أخبار

ما لا يراه المجتمع

ظهير طريف فالح| العراق

“إن المشكلات الاجتماعية هي ما يعتقد الناس أنها كذلك” {1}

هذه الفكرة التي قدمها العالمان فولر ومايرز في دراستهما ، تعتمد بشكل كبير على الوعي الجماعي . بمعنى آخر إذا لم يكن الناس على دراية بوجود مشكلة ما فإنها ببساطة لا تعتبر مشكلة اجتماعية . لكن هل هذه الفكرة كاملة ودقيقة بما يكفي ؟

رغم قوتها الظاهرية ، إلا أنها تعاني من تناقض أساسي عندما نواجه مفهوم المشكلات الاجتماعية الكامنة {2} وهي تلك القضايا التي تؤثر على الأفراد ولكنها لا تحظى بالاعتراف الكافي من المجتمع ككل لأنها لا تؤثر بشكل مباشر على فئات المجتمع و لأنها معقدة للغاية لدرجة أن فهمها يتطلب أكثر من مجرد وعي سطحي .

التمييز العرقي الممنهج على سبيل المثال ، قد يكون موجودا في أماكن العمل أو في النظم التعليمية و مع ذلك لأن ضحاياه غالبا لا يملكون الصوت الكافي ، لا يدرك المجتمع مدى خطورته و بالتالي لا يُعتبر هذا التمييز مشكلة اجتماعية تستدعي الانتباه . مثل هذه القضايا غالبا ما تكون محاطة بالصمت لأسباب اجتماعية أو سياسية مما يجعلها غير مرئية للأغلبية {3}.

إذا كانت المشكلة الاجتماعية تعتمد على إدراك الناس لها ، فماذا عن تلك المشكلات التي لا يدركها الناس ؟ هل تظل غير موجودة لمجرد أن المجتمع لا يلتفت إليها ؟
هذه الفكرة تطرح إشكالية كبيرة إذا اعتمدنا فقط على الإدراك المجتمعي لتعريف المشكلات ، فإننا نُعرض أنفسنا لخطر تجاهل قضايا هامة لمجرد أنها لا تثير الانتباه الكافي .

عندما نقتصر على تعريف المشكلات الاجتماعية بما يدركه المجتمع ، فإننا نتجاهل الكثير من القضايا المهمة . لنأخذ مشكلة الفقر المستتر كمثال ، في كثير من الأحيان لا يظهر الفقر في أشكال واضحة مثل التشرد أو الجوع بل يتجلى في نقص الفرص أو في تعليم غير متكافئ أو في خدمات صحية متدنية ، هذه الأشكال المستترة من الفقر لا تُعتبر مشكلات اجتماعية رئيسية إلا عندما تصبح الأوضاع أكثر سوءًا و تظهر في الأخبار أو في الحركات الاجتماعية .

هذا التناقض بين ما يعترف به المجتمع كمشكلة وما هو موجود بالفعل على الواقع يطرح سؤالًا [ كيف يمكننا معالجة المشكلات التي لا نراها أو لا نعترف بها ؟ ] الاعتماد فقط على الإدراك المجتمعي يعني أننا سنغفل عن مشكلات خطيرة حتى تصبح لا تُحتمل وتظهر فجأة كمأساة .

المشكلات الكامنة تُعلمنا أن الوعي المجتمعي وحده ليس كافيا هناك حاجة إلى أدوات تحليلية أكثر تعمقًا ، وإلى أصوات من داخل المجتمعات التي تعاني من هذه المشكلات لتسليط الضوء عليها ، يجب أن نتبنى منهجًا يسعى إلى كشف هذه القضايا قبل أن تتفاقم بدلاً من انتظار أن تُصبح واضحة للجميع .

المهمة المطلوبة هي بناء مجتمع ليس فقط قادرًا على الاعتراف بالمشكلات الاجتماعية عندما تصبح واضحة ، بل مجتمع يسعى أيضًا إلى البحث عن تلك المشكلات التي قد تكون كامنة وغير معترف بها .

هذا النهج يضمن أننا لا نتعامل مع أعراض المشكلات فقط بل نصل إلى جذورها الحقيقية قبل أن تؤثر على الجميع ، و ليس كل ما يؤثر علينا يُعتبر مشكلة اجتماعية فالإدراك المجتمعي وحده ليس كافيا لتحديد المشكلات الحقيقية .

المصادر
1 _ Fuller, Richard C., & Myers, Richard R. (1941). The Natural History of a Social Problem. American Sociological Review, 6(3), 320-329.

2 _ Merton, Robert K. (1968). Social Theory and Social Structure. Free Press.

3 _Williams, Raymond. (1977). Marxism and Literature Oxford University Press.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى