الجبت.. من فرائد الألفاظ في القرآن

أ.د. عنتر صلحي عبد اللاه | مصر – أستاذ اللغويات التطبيقية – جامعة جنوب الوادي

من فرائد الألفاظ في القرآن – أي التي لم ترد إلا مرة واحدة- كلمة (الجبت)، وردت في الآية 51 من سورة النساء: (ألم تر إلى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) وتكاد تكون الجبت والطاغوت من المتضامات  collocations؛ فلا تذكر واحدة إلا وتذكر معها الأخرى.

واختلف العلماء في تفسير معنى الجبت والطاغوت، كما يلي:

(1) فقال بعضهم: هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله، أي أن الكلمتين علمان لصنمين.

(2) عن ابن عباس قوله : الجبت: الأصنام ، والطاغوت : الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس .إذن الجبت هنا كلمة تشمل جميع الأصنام، والطاغوت يشير للكهنة الذين يخادعون الناس لعبادة الأصنام.

(3) وقال آخرون: الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان . وممن قال بذلك عمر بن الخطاب كما روى ابن إسحاق، وبالتالي المعنى هنا لا علاقة له بالأصنام.

(4) وهناك من قال إنهما لفظان أطلقهما الله – عز َّو جلَّ – على كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب زعيمي اليهود عندما ذهبا إلى قريش بعد هزيمتها في بدر، وألباها لمعاودة قتال النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة وأن الآية تشرح ما حدث منهما: (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا)، أي أن مشركي قريش لم يأمنوا لمقالة اليهوديين خاصة وأنهما أهل كتاب سماوي، ومحمد – صلى الله عليه وسلم – كذلك له كتاب سماوي، لذا سأل المشركون اليهوديين: أنحن أم محمد أهدى سبيلا؟ فأجابهما اليهوديان أن المشركين أهدى من المسلمين سبيلا حقدا وحسدا من عند أنفسهم ضد المسلمين ونبيهم وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. لم يطمئن المشركون للجواب، فطلبوا من اليهوديين أن يسجدوا لصنمين من أصنامهما إن كان ما يقولون حقا، فسجدا اليهوديان، فذمهما الله – سبحانه وتعالى – بهذين اللفظين. عن الضحاك قال : الجبت : حيي بن أخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف .

(5) وعلى هذا فالخلاف هو في الضمير (هؤلاء) أيعود على المشركين أم يعود على غير مذكور في الآية ويحدده المقام (أي هؤلاء الأصنام).

(6) عن مجاهد قال : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان والكاهن، وعن سعيد بن جبير في هذه الآية : ” الجبت والطاغوت ” قال : الجبت : الساحر بلسان الحبشة ، والطاغوت : الكاهن. أي إن الكلمة ليست عربية الأصل.

(7) وفي القرطبي: الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له كائنا ما كان ذلك المعظم، من حجر أو إنسان أو شيطان.

(8) ويبدو أن الكلمة ليست عربية الأصل، وهذا ما قاله أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في الصحاح: تاج اللغة وصحاحالعربية، وقال موضحا ذلك:” وهذا ليس من مَحْضِ العربية، لاجتماع الجيم والتاء في كلمة من غير حرف ذَولَقِيّ – ”  وحروف الذلاقة هي الحروف التي تنطق بخفة وسرعة وهي مجموعة في جملة “فِرَّ مِنْ لُبِّ “

(9) وبعض المحدثين يرى أن الكلمة من مشتقة من اسم مصر اليوناني إيجبتوس، ويعلل ذلك بأن مصر اشتهرت بالسحر الذي هو التخييل والتوهيم والتضليل من أجل أن يتم توجيه اذهان الناس لصالح الخضوع لفرعون وألوهيته واعتباره إله مصر كما ادعى هو الربوبية.

وهكذا تتعدد دلالات هذه اللفظة القرآنية الفريدة:

فلننظر ما فعل بها المترجمون عند النقل للإنجليزية:

Mohsin Khan: Jibt and Taghut

Ghali: Jibt and Taghû‍t (Two idols that were worshiped by the pagan Arabs)

كتب محسن خان والدكتور غالي الكلمتين بالنطق العربي وبحروف لاتينية، وزاد الدكتور غالي شرحا تفسيريا بين القوسين بأنهما صنمان كان المشركون يعبدونهما.

Pickthall: idols and false deities

Shakir: idols and false deities

The Study Quran: idols and false deities

رأى بيكتول وشاكير وسيد حسين نصر أن الجبت هي كل أنواع الأصنام، والطاغوت هي كل ما يعبد من دون الله.

Jusur: superstition and false masters

Sahih International: superstition and false objects of worship

اتفقت ترجمة جسور والصحيحة الدولية على أن الجبت هو الاعتقادات الفاسدة النابعة من الكهانة، وأن الطاغوت من يدين له المشركون بالطاعة والولاء والعبادة (المعظم من دون الله).

Yusuf Ali: sorcery and Evil

تفرد يوسف علي في ترجمة الجبت بالسحر (وتخييل السحرة)، والطاغوت بالشر (المرتبط بالشيطان).

Muhammad Sarwar: idols and Satan

Arberry: demons and idols

AbdulHaleem: idols and evil powers

واختلف سروَر وأربري وعبد الحليم في أي الكلمتين (الجبت أم الطاغوت) تشير للأصنام، وأيهما الشيطان (أو الشياطين)، فعبد الحليم وسرور يريان الجبت هي للأصنام والطاغوت للشيطان ذاته أو لأي قوى شيطانية مضلة. أما أربري فعنده الطاغوت هو الأصنام و الجبت هو مردة الجن واستخدم لها لفظة  demon التي ذكرنا سابقا أن معظم المترجمين يتجنبها (راجع ما كتبناه عن العفريت).

*****

ويلاحظ أن كل مترجم اتخذ قرارا بناء على ما فهمه وما ارتاح إليه من التفاسير، وأن البعض آثر أن يترك الكلمتين مُعماوتين (خان)، ولم يحاول أحدهم أن يذكر في المتن اسم حيي أو كعب-كما في بعض التفاسير- لأن الأمر يبدو وكأنه وصف لهما وينصرف كذلك إلى غيرهما ممن يفعلون نفس فعلهما، ولذا أضاف بعض المترجمين حاشية بها القصة ولم يصرح بها في نص المعاني المترجمة…

ويبقى اشتقاق الجبت يحتاج إلى المزيد من الدراسة اللغوية لبيان القول الشافي فيها.

والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى