أدب

ديوان دوبامين لأحمد الشيخ.. رحلة البحث عن الذات

كريم علي

الديوان هو رحلة البحث عن الذات (رحلة النص للوصول للعالم , مواجهة جيل لصراع العالم)، وأغلب ما يميز النصوص في الديوان سمات واضحة وتيمات كالشمس, العناصر الأساسية التي قام عليها العمل وهي:
• الحزن : مثال
(عزيزي ابن جيلي اللي اتفطم صبار
وعمره ما كلها بالساهل
ياجيل عبرة
ياماشي العمر بالمندار
ويمكن برضه تستاهل)
وقوله (وبحكيلك يارب اني حزين, حزين جدا )
وقوله (بلاش م الحزن يطفو فشوش)و ( وارخي العصب على قد حبك للشوارع والسكك ماتشدهوش) و( أي حزن قادر توصفه مقدور عليه)

• البحر والسما :
( البحر بيعزف مد خفيف) , ( يشق البحر ليك لو عوزت) , ( بيشق صدر السما زقزقه) , ( ع البحر اتجمع كل يمام مفرد ووليف), ( السما مش أصفى من يدك)
• النخل : ( النخل طارح خط خير أخضر ) , ( ينشف الرطب ع النخيل)
• العمل : ( يانومة عامل المصنع على الكراتين) , ( يازيت المكن لما اختلط بزيت الفول) , ( يابركة المليم لما استبدل الإنسان بالمكن) , ( يا آلة حنونة نغمها المدد)
(خلق الإنسان العاشق للكَبَد .. عنيكي دي ولا الدوام للأبد)
• المرض : ( مستحلي السقعة اللي في نفسي برغم الربو) , ( بينحت الأزميل ضلوع مش طوب) , ( بودرة البخاخ في صدرك تزاحم الدخان)
• المرأة : ( نص مريم , نص زينب, نص سولميت, نيران صديقة)
• الإقتباسات : ( كان يحصل ايه لو علم آدم الأسماء كلها.. ونساها كلمة سلام عشان ماشية ) ( انا معرفش البحر بيضحك ليه.. لكن عندي سبب معقول بكاه ) ( احلى ما في الدنيا الشفاعة.. وقت ما بتكون بطولك )
( اصدق حاجة اتقالت ان الإيد في النار أبدا ما تساوي ايدين باردين) ( فصبر جميل) ( قلبي يا سبع ترواح)

الخط الرابط في الديوان : ( الهزيمة الكاملة ) اسم نص للشاعر احمد عبدالحي: الشعر واسع ومتعدد , كثيرة ملاعبه, وكل شاعر يختار ملعب, ربما كان الأدق أن نقول يناديه ملعبه, ليقوم بتمهيد أ رضه وترسيم حدوده وتحديد سعته واختيار جمهوره قبل ذلك وبعده ( محمود الحلواني)  ويأتي جان جيف يعرف الشعر بأنه ( روح تنفتح شكلا ويصلنا بها أكثر وأعمق). في الطبيعة يخلق الخيال الشكلي كل الجمال غير الضروري داخل الطبيعة مثل الأزهار وفي حين أن الخيال المادي يهدف الى عكس ذلك الى انتاج ماهو بدائي وخالد في الوجود وفي داخل العقل الإنساني يكون الخيال الشكلي معني بالجمال الفاتن بالتنوع والمفاجآت في الأحداث بينما يتركز الخيال المادي على عناصر الديمومة في الأشياء , الخيال المادي في الإنسان وفي الطبيعة يفرز بذورا وفي تلك البذور يكمن الشكل بعمق ( جماليات المكان – غاستون باشلار)

وعلى ما قاله باشلار يمكن ان نطرح تلك النظرية على دوبامين هنا يقول الشاعر : يبدا الشاعر ديوانه بـ :  (ياعصافير الغروب .. النخل طارح خط خير أخضر .. بيشق صدر السما زقزقه .. ويشب بصوابعه .. تبوس فروعه الشمس, يضحك .. يرقص لما الهوا يلاعبه.. يافراش الحقيقة المهاجر.. كل الشباك اتشبكت لجل يصيدوك.. الحلم لك .. والفكرة لك .. نورك في روحك .. مهما يعيبوك) هنا يعطي الشاعر الأمل للإنسان وكأن الإنسان عصفور حر طليق تضحك له الشمس والنخيل ويأسس لفكرة هي الأهم (الأمل) ( الحلم لك والفكرة لك)  وبان كل ما يحلم به الشاعر له ولكنه لابد أن يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة ثم بعدها يرسل إليك المفتاح ( نورك في روحك مهما يعيبوك)  وكأن الإنسان خلق للتجربة والتجريب فلا تلتفت لهم جرب وعيش.
ثم ينتقل الشاعر الى التجربة ومشاكلها والى مواجهة مصاعب الحياة ( نوم السفر كوابيس – ينام الغريب قلقان – بودرة البخاخ في صدرك تزاحم الدخان – أصعب ماشية هتمشيها يا إنسان.. مشية وضهرك عريان ) ويسقط الشاعر مع التجربة التي تأتي بتجربة لتجربة وهكذا حتى يبدأ الحلم فالهزيمة ويبدأ عالم الشاعر الحالم في السقوط ( دنيا ودايرة تعري بجنون .. وتكشف وشوشنا تزود تجارب .. ووحدك تحارب .. ونفسك تخون) ثم يطرح الشاعر هزيمته صريحة : ( كان حلم الورد سكة خضرة مش متارس .. ماشي وبسأل نفسي ازاي .. ازاي ماشوفتش لعنة الحلم اللي صدى بين ضلوعي)
وهنا يفضح الشاعر نفسه أمام التجربة وأمام حلم جيل كامل وحلمه هو شخصيا كأن التجريب هو المسار لمواجهة العالم, لمواجهة الشعر , الثورة , الحلم, الكتابة, والموت يواجه حلم جيل كامل أمام متاريس الحكومات والبيروقراطية والجهل والتخلف متاريس الإنسان وروافضه من جهل وفقر وتخلف. ( عزيزي ابن جيلي اللي اتفطم صبار.. وعمره ما كلها بالساهل .. ياجيل عبرة .. ياماشي العمر بالمندار.. ويمكن برضه تستاهل) هنا يبدأ الشاعر في الإفصاح عن مكنون صدر وعن إرثائه لنفسه ولأصدقائه ولجيله وكأنه يكتب جواب الى رحلة طويلة , رسالة الى أجيال قادمة في صورة هذا الجيل ويبعث بها لهم من خلال شعره لمن يتعظ ويعتبر ( ياجيل عبرة) ثم يعترض على ما يحدث لهذا الجيل ويحزن ويخاطب نفسه ( وكل سنين حياتك تبقى دي بالذات)  ثم يعلق على كلامه ويقول أنه ليس معترضا على القضاء والقدر ولكنه حزين ( وبحكيلك يارب بإني حزين .. حزين جدا) وكأن الشاعر ليس له أحد يحكي له ليس لديه سبيل للحديث ولم يضف لنا هل هو خوف أم عدم وجود صديق ام انها حديث الروح لنفسها , ويتضح هذا فيما بعد في النص , ويواجه القيقة الكاملة المرة هذا الجيل أصبح على كرسي بعجل وأن اللمة الكدابة دائما نهايتها الهزيمة , وأن وجود صديق حقيقي واحد بجوارك هو السند والأمان اكثر من الآف بلا فائدة وهنا يتحول النص من العام الى الخاص . ثم يأتي نص ( قال ألقها) وهنا النص ليس للإقتباس الذي تذكرنا به الآية ولكن هنا هو الحلم فيقول ألأقه من قلبك ويواصل نفس الصوت في قصيدة قلب قماش فيبدأ بقوله (روحي حرة .. شوفي لقدام بسنين ) وكأن الشاعر ( زرقاء اليمامه ) نص لأمل دنقل , يرى المستقبل ليخبرنا بالقادم , لكن سرعان ما يخبرنا بأن هذا الجيل أخذت منه الهزيمه ما أخذت في صورة الشاعر ( العين مقسومة نصين خايفين .. فاس الدنيا عزقت وشي .. جنبي طرشق منه النعناع فدادين ) وهنا يقول الشاعر ان الدنيا قد أخذت منه ما أخذت لكن لأن الأصل الطيب والمراد خير فهذا لم يخرج منه سوى جناين نعناع على الجنبين هذا هو الجيل الذي ما ضربنا فيه بالفأس حتى يخرج لنا الحنين للبلاد وللروائح الطيبة للعمر القادم , لكن الهزيمة التي ترمي بثقلها على الشاعر فتجعله (خللتني أشوف الناس خيالات.. مهزوزة ياصورة في الجفن الدامع ) و ( عيني بير .. راسي رحاية حجرها داب من شدة التفكير)
وهنا يلقي الشاعر بخيباته على القارئ ويعود سريعا الى جيله ويقف بين صفوفهم ليرى العالم من نفس الزاوية التي ضاقت عليهم وعليه , يرى العالم من زاوية المتاريس التي ذكرناها سابقا لكن هنا يلقي بظلالها بشكل اخر شكل من أشكال العالم المحيط ( السلسة سلسلة لو حتى حرير ) وهنا يطلب الشاعر الخلاص ليس من أحد لكنه من الله الذي كان يفضفض له في نصوص سابقة لكن هنا يستنجد ويقول ربي أرني كيف تحيي الفرصة. وعن طلب الفرص يبدأ نص ( قروش) بقوله ( نبح الكلاب في الفجر ما هز شوق رجلي لتراب الدرب .. ولا هز في العمدان ونس .. صوت الهوا المتعافي ع الشباك .. بيسد ودني عن سماع سر البيوت .. واستبدل الودودة بالخرس)
هنا يخبرنا الشاعر بأنه مهما نبحت الكلاب وظهرت العراقيل فهو مازال ينصب عينيه على حلمه حلم الجيل الذي يتمثل في الشاعر ثم يخبرنا بأن الأحداث هي هي والأيام هيهي وكأنها لا تتغير (هياها الصلمة وهي العمدان.. لكن مش نفس الإحساس .. أعمار بنور وطاقات من نور .. أولنا ولاد وبنات الحور .. وآخرنا تراب لعضام في قبور ) وهنا يحضرني قول الأبنودي (وأكيد هيجي جيل أوصافه غير نفس الأوصاف) ثم تأتي الهزيمة من الشاعر أمام الماكينة أمام الحياة ومتطلباتها ( عافية الجدعان تروس .. العرق موضة وبطلت الكلمة للمواتير).

ثم يبدأ نص زينب: والذي يعود بالشاعر الى الحلم الذي يطلب فيه من الرب مرة أخرى أن يريه كيف يحي الفرصة ليطمئن قلبه ولكن سرعان ما يفضي الينا بما كتب له النص او قد نقول الديوان بأثره 🙁 أنا مليت من العالم .. من الإنسان .. من كل مهم متهمش .. جوايا الجرح طول روحي وما اتلمش) هذه الهزيمة الطاغية عليه وعلى كل مهم صاحب قضية وعلى الزمان الذي جعل من انصاف الموهوبين والإمعة صورة ونموذج يطرح الشاعر ما في نفسه أمام العالم وما يواجهه كل الحقيقيين في هذا الزمان المسح. وهنا مقصد القول ولب الديوان والحدوتة والحلم الذي ينغص على الشاعر حياته : ( هذا الكوكب ملعون .. مسكون ببشر بيشر غباء وذهان.. م الآن , مش هيساع غير الماكينات)
ولأن الشاعر في مواجهة الحياة والحلم مازال لا يستطيع أن يقول كل مايدور في خلده كل ما في نفسه (وفي معنى الشعر ما يوصفهوش لكن يتحس) وهنا يأتي التعريف الذي ذكرته في بداية حديثنا على لسان جان جيف , ومن هذا التعريف
يصل بنا الشاعر الى المعضلة الحقيقية من الحلم وصعاب الحياة ومتطلباتها ومايواجه الشاعر وحلمه ونفسه : ( الدنيا بدون ما تسمي حطتنا في ملعب بني آدمين .. مطلوب منك تكسب جولات وبدون تمرين .. مش فاكر كام مرة دريت في الملعب.. لكن فاكر اني جريت من عمري سنين.. جربت ملاعب مختلفة .. ولعيبة كتير أشكال وألوان .. وفي عز اهم الماتشات في حياتي .. معرفتش أرمي الكورة لمين)
وينهي مرحلة الشاعر من حياته وحياة جيله بأن كل هذه التجارب والمحاولات ما هي إلا وصول الى ( إيه يعني ما كلنا تايهين) ثم يرد عليه مغرضين زمانه وكل زمان ومكان : ( ده انت يا بختك.. جوه الملعب.. ده انا لو منك أكسب .. متكف ايد متغمي العين.. أدوار مكتوبة ودورك سهل .. هيكون يعني أصعب من مين .. ويهز كتافه لأنه حمار.. اصدق حاجة اتقالت .. ان الإيد في النار .. أبدا ما تساوي ايدين باردين) ثم يذهب الشاعر في نص (العلة) والذي معي مشكلة في الاسترسال لكن هذا ليس موضعه الآن, ينتصر الشاعر للشعر وللفن فيقول: ( الشعر أحلى لو من لسان الناس اتقال.. والمجد للشاعر اذا قال بني الإنسان .. وكان راضع هموم الناس.. وكانت قبلته والغدر عكس عكاس.. وقام صلى بآيات الزهد والإخلاص) حتى يصل الى قوله ( ملعونة المعركة لو هيجني ثمارها عويل ) وهنا يحضرني قول الشاعر الكبير أمل دنقل (اه من في غد سوف يرفع هامته..غير من طأطأوا حين أز الرصاص؟)
ويظهر النهاية عند الشاعر في نص ( الكارما) والذي يعلنها صريحة : ( الدايرة مقفولة وانا ويوسف في جوف البير) ويختم النص لا أدري بالأمل أم الاستسلام للهزيمة هنا تظهر العثرة وعدم فهم القادم من الحياة أمام الشاعر فهو لا يعرف هل هناك خضر أم النهاية يزيد الصراع الذي يواجهه الشاعر وجيله الهزيمة الكاملة ( مهما كان النور بعيد .. كل سفينة وليها خضر.. ومهما كان فيكم حسين .. لابد برضه يكون يزيد ) ثم يختم بسؤال سيدنا الولي ( هو صحيح سليم العشق والنية.. دايما يكون المبتلي) .. ويحلم بالنهاية ( يامين يرتب جوه قلبه الكركبة .. يامين يرد الأسئلة فتنجلي).
ينتهي النص والديوان لكن لا تنتهي الأسئلة , الديوان يطرح الكثير من التساؤلات وكثير من الصراعات دون جواب من الشاعر لعل هذا الصراع امام الحلم وأمام العالم ما هو إلا نموذج صغير من جيل كامل, حطمته مشاغل الحياة وذلك الطفل الذي فجاة أصبح مطالب بتوفير متطلبات الحياة ومواجهة مصاعب العالم ذلك الطفل الذي وجد نفسه امام خيانة الزميل والصديق أمام انهيار حلمه أمام الماكينة والجنيه أمام سوق العمل والإنفتاح وأخيرا أرى في الديوان الهزيمة الكاملة لهذا الجيل .
(ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة .. ليمر النور للاجيال مرة ) أمل دنقل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى