيفعله هو على صواب بعيدا عن الخطر، يروي لنا الأسير الهودلي قصصا من عتمة الزنازين ومن خارجهاخلال مكوثه في السّجن،من أجل بثّ الوعيّ والحذر في المجتمع،وفي السّجون والمعتقلات الإدارية لما يتعرض له الأسرى من محاولات للإيقاع بهم ليكونوا عصافير أي جواسيس لدى المحتلّ.
     من الأساليب المتعددة التي مارسها الاحتلال للإيقاع بالبعض أهمّها:غرس العصافير في السّجون، وتوثيق حديث الأسرى بالصوت والصورة دون معرفتهم، وقد استخدموا وسائل التّواصل الاجتماعي “الفيس بوك” للإيقاع بالنساء من خلال انتحال شخصية وهمية، واستخدام العاطفة، والتودد، والتحدث بنفس ثقافة الفلسطيني، وذكر مقولات دينية،أو استخدام مقولات مشهورة، إيقاعهم من خلال أقرب المقربين لهم كما في قصة “صديق عمّي أعماني”، ومن خلال الاغراءات المادية لتحسين أحوالهم.
    ومن الأساليب الفنية التي استخدمها الأديب في مجموعته هذه: التّناص الديني والقرآني، كالحديث الديني مثل:”..إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى”،ومن القرآن”قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا”، وأيضا استخدم بعض الأمثال الشعبية ممّا أضفى على القصص واقعيتها منها:ما ظلّ على الخمّ إلاّ ممعوط الذنب”،واستخدامه التّشبيه مثل”كمن يغرق في جُبِّ يوسف ” إشارة إلى الظلام والظلم لدى الأسير في السّجن،وقد استخدم السّخرية من قبل الأسير ضد المحقق مثل قصة”وقعت عن الحمار”.
وبقي أن نقول: كم هو خطير حرف الفلسطيني في وجه المحتلّ،ثقافته تشكل سببا في دخوله السّجن،حرفه ممنوع من السّفر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى