الكرم وصنائع المعروف…مصيدة القلوب وعربون المحبة

دكتور عادل المراغي | القاهرة

يعد الكرم والجود وبذل المعروف من أقصر السبل لتأليف القلوب النافرة،وما وجدنا كريما إلا محبوباً ولا بخيلا إلا ممقوتا ،ولقد كانت العرب في الجاهلية يتفاخرون ببذل الندي وقضاء الحوائج ،ولقد ذكرت كتب الأدب كيف سار الركبان بكرم حاتم وسار مضرب المثل ،وكيف تغنت قريش بعثمان بن عفان وتعلقت به القلوب وهوت إليه الأفئدة وطمحت إليه الأعين واشرأبت إليه الأعناق،لكرمه وسخائه،حتي كانت المرأة ترقص طفلها وهي تنشد:-

أحبك والرحمن….. حب قريش لعثمان

لقد غزا عثمان القلوب بكرمه فاشتري الجنة ثلاث مرات، مرة حينما اشتري بئر رومة، ومرةأخري حينما جهز جيش العسرة،ومرة ثالثة حينما وسع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

والكريم قريب من الله قريب من الناس كما روي عن أبي هريرة -رضى الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:  “السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل رواه الترمذي

وصنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات وتزرع الحب في القلوب،وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة،ومن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، قال حاتم الأصم (من طلب الجنة وحب الناس دون إنفاق المال فهو مجنون).

والبخل هو السبب الرئيس في كل مصيبة وقطيعة وشحناء وبغضاء، (إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ ، وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ) رواه مسلم. والبخيل له البشري بحادث أو وارث ،والكريم سريع الخلف حافظ بعد الموت للخلف،واذا أنفق الإنسان مثقال حبة فإنها ستنبت في القلوب المودة والمحبة، والكرم سبب لنيل الذكر الحسن والثناء الجميل

كل الأمور تزول عنك وتنقضي        إلا الثناء فإنه لك باقي

ولو انني خيرت كل فضيلة    ما اخترت غير مكارم الأخلاق

ولقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم قلوب الخلق بالكرم والجود وألف بين قلوبهم  وما رد سائلاً قط.

مـا قـال لا قـطُّ إلاّ فـي تـشهده      لـولا الـتشهد كـانت لاؤُه نَعمُ

فكان النبي صلى الله عليه وسلم أسخي من البحر إذا زخر وأسرع من الريح إذا عصفت.

نبي إذا ما جئتَه يوماً لتسألَهُ     أعطاكَ ما ملكت كفّاهُ واعتذرا

يُخفي صنائعَهُ والله يُظهرُها        إنّ الجميلَ إذا أخفيتَه ظهرا

وكم رأينا من كريم له عيوب فسترها الله بكرمه وسخائه وجوده وعاش بعد الموت بما وهب ،وكم رأينا من بخيل بالذهب مات وذهب وكشف الله عيوبه لما ذهب، قال الشافعي رحمه الله:

وإنْ كثرتْ عيوبكَ في البرايا     وسَركَ أَنْ يَكُونَ لَها غِطَاءُ

تَسَتَّرْ بِالسَّخَاء فَكُلُّ عَيْب             يغطيه كما قيلَ السَّخاءُ

فإذا أردت أن تفتح الأبواب المغلقة فكن كريما سخيا سمحا معطاء جوادا  ولقد ذكر القرآن الكريم نماذج لأهل الكرم علي رأسهم خليل الرحمن فكان أول من أضاف الضيف وأطعم الطعام وقد جاءت قصته في عدة سور في شأن  ضيافة الملائكة الذي جاءوا في صورة بشر.

كما ذكر القرآن الكريم كرم يوسف الصديق الذي قاده الكرم والإحسان إلي النجاة  من البئر ومن كيد إخوته ومن كيد امرأة العزير ومن كيد النسوة في المدينة وأخرجه الإحسان من غيابات الجب وغياهب السجن.

 ومن لطائف الكتاب العزيز أن يوسف عليه السلام شهد الله له بالإحسان ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) كما شهد له صاحبي السجن (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وشهد له إخوته(فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) وأخيراً إعترف يوسف أن الذي نجاه من كل هول هو الإحسان والكرم (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

وقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم قلوب المؤلفة قلوبهم بالمال، والمؤلفة قلوبهم هم قوم دخلوا في الإسلام من غير أن يرسخ الإيمان في قرارة نفوسهم وقد كان لهم تأثير في مجتمعهم بسبب مكانتهم الاجتماعية، ومن بين هؤلاء أبو سفيان بن حرب، ويعلى بن أمية، فقد كان النبي يعطيهم نصيباً من الزكاة من أجل تأليفهم، لما لهم من مكانة في مجتمعهم القرشي. إذ شرع الله تعالى دفع الزكاة للمؤلفة قلوبهم

ومن هؤلاء صفوان ابن أمية، فقد قصد عليه الصلاة والسلام توزيع الأنفال بمن يروم تأليف قلوبهم ممن دخلوا الإسلام حديثا.. أعطاهم فأرضاهم ، ولمح عليه الصلاة والسلام بفراسة النبوّة صفوان بن أمية ينظر مليًّا ويديم النظر إلى شعب من الشعاب ملآن بالإبل والغنم، فبادره ﷺ قائلاً له: «يا أبا وهب أيعجبك هذا الشِّعْب؟!» قال: نعم. فقال عليه الصلاة والسلام: «هو لك وما فيه». قال صفوان وقد بهره الكرم النبوى: «ما طابت نفس أحدٍ بمثل هذا قط إلاّ نبى.. أشهد أنك رسول الله حقًّا».

لم يطق أبو سفيان صبرًا، فجعل يقول: «يا رسول الله، أعطنى من هذا المال »، فنادى عليه الصلاة والسلام على بلال، وأمره أن يزن لأبى سفيان أربعين أوقية، ويعطيه مائة من الإبل، فسأله أبو سفيان أن يعطى ابنه زيدًا، فأمر له بمثل ما أمر لأبيه، وكذلك لابنه معاوية، فطفق أبو سفيان يقول: «إنك كريم، فداك أبى وأمى!.. لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت.

وهكذا نجد أن الكرم والجود وبذل المعروف وصنائع المعروف تفتح القلوب من أوسع أبوابها ،وما دبت عقارب الحقد والحسد بين الأقرباء والجيران والأصحاب والأشقاء إلا بسبب البخل من قبل الأغنياء وأصحاب الأموال ورجال الأعمال ،فالكرم مصيدة القلوب وعربون المحبة بين الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى