مقال

التحجر أنواع.. فأي أنواع التحجر تمارس؟

أ.د. هدى مصطفى محمد
أستاذ بكلية التربية – جامعة سوهاج

يرجع لفظ التَّحجُّر إلى المعنى اللغوي تحجر الشخص أو الفكرة. تجمد ولم يتطور مع التقدم، أي ظل في إطار تقليدي جامد. والتحجر أو التصخر هي العملية التي تحدث للمواد العضوية فتتحول ببطء شديد لأحجار من خلال إحلال المواد العضوية وامتلاء مكانها بمواد معدنية.
وهناك أمور عدة يمكن أن تتسم بالتحجر، فهناك التحجر اللغوي، والتحجر الفكري، والتحجر العقائدي، والتحجر الأخلاقي، والتحجر السياسي والتحجر الطبي.
والتحجر في أي منحى من المناحي يرتبط بفشل الفرد في اكتساب ملامح جديدة ترتبط بموضوع التحجر، أو أنه يلازمه أخطاء في تلك المناحي فهناك علاقة قوية بين التحجر والأخطاء وهذا يطلق عليه تحجر الخطأ وهو ثبوته.
فمثلاُ في اللغة يكون هناك ثبوت خطأ في اللغة سواء في المستوى الصوتي أو الصرفي أوالدلالي أوالنحوي ويكون هذا الثبوت مؤقتاً أودائماً ويطلق على الأصوات أوالصيغ بأنها أصوات متحجرة أو صيغ متحجرة.
والتحجر اللغوي أنواع: فمنه الكُليّ الذي يشمل كل جوانب اللغة، وهناك الجزئي الذي يرتبط بمستوى معين كالمستوى الصوتي، ومنه على سبيل المثال: نطق الشين سيناً كما في كلمة شمس فتنطق (سمس)، وكما في صوت الجيم الذي ينطق دالاً كما في كلمة رجل فتنطق (ردل).
وهناك التحجر المرحلي: وهو الذي يصيب الأبنية اللغوية في مرحلة نمو معينة أو مرحة تعليمية معينة ثم يتجاوزها فيما بعد، كما ينطق الأطفال الراء لاماً، أو الحاء هاءً في مرحلة عمرية معينة ثم يصح النطق فيما بعد في مراحل عمرية تالية.
ويظهر التحجر اللغوي بصورة أكثر في اكتساب اللغة الثانية فيقف نمو اللغة الثانية لدى البعض في مرحلة من المراحل توقفاً جزئياً أو كلياً مؤقتاً أو نهائياً.
وتؤثر بيئة التعلم تأثيراً كبيراً على التحجر اللغوي إذ تمثل بشكل كبير سبباً ومصدراً للخطأ. ومن مؤثرات البيئة التعليمية المناهج والمقررات والطرائق التدريسية والمحيط الاجتماعي بأكمله، وظاهرة التحجر لاترتبط بعمر المتعلم ولابكمية المعلومات اللغوية التي يقتنيها فقد تحدث في أي عمر زمني ومع اختزان أي كمية لغوية.
وهناك التحجر الفكري ويعني تمسك الفرد ببعض الأفكار الخاطئة ولايقبل تغييرها، أو حتى تجديدها؛ وهذا مايجعل الأشخاص المتحجرين فكرياً يظهرون بمظهر التعصب الشديد لفكرة ما بالرغم من خطأ هذه الفكرة. وقد يصل الأمر بهم إلى حد الخصومة مع أصحاب الآراء الأخرى فهم يرفضون الآراء المخالفة بشكل قطعي ولايحاولون تفهمها.
أما التحجر العقائدي (العقدي) فهو يرتبط بالبناء العقائدي للفرد، فيتمسك بما يعتقده ولايقبل أن يستبدلها بعقائد أخرى مهما اتضح مافيها من صحة، وبذلك يظل في معتقده الخطأ بالرغم من معرفته بالمعتقدات الصحيحة، ومن هذا التمسك ببعض العادات الخاطئة المرتبطة بجوانب العقيدة مثل قراءة الكف أو الفنجان، أو زيارة السحرة والدجالين..
ويرتبط بالتحجر العقائدي التحجر الديني وهو الإصرار على ممارسات دينية أو بالأحرى يرى أصحابها أنها ترتبط بصحيح الدين مع فساد هذا الرأي بالدليل، ومع هذا يصرون بالتمسك بها. فإذا كان الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه إلا أن بعض الأفراد لايسعون إلى اليسر ويرون في اليسر تساهلاً يفسد الدين، وفي المجتمع كثير من المظاهر التي تمثل التشدد لدرجة التحجر منها رفض تعاون بعض الرجال أو النساء مع زملاء العمل وهم بذلك ليس بالأكثر تديناً ممن يتعاونون مع الزملاء مع وجود ضوابط والتزام بالأخلاق الدينية، بل أقرب للتحجر ومثلها العلاقات مع الجيران والأقارب.
والتحجر يختلف عن الأصولية، فإذا كانت الأصولية تعني قبول الأصول المنطقية المبرهن عليها والالتزام بها، وتنسيق كل السلوكيات بمقتضاها، أما التحجر فهو دفاع من منطلق التعصب مع عدم الدليل. وهو بذلك أقرب لحمية الجاهلية التي أشار إليها القرآن في قوله تعالى “إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ” سورة الفتح: 26. فحمية الجاهلية هي دفاع من منطق الجهل.
وهناك التحجر الأخلاقي وهو أن يعلم الفرد أن هناك خلقاً سيئاً ومع هذا لايفارقه، كالكذب والنفاق والنميمة والرشوة وقد يندم في بعض الأحايين على هذه الأخلاق ومع هذا يمارسها ويقف عندها، ولايستطيع التخلي عنها فقد أصبحت جزءاً من شخصيته. وقد يمعن البعض في الخطأ بتسمية هذه الأفعال بغير مسمياتها الحقيقية ليخرج نفسه أو يرتاح ضميره فلا يوسم نفسه بهذه المسميات فيجعل منها مجاملات أو مراعاة مشاعر الآخرين أو وصف حقيقة وغير ذلك من السمات التي يراها حميدة ليجعل من نفسه شخصًا يتسم بأخلاقيات حميدة بينما هي في واقعها سيئة وتحجره الأخلاقي يحول دون التخلي عنها فيبحث لنفسه عن مبررات.
وهناك التحجر السياسي ويعني التمسك والانتصار لحزب أو تيار سياسي معين دون التحول عنه بالرغم من وضوح سلبياته أو أخطائه.
وهناك التحجر الإداري، حيث يقف أصحابه على ممارسات ثابتة مهما كشفت المواقف عن الخطأ في هذه الممارسات وعدم الجدوى في النتائج. فهم لا يتغيرون ولا يحاولون التجديد لتحسين النتائج، فهم على قناعة تامة بسلامة مواقفهم وممارساتهم الإدارية ويدافعون عن هذه القناعات بكل قوة وإن لم يمتلكوا الأدلة.
وأخيراً: انظر لنفسك وحياتك لتكشف أي أنواع التحجر تمارس وتذكر النصيحة بألا تكون صلباً فتكسر، فالتحجر والتصلب في بعض المناحي قد يكون سلبياً وسبباً في هدمك فاحذر.
ويرى البعضأن التحجر ليس على الإطلاق ظاهرة سلبية بل قد يكون ظاهرة إيجابية عندما نتمسك بالصحيح ونثبت عليه ولانحيد عنه مهما حاول البعض، فالتحجر قد يساعد على تهدئة النفس والعقل والتركيز والتمعن فيما نفعل فتصفو النفس، وتنصرف إلى التأمل في العبادات كالصلاة والدعاء والصيام. ووفق هذا الرأي يمكن القول إن التمسك بالتعاليم الدينية الصحيحة السمحة تحجر محمود، وتمسكنا ببعض العادات الاجتماعية الإيجابية كمشاركة الجيران في أفراحهم وأتراحهم مهما وجدنا في ذلك من مشكلات ومعوقات تحجر محمود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى