قراءة في المجموعة القصصية.. حكايات للأمير – يحي الطاهر عبدالله

باحث دراسات عليا بأكاديمية الفنون – المعهد العالي للنقد الفني
بقلم: أحمد عبدالموجود الشيخ |شاعر عامية مصرية وناقد أدبي
الكاتب كاتب مُجدَّد ومتمرد على القصة القصيرة السابقة له في مصر فقد كان طريق يحي الطاهر عبدالله و(جيله) هو البحث عن شكل أو أشكال جديدة للقصة المصرية القصيرة , وهو أحد الأصوات الستينية المؤثرة في القصة العربية.كما يعد القاص يحي الطاهرعبدالله الصوت الذي التقط مفرداته من أرض مصر وأهلها ومعتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم وملامح الهوية المصرية التي تميزها عن غيرها، و نتذكر له التحفة الفنية “الطوق والأسورة” العمل الذي اتخذ من المرأة المصرية رمزا.كما يتميز الكاتب الكبير بتحويل القص العادي الى فني له خصائصه وسماته وقالبه ومواصفاته.جاءت المجموعة القصصية التي بين أيدينا المكونة من أربعة عشر قصة- في 120 صفحة من القطع المتوسط شاملة الفهرس والسيرة الذاتية للكاتب من إصدار دار الفكر المعاصر للنشر والتوزيع– القاهرة– والنسخة التي بين أيدينا منشورة بكراسات الفكر المعاصر – الكراسة الرابعة – أكتوبر 1978 وتتميز “حكايات للأمير حتى ينام” بإستعارتها للميثولوجية المصرية الشعبية، أي الحكايات الفولكلورية والأساطير التي تنتمي الى ثقافة بلد معين أو منطقة معينة وهو ما يطبعها بطابع تاريخي شعبي، وتحمل المجموعة القصصية زاد معرفي هائل من الإلمام بأمور الحياة اليومية كما تشتبك مع مشكلات الحياة اليومية بشكل فلسفي بكلمات بسيطة محببة وقريبة من القارئ ودراية بيوميات مدن وقرى الصعيد والمثل السائر وجلسات السامر الشعبية.

القراءة النقدية

حري بنا ونحن نحاول تفكيك نصوص هذه المجموعة القصصية وتحليلها بإستخدام المنهج البنيوي المبني على التشريح والإرتباط ان نتوقف وقفة استبصارية استكشافية عند:

أولا: العتبات النصية أو المصاحب النصي كما يسميه جرار جينت:

فالعنوان العام وهو أول انتباه للقارئ جاء في كلمتين (حكايات للأمير) فجاء شاملا معبرا عن القصص المحكية بداخله في مجملها ولم يتخذ من أحد القصص المدونة في اللحمة الداخلية للمجموعة عنوانا كما يفعل البعض , ومعبرا عن انها حكايات متفرقة موزعة على طول المجموعة القصصية, نستطيع أن نستشعر فيها (التقنع بألف ليلة وليلة وحكايات شهرزاد) وجاءت العناوين الداخليه لل أربعة عشر قصة– فصيحة – بمستهل كلمة (حكاية) يتبعها باقي العنوان, ما عدا أربعة قصص هم (من الزرقة الداكنة – قفص لكل الطيور – هكذا تكلم الفران – ترنيمة للأمير) منها المكون من كلمتين مثال (حكاية بزخارف – حكاية صيف- حكاية الريفية – حكاية ميلودرامية – ترنيمة للأمير) ومنها المكون من أكثر من ذلك ومنها العناوين الطويلة التوضيحية مثال ( حكاية الصعيدي الذي هده التعب فنام تحت حائط الجامع القديم) ومنها الطويلة التشويقية مثال ( حكاية عبدالحليم أفندي وما جرى له مع المرأة الخرقاء) (حكاية أم دليلة طاهية الموت)

ثانيا: بناء الشخصية السردية أو (الشخصيات):
وهي إما شخصيات رئيسية أو ثانوية: بتأمل شخصيات المجموعة نجد أنفسنا أمام عديد من النماذج البشرية التي تعبر عن الواقع المعيش, نماذج من أجيال مختلفة, وطبقات مختلفة, مستخدما مبدأ التجميع لا التوزيع, مستخدما الأبعاد الثلاثة لرسم الشخصيات, البعد الإجتماعي أو السوسيولوجي, والنفسي أوالسيكولوجي, والجسماني أو الفسيولوجي مثال (الكونت الإيطالي) في (من الزرقة الداكنة حكاية) الذي ذكر عنه (اجتماعيا) بنطاله القصير و ثيابه الزاهية والخوذة الزرقاء, وجسمانيا أنه أصلع, ونفسيا أنه ماكر يستخدم الحيل لإستعباد الناس يشرب الويسكي بشراهة حتى أنه شرب زجاجة مرة واحدة وهو واقف وشرب زجاجة ثانية حين جلس. و(القرين) سليط اللسان الذي وصف (البكري) انه كلب ابن كلب, وهو الشخص الذي يستأجر القتلة بماله ليؤدب البكري, لكن نفسيا رسمه جبان ابتل سرواله خوفا من البكري, كما قدمه في صورة الجاهل بالحساب فيقول للحداد (ولك مني أيها الحداد عشرة جنيهات ورقية و عشرة جنيهات ورقية وعشرة جنيهات ورقية ولم يقل ثلاثون مثلا) ونفس الأمر للقتلة (وسأدفع لكم عشرة جنيهات ورقية وعشرة جنيهات ورقية وعشرة جنيهات ورقية وفوقها عشرة جنيهات ورقية ولم يقل أربعون). وركز على البعد الجسماني للرواة الثلاثة في (حكاية عبدالحليم أفندي) فذكرهم أن احدهم اكتع يدق على العود, والآخر أخرس والأهتم ضارب الدف). وعلى البعد الإجتماعي لـ(صفية) البنت الفقيرة بنت بائعة السلات المصنوعة من الخوص, و(دليلة) التي تشبه صفية في الفقر وفي التخطيط للهرب منه بالزواج من الأغنياء, و( الصعيدي ) و واجتماعيا من خلال المهنة قدم (عباس) ابن بائع اللفت المملح, والمحامي فصيح , وركز على البعد النفسي مثلا عند (صابر) في (من يعلق الجرس) الذي تحول من حامل لكتاب الله الى محتكر مستغل يتحكم في قوت الناس. ومن الملاحظ هنا في سلوك الشخصيات أنها تتحالف مع أعدائها الحقيقيين وتحاول الاندماج في بيئات جديدة غير بيئاتها , فتعاني من الإنفصام النفسي والإنقسام الداخلي ولا تستريح في ثوبها الجديد وحياتها الجديدة, نظرا للفروق والإختلافات بين النشأة وما آلت إليه من حياة لها متطلبات مغايرة لصفاتها الأصلية, فنجد في (حكاية عبدالحليم أفندي وماجرى له مع المرأة الخرقاء) عبد الحليم يتعاون مع الإنجليز و مع سادة القصر من أجل الحصول على لقب الأفندي والحصول على المال والجاه, و(عباس) في (حكاية بزخارف) يتحالف مع الأغنياء ويتقرب منهم ويتعلم منهم حروف الهجاء وكيف يمسك الشوكة بيسراه والسكين بيمينه ومن ذات الغرض وهو التحول الى الغنى والثراء تبيعان- دليلة في (حكاية أم دليلة طاهية الموت) وصفية في (حكاية الريفية) – نفسيهما وأهلهما  وصابر في (من يعلق الجرس) بعد أن لبس ملابس الشيخ وينادى في القرية بـ(مولانا) نراه يشتغل بتجارة السمك وجني الأموال حتى صار محتكرا يحدد سعر السمك الحي والمملح .لكن نجد هذه الشخصيات رغم كل هذه المحاولات الطامعة والطامحة في التغيير غالبا ما تخسر وتفشل ولا تصل الى ما خططت له مسبقا, فمنها ما تؤول به الأمور الى السجن أو الإدمان او الموت ويصبح الواقع أكثر قسوة ضدها وأكثر اضطهادا

ثالثا : اللغة السردية:
باللغة العربية الفصحى في اقتصاد ودقة دون رخاوة أو ترهل قدم الكاتب الحكايات الأربعة عشر . يستخدم الكاتب أيضا تقنية الإستعارة : فالأمير هنا هو استعارة لحاكم عربي يمثل له النوم غاية هامة تشكل له الراحة والإبتعاد عن إزعاج متطلبات الرعية او وسيلة للتهرب من مسؤليات ما يتذكرها بين الحين والآخر فيستعين بالإستماع الى الحكي والقص ليشغل عقله عن أي شئ غير الراحة المنشودة فيستطيع الإمساك بزمام الأحلام على الوسائد ذات الريش الناعم المغطى بالحرير . ويبدو جليا أننا امام كاتب يتخذ من شكل الحكاية قالبا حكائي محبب الحكاية أم القصة القصيرة , ونلامس ميله للموروث الشعبي والتراث النابع من الفروق والإختلافات بين الطبقات الإجتماعية, كما استخدم الرمزية : فأختار ان يكون البطل (الأمير) مجردا من أي صفة أو إسم أو مملكة معينة أو بلد, و(الشيخ المسن) في رمزية للحكمة والخبرة المتراكمة بفعل التجارب طوال سنوات عاشها, و(الطفل) في رمزية تناسب المستقبل وتطلعاته والحلم المنشود والوداعة, و (الغائب) رمزا للهجرة والإغتراب و(عبدالحليم) في رمزية لشخص تسيد حلمه عليه فأصبح عبدا له, و (الخواجة) لإحتلال أجنبي بعادات وتقاليد مغايرة لأهل البلدة وعلى الجهة المقابلة قدم (الفلاح) في رمزية الى الأصالة والتمسك بالهوية الأصلية فهو ابن الأرض ونبتها, فهو الذي لا يعرف عن الأرض الا باطنها الذي يقوم بزراعته, حتى يبدأ المحتل في التنقيب والبحث عن ما في باطنها, فيلتفت الفلاح الى تلك الكنوز ويتسائل عنها، كما استخدم (المرأة الجميلة) في رمزية للأنوثة والأمومة بل والغواية أحيانا, ثم أراد الخروج على ذلك بأن قدم (المراة الخرقاء). تستشعر اللغة الوعظية أو النصح والإرشاد من جراء الحكمة وراء القصص التي يرويها للأمير وكأنه يقدم له نماذج مختلفة فيها العبرة لعله يعتبر من أمور الدنيا وتجارب الآخرين. الأسلوب بشكل عام واضح وبعيد عن الغموض والتعقيد على الرغم من استخدامه للفصحى سردا وحوارا, دون مراعاة للفروق الإجتماعية التي قد تجعل بعض الشخصيات قد تتحدث بلغة أقل فصاحة من غيرها أو بلغة أقرب للمحكية حيث تتفاوت درجات العلم والتعليم مثلا. وما يلفت النظر أيضا تركيز الكاتب على الألوان في الوصف مثال أول قصة التي كان للعنوان نصيبا من اللون أيضا فيها (من الزرقة الداكنة حكاية) فيظل يصف كل تفاصيل ملابس الشخصيات ولون السيارة والستائر وطلاء المنازل كلها يجمعها اللون الأزرق عدا ملابس العمال جمعها اللون الأسود. وفي (حكاية برأس وذيل) حيث يقول: بليل أسود يمسك بجذع شجرة اسود لشجرة صمت سوداء يهزه لتساقط الثمار السوداء بعد ضنى من أرض سوداء متشققة ويهرول في طرقات سوداء.. والقطة بيضاء حتى يلونها باللون الأسود).
رابعا: المكان السردي:
يرتبط المكان ارتباطا شديدا بالذات الإنسانية لا من حيث كونه موطأ للحياة بل لإرتباطه بالإشكاليات الأساسية للذات الإنسانية وعلى رأسها الهوية والحرية والإنتماء والإغتراب, وللمكان أبعاد ( جغرافي: من حيث الموقع , ونفسي: كمألوف أو مكروه, هندسي: المساحة والتقسيم, تاريخي, عجائبي: مستوحش مثلا, فيزيائي: بالإضاءة والإظلام, وشغل الفراغ بالأثاث, اجتماعي: لتبيان الطبقة الإجتماعية). تقول (د. نبيلة إبراهيم في خصوصية التشكيل الجمالي للمكان في أدب طه حسين) إن المكان هو المشكل الأول لفكر الإنسان ووجدانه, يترتب على هذا أن المكان هو الذي يشكل الموروث الثقافي للأعرف والتقاليد والعادات والسلوك بل وملكة التخيل لدى الفرد والجماعة. المكان هنا متعدد ومتشعب في الحكايات, فهناك المكان الرئيسي الذي يدور فيه فعل الحكي او القص للأمير وهو القصر, ثم لكل حكاية أو قصة مكانها المختلف ,تدور في قرية وفي ضواحي المدن, والأسواق, والمحكمة, والمسجد , وأيضا( الفندق المطل على النيل ليظهر طبقة الكونت الإيطالي الإجتماعية ورغد العيش)كما تشترك (تيمة البناء) في الثلاث قصص الأولى فتجد:الكونت يرسم على الورق سبعة بيوت بأسوارها وحدائقها وطوابقها, ويأمر ببناءها. والقرين في الثانية يطلب من الحداد بناء حجرة بجدران من الصاج المتين وباب صاج بعين مسحورة . وعبدالحليم في الثالثة يطلب بناء سور من الحجر, ومنزل لكبير الإنجليز ومطبخ وورشة ومخزن ورصف الطريق لتهبط فوقه الطائرات .كما لعب المكان دورا هاما في انتقال عبدالحليم من عيشة الفقر الى عيشة الثراء حين بلغ بر الغرب ووقف على الرمل الناعم ليبول فناداه الصوت الرجل الإنجليزي من هناك. كما لعب المكان دورا هاما في انتقال عباس من المنزل الى الشارع الذي غير مجرى حياته في (حكاية بزخارف)كما اتخذ من المكان كمنطلق لبداية الأحداث والعنوان مثال حكاية (الصعيدي الذي هده التعب فنام تحت حائط المسجد القديم) كما أن النزاع بين القرين وبكري كان على مكان وهي (الأرض) المسلوبة.

خامسا : الزمان السردي:
الزمان متعدد ففيها زمن الحكي أو القص الآني وهو زمن السارد الرئيس الذي يحكي القصص للأمير حتى ينام , وداخل القصص أستعان مثلا في بعضها برواة ثلاثة يروون ما يحدث من وجهات نظر عدة, وبالتالي أزمنة وأماكن عدة, وفي بعض القصص يبدأها بقوله (أنا لم أشهد تلك الأيام لكني حضرت ليلة أحياها الثلاث رواة)( في حكاية عبدالحليم أفندي) .كما أن الفعل الماضي هو المسيطر على القص والحكي فهو يستحضر في ذاكرته القصص والحكايات التي تتداعى له فيرويها للأمير حتى ينام ,كما ذكر أيام بعينها مثال (الثلاثاء) ليعبر عن السوق الذي يقام يومها في حكاية (الريفية صفية), و (يوم حفظ كتاب الله ) في (من يعلق الجرس) و( يوم السبت الذي طلع فيه عباس على الناس بثوب العارف) في نفس القصة .ومن الملاحظ أيضا الإفتتاحية في بعض القصص من المجوعة كانت عنده تمهيد بالمواقيت الصيفية والشتوية كإستهلال فيبدأ في الأولى من عند (ان الكونت الإيطالي شاذ الطبع دخل مدينة الشتاء بالصيف) ويستمر في وصف الطقس وحرارته وعلاقتها بملابس الشخصية وتصرفاتها.وفي الثانية يبدأ من عند (هنا أقول أن ثمة صيفا أقبل لا ككل صيف فهذا الحر في الجوف لا يلطفه ماء ) ويكمل الى ( والله واحد يا أميري والشمس بوجهين). وفي (حكاية برأس وذيل) يبدأ بـ ( مر شتاء وهذا شتاء ….)كما اتخذ من تصاعد الزمن والمواقيت كخطوات تتصاعد بها حبكة القصة في (حكاية ام دليلة طاهية الموت) تبدأ خطتها بعنوان ( وضع القدر على الكانون) فتدور أحداث بداية الخطة أو طبخة الموت, ثم يمر زمن قليل فتنتقل للخطوة الثانية (القدر فوق نار هادئة) ثم (تحت القدر نار حامية) وصولا الى (بعد ماينضج الطبيخ ترفع القدر ).

سادسا : الحدث والنهايات
لقد كان النقد التقليدي والقصة التقليدية، يهتمان بالنهاية اهتماماً بالغاً من منطلق أن هذه النهاية هي لحظة التنویر” التي تضيء العمل كله ,لكن هنا تتضمن القصص حدثا بارزا أساسياً يبدأ وينتهي ويمكن القول أن هذا الشكل هو الشكل التقليدي للقصة القصيرة عامة قبل الكاتب ولكن الخصوصية التي ميزت يحيي الطاهر عبدالله هي كيفية تعامله مع هذا الحدث, إن الحدث هنا – في معظم الحالات – يتخلص من مسألة الوسط التقليدي، وتأتي القصة جميعا في سعي لتقديم لمحات متعددة، قد تبدو ليست مترابطة ظاهريا، ثم تأتي النهاية إما كإيقاف الحدث عند نقطة معينة ، قد تكون حاسمة، أو مائعة، أو كنوع من الجمع لخيوط الحدث,وتلاحظ هنا في المجموعة أن الحدث متتابع وتشعر بحركة العناصر والشخصيات فيها وتداخلها و جدلها الذي ينتج التسلسل لا التجاور,وعن النهايات فقد جاءت النهايات واضحة إلى حد ما وإن كان الكاتب يراوغ أحيانا في تحديدها وتنوعت بين أنماط ثلاثة كالمواجهة أو الهروب أو النهاية المأسوية أو العقاب كما هي نهايات قصص حكايات للأمير .فمثال نمط المواجهة نلاحظه في (حكاية صيف) فكانت المواجهة بالخوف فتجد أن شخصية “القرين” تخاف من ابن الشعب ” البكري” الذي وصفه للقتلة الثلاثة بأنه كلب ابن كلب ونسي أن يقول لهم أنه ثعلب ابن ثعلب وقال ذلك في نفسه فقط .كما جاء نمط المواجهة في (قفص لكل الطيور) فالأستاذ فصيح المحامي ينجح بمرافعته الماكرة ان يحصل على الإفراج للضرير والخرساء, ثم الإفراج عن الحداد والنجار وصانع الأقفاص من جريد النخل, في مواجهة ماكرة ضد القضاة الذين لهم زئير الأسد على حد وصفه .ونمط النهاية المأسوية مثال نهاية (من الزرقة الداكنة حكايات) التي تنتهي بمشهد العربة ذات الستائر الزرقاء تدهس بعجلاتها كل بشر وشجر وطير وحيوان حتى بيوت النمل لم تنجو ويتصاعد الغبارليغطي كل شئ.و (حكاية الريفية) صفية التي تهرب من الفقر المدقع الى الثراء وتتخذ من زواجها من الثري كوسيلة لهذا الهروب، فكانت نهايتها هي وزوجها الموت في وحدة وإنعزال عن الجميع .ومثال النمط الهروبي نلاحظه مثلا في نهاية (حكاية عبدالحليم أفندي وماجرى له مع المرأة الخرقاء ) الذي يهرب من فضيحة أنه لا يعرف القراءة والكتابة بالتوسل للمرأة الخرقاء ألا تفضحه أمام الناس عقب أن اضطر للإعتراف لها بالأمر حين طلبت منه أن يقرأ خطاب ابنها المسافر بعيدا عنها .ومثال النمط العقابي:في (حكاية الصعيدي الذي هده التعب فنام تحت حائط الجامع القديم) ذلك الصعيدي الذي يبني العمارات مع أقاربه عمال البناء وعند نهاية كل عمارة يستريح أحدهم تلو الآخرمن مشقة البناء بأن يعمل بوابا على هذه العمارة, في دورمنتظم ومرسوم, لكن الصعيدي هنا فكر أن يستبق دوره فعوقب بأنه خسر نفسه وشبهه الكاتب بأنه ضيع عمره كما ضيعت بائعة اللبن الحمقاء اللبن.وفي (حكاية برأس وذيل) تجد أن جاد المولى الأعرج الذي كان دواء زوجته الكسيحة ان تأكل من لحم قط أسود, فقرر أن يستخدم حيلة في أن يصبغ قطه الأبيض باللون الأسود فعوقب أن ماتت القطة ولم تعالج زوجته. وفي قصة (حكاية بزخارف) تجد عباس ابن بائع اللفت المملح الذي ترك منزل والده الى الشارع وقرر أن يرتدي ثلاثة أثواب ثوب ثعلب ماكر وثوب قرد وثوب قط له سبعة أرواح يخلع هذا الثوب ليلبس هذا الثوب  يعاقب بأن يلقى به الى الإصلاحية حيث لا شرفات ولا حمام ساخن ولاالسينما التي يحب ولا لحم ولا تصاوير.

النهايات يجمعها قاسم مشترك الى حد كبير فهي تكاد تكون نهايات قدرية حتمية ذات مغزى إرشادي ووعظي ويلخص لنا الكاتب في ختام هذه القصص نهاية عامة وشاملة لكل المفارقات والأحداث المختلطة والشخصيات المركبة السابقة فيقول (وهكذا يا أمیری فررت من مكان العشق على أرضه مستحيل، وأنا أضرب الكف بالكف من اختلاط الأمور في هذا الزمان ولسان حاله يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله .. وآه من زمان أعيشه).