بؤس الصورة الجماعية!
علي جبار عطية|كاتب عراقي
رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية
منذ التقاط المخترع الفرنسي جوزيف نيسيفور نيبس أول صورة فوتوغرافية في العالم قبل نحو قرنين من الزمن صارت الصورة جزءاً من الحياة، وولدت معها مهنة المصور التي لها قواعد وأصول ومتاعب وأمجاد .
أتذكر بهذا الصدد فلماً سينمائياً مهماً لأحمد زكي أنتج سنة ١٩٩٨ عنوانه (اضحك.. الصورة تطلع حلوة) من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، وهو فلم حاشد بالأحداث والمفارقات والصراع الطبقي.
يتناول الفلم بعضاً من معاناة فئة المصورين في المجتمع الذين هم جزء منه لا غنى عنهم فالمستمسكات الرسمية لاتكتمل إلا بصورة، وكذلك اللحظات السعيدة والمهمة توَّثق بصور، وإنْ اختلفت الكاميرات وتنوعت وسائل الالتقاط حتى وصلت إلى كاميرات الهواتف المحمولة.
كانت أجهزة التصوير في السنة التي أنتج فيها الفلم هي الكاميرات الكلاسيكية والحديثة، ولم يكن التصوير بالهواتف النقالة قد دخل في حياة الناس، وجعلهم يستغنون عن المصور كما استغنوا عن ساعي البريد لكنهم بقوا حريصين على التقاط الصور الجماعية في مناسباتهم السعيدة والحزينة وما بينهما !
يبدو البحث عن جدوى للصورة الجماعية عملاً غير ذي جدوى؛ لأنَّ الكثير من الناس على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية يحرصون على التقاط الصور الجماعية جرياً على شغفهم بتمجيد ذواتهم ،وتعظيم قدراتهم لكن واقع الحال يؤكد أنَّ هذه الصور لا يمكن الاستفادة منها إلا بحدود ضئيلة لعدة أسباب منها :صغر أحجام الموجودين فيها، وعدم تميّز شخوصهم ، وتعذر التعريف بكل شخص فيها لو أراد الشخص المعني نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
تفقد الصورة الجماعية أهميتها كلما ازداد أعداد المشاركين فيها سواء كانت المشاركة في حفل زفاف أو عيد ميلاد أو حفل تخرج أو تجمع ثقافي أو اجتماعي أو حضور في ندوة أو فصل عشائري، وغيرها من المناسبات، ومع ذلك تجد إصراراً عجيباً على المشاركة فيها، ورغبةً قويةً للتصوير بدعوى التوثيق!
والغريب أن تحاط صور الزفاف بهالة من الأهمية لتركن في ما بعد في أماكن لا يراها حتى المتزوجين أنفسهم بغض النظرعن قوة العلاقة الزوجية أو ضعفها !
لذا فمن النادر أن يحتفي الزوجان بصورة جديدة لزواجهما إلا إذا كانت علاقتهما استثنائيةً كما أوردت قبل سنوات صحيفة (الصن) البريطانية أنَّ كهلين صينيين (من طويلي العمر) التقطا صورةً جديدةً لزفافهما بعد مرور ثماني وثمانين سنة على عقد قرانهما. ووفقاً للصحيفة فإنَّ الرجل يُدعى (وو كونجهان) يبلغ من العمر (١٠١ سنة) وزوجته تدعى (وو سوجنشي) تبلغ من العمر (١٠٣ سنوات)، وقد تزوجا في سنة ١٩٢٤، وعاشا معاً ما يقرب من تسعة عقود من الزمان !
لكنَّ حالة العجوزين الصينيين تبقى استثنائيةً، والاستثناء يثبت القاعدة، ولو خُليت لقلبت !