أدب

حجاجية الصورة التشبيهية في قصيدة للشاعر المصري أسامة الخولي

نشرها تحت هاشتاج:افتحوا معبر رفح، سميتها بـ (المشهد)

د. أمل سلمان | أكاديمية وناقدة عراقية

      في ضوء القِران المنهجي والمعرفي بين مباحث علم البلاغة والنظرية الحجاجيّة، نالتْ مباحث علم البيان  من تشبيه واستعارة وكناية، أهمية استثنائية بوصفها حججا مؤسسة لبنية الواقع، تقوم بإبراز ما خفي من علاقات بين أشياءه، أو تُجلّي ما لم يُتوقّع أو يُنتظر بين عناصره ومكوناته ،ولما كان مجال الحجاج هو المحتمل وغير المؤكد والمتوقع، فقد كانت من مصلحته أن يقوي طرحه بالاعتماد على الأساليب البيانية وغيرها، التي تُظهر المعنى بطريقة أجلى وأوقع في النفس١.

وقد كان للتشبيه النصيب الأوفر من ذلك الاعتماد، إذ يُعدُّ أكثر كلام العرب استعمالا، فمنه تتفرع جميع الصور المكونة لجمالية النصوص، شرط أن يوظف توظيفا يخدم المعنى ويقربه للأذهان، فأهمية التشبيه تكتسب من الموقف التعبيري فهو يقرب المسافة بين ما هو محسوس وما هو ملموس،  ومن ثم ينقل اللفظ من صورة إلى أخرى على النحو الذي يريده المبدع،بمعنى آخر، إنّه يمتلك خاصية التحول لإداء أغراض تواصلية وإنجاز مقاصد حجاجية، فهو بحسب – صابر الحباشة “من الأساليب البلاغية التي قد يتم عزلها عن سياقها البلاغي في تأدية وظيفتها الجمالية والإمتاعيةإلى وظيفة إقناعيةإستدلالية” ٢.

ربّما تكون هذه الميزة هي التي قادت التشبيه إلى الدخول في ميدان النظرية الحجاجية وجعلته يتصدر الأساليب البلاغية الأخرى، وعندما يستعين المبدع بمثل هذا الأسلوب فهو يريد بذلك النفع المباشر، ويسعى إلى إقناع المتلقي بفكرة من الأفكار، أو معنى من المعاني،  وقد أوضح جابر عصفور في غير موضع، أن هذا النفع قد يكون نصرة لعقيدة أو دفاعا عن مذهب أو دعاية لحاكم أو تعصب لطبقة ٣.

تأسيسا على ما سبق ، سنحاول تقريب الصور التشبيهية في قصيدة الشاعر المصري، أسامة الخولي التي لم أجد لها عنوانا، فهي من القصائد المفتوحة على كل التوقعات، إلا أنّي آثرتُ تسميتها ب المشهد ،جاءت على شكل سلسلة مترابطة من الصور التشبيهية التي وظّفها المبدع بقصد كسب الرأي العام وإقناع العالم أجمع بشرعية القضية الفلسطينية وشرعية الدفاع عنها وتوضيح خذلان وسلبية الأشقاء العرب نحوها.يقول :

المشهدُ

ينقُصهُ المبدَأ

وبلا عسسٍ يبدوأهدَأ

يبدو عبثيًّا كالآتي

ومسيئًا يستفتي أسوَأ

كرياحٍ ترمي وجهتها

لرياحٍ دجَّنها المرفَأ

وككلبٍ يخبرُ شرطيًّا

عن لصٍّ يبحثُ عن مخبَأ

كدخانٍ ينسى قامتهُ

وبكلِّ فراغٍ يتلكَّأ

وكأيِّ رئيسٍ عربي

بقضايا أمتهِي هزَأ

في (واشنطن) يغدو هرًّا

وعلينا من كلبٍ أجرَأ

وسيكملُ مشهدَنا التالي

قحفٌ عربيٌّ يتجشَّأ

من وجهِ (أبي ظبي) أقنى

مخفوض القامةِ والمنشَأ

كإماراتٍ مستنسخةٍ

وبلا أشياءٍ تتشيَّأ

وستنسى الأرضُ مشارقها

كي يبقى الغربُ هو الملجَأ

زاويةُ الرؤيةِ قاتمةٌ

من فينا ياوطني أظمَأ

نشتاقُ هواءً غزيًّا

وصبيًّا بالسيفِ تنبَّأ

لزمانٍ يصلُبُ قامتَه

بفروسياتٍ لم تصدَأ

مازال المشهد ينقصهُ

جيشٌي تشبَّثُ بالمبدأ.

 

هذا النص هو بثٌّ شعريٌ نسج فيه المبدع نسقا ثقافيا شعريا يجمع بين تأريخ الخيانات العربية للقضية الفلسطينية وخذلان القادة العرب، والصّمت المريب إزاء ما حدث وما يحدث الآن، متخذا من تراكم الصور التشبيهية قيمة أساسية في نسيجه الشعري، يحاول من خلالها لفت أنظار العالم واستمالة الرأي العام لشرعية القضية الفلسطينية وحجم المأساة التي تحدث في غزة وسائر المدن الفلسطينية..فعن أيّ مشهد يتحدث المبدع؟ ونحن نعلم أن للمشهد أطرا محددة، تتمثل في الزمان والمكان والأبطال والحركة والحدث.

فالمشهد /طوفان الأقصى

المكان / غزة

الزمان / زمن الخذلان العربي

ففي المطلع، نجد المبدع  يعكس رؤيته لمشهد الاحتلال الفلسطيني عامته، وهو  يرى الخذلان المستمر والتخاذل بقيا مرافقين للقضية  منذ بدأ تأريخ الاحتلال، فغياب (المبدأ)، وهو الإيمان بالقضية، فمبدأ الشيء هو أوّله ومادّته التي يتكون منها، وهو المعتقد الراسخ الثابت، والقواعد والضوابط الأخلاقية والمعتقدات التي يميّز به الصواب من الخطأ، انسحب على (طوفان الأقصى) فالمشهد لما يزل ينقصه المبدأ، وهو نقصان ليس بجديد على العرب، فنجد إشارة إلى خلو المشهد من حراسه والعاملين عليه، من خلال إيراده لفظة (العسس) والعسس، هي مهمة كانت معروفة في تأريخ الدولة الإسلامية، يعمل بها رجال يعرفون بالهيبة والقوة الجسمانية،  يظلون مستيقظين لحراسة الأحياء والمنازل والأسواق والممتلكات العامة والخاصة، فالمشهد بلا مبدأ ولاعسس (رجال آمنوا بالقضية)، فهو يسير من سيء إلى أسوء، فيبدو بالنتيجة عبثيا: ويسوق الحجج  على نقص المشهد وكيف يبدو عبثيا، على شكل صور تشبيهية مستعينا بالتشبيه المرسل، وعلى النحو الآتي:

المشبه/ المشبة به / وجه الشبه

حجة ١/  المشهد يبدو/ كرياح ترمي وجهتها

لرياح دجّنها المرفأ

وجه الشبة / التآلف والانسجام

حجة ٢ /  المشهد يبدو/ ككلب يخبر شرطيا

عن لص يبحث عن مخبأ

وجه الشبه/ الانقياد الأعمى

حجة ٣ / المشهد يبدو/ كدخان ينسى قامته

      وبكلّ فراغ يتلكّأ

وجه الشبه/ الضعف والجبن

حجة ٤/  المشهد يبدو/ وكأيّ رئيس عربي

بقضايا أمته يهزأ

وجه الشبه/  الخيانة وقلّة الأصل

إذ نرى القادة العرب، في أمريكا يبدون هرّرا أليفة وعلى شعوبهم أجرأ من الكلاب الجرباء. نقرأ:

في (واشنطن) يغدو هرا

وعلينا من كلب أجرأ

وسيكمل مشهدنا التالي

قحفٌ عربي يتجشّأ

ويخص الشاعر، رئيس دولة الإمارات  الذي كان المشهد ينقصه حتى يكتمل سيناريو الحدث، إذ يوغل في سياط جلده  فيصفه بأقذع الأوصاف فيجعله،  (قحفٌ عربيٌ يتجشّا)، والتجشّأ، وهو عملية إخراج الغازات من الفم مع ريح نتنة، ثم يعود لاستكمال الأدلة والشواهد والحجج الدامغة على عبثية المشهد والموقف إزاء الحدث الأكبر وهو طوفان الأقصى:

حجة ٥ / المشهد يبدو / كإمارات مستنسخة

وبلا أشياء تتشيّأ

فدولة الإمارات العربية التي اعلنت التطبع مع الكيان الصهيوني ما هي إلا صناعة أمريكية لا حضارة تباهي بها ولا تأريخ.

صور تشبيهية منتزعة من مجال الطبيعة بظواهرها كالرياح والدخان، أو بحيواناتها كالكلب والهر، استطاع من خلالها إيصال الفكرة إلى أذهان المتلقين بسهولة ويسر، فما تقريبه للمجرد بوساطة الحسي إلا تكثيفا لحضور المعنى في ذهن المتلقي، بقصد كسب الإقناع والتأييد، وكذلك نلحظ صور تشبيهية أخرى، اعتمد فيها المبدع على ثقافة المتلقي ثقة منه به، عبرت عن معاني الذل والعبودية للغرب، جاءت بطريقة أكثر تكثيفا وحضورا في عقل المتلقي وقلبه..نتيجة لكلّ هذه الأدلة الحجاجية التي جاءت على شكل حجج جاهزة بصيغة الصور التشبيهية، سيجد العرب أنفسهم بلا مأوى ويحتمون بالغرب فهو الملاذ  لكلّ متخاذل، يقول:

وستنسى الأرض مشارقها

كي يبقى الغرب هو الملجأ.

وحتى لا يستسلم المبدع لليأس ويسلم القارىء له، يعلن عن حاجة الأمة العربية حتى تعيد أمجادها إلى جيل جديد رضع حبّ الأرض ومضغ الصّبر والعنفوان، جيل يؤمن بأن القدس طريق الأحرار والجهاد الأعظم فيها.يقول:

نشتاق هواءً غزيًا وصبيًا بالسيف تنبأ

لزمان يصلب قامته بفروسيات لم تصدأ

ما زال المشهد ينقصه جيش يتشبثُ بالمبدأ

وملخص القول: نجد إن أسلوب التشبيه في هذا النص قد تجاوز مهمته الجمالية، ليدخل بفعل قيمته الحجاجية إلى ميدان أرحب وغاية أسمى، ألا وهي الإقناع، فقد قرب المسافات بين المعاني المجردة والمعاني المحسوسة، ليجعل العقل يقبل العلاقات القائمة والمبدع عندما يميل إلى التشبيه، فهو يسعى إلى إيصال الحجة إلى ذهن المتلقي، فيصورها بصورة بيانية تشبيهية ليستوعبها القارىء مثلما شعر هو بها ويدرك مقاصده، وأسامة الخولي شاعر يبحث عن الجديد دائما، ليس الجديد في المعنى فحسب، بل الجديد في تراكيبه الأسلوبية، وقد تمكن من اتحاف المتلقي واستمالته بالحجة الدامغة والدلالة القاطعة .

مراجع الدراسة:

١_ التداولية والحجاج مداخل ونصوص ، صابر الحباشة ، دار صفحات ، دمشق سوريا ، ط١ ، ٢٠٠٨م ، ص ٥

٢ _ المرجع نفسه : ٥

٣_الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب ، جابر عصفور ، المركز الثقافي العربي ، بيروت ، ط٣ ، ١٩٩٢م ، ص ٢٣٣ .

٣ _ قصيدة للشاعر أسامة الخولي منشورة على متصفحه في الفيس بوك ، تحت هاشتاك بعنوان افتحوا معبر رفح ، الرابط .https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid0NM9fEJLGWGi1yk5j8bCEuMaKaF3mi3dj4HTat7GveqvmtxxZxLC6RXK7LTGPagXQl&id=100009764560268&mibextid=Nif5oz .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى