أمريكا في عين الإعصار

د. محمد بن قاسم بن ناصر أبو حجام | الجزائر

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (1)

الولايات المتّحدة الأمريكيّة بسطت نفوذها على العالم بكلّ ما لها من قوّة ووسائل، وبكلّ ما تمتلكه من أساليب المكر والخداع والتّآمر والمناورة، وبكل ما تحذقه من طرق الإغراء والتّهديد ولتّرغيب.. لسان حال ساساتها وقاداتها وموجّهي سياستها، ومدبّري شؤونها.. يقول: يجب أن نبتلع العالم؛ متدثّرين بنفسيّة المتجبّرين، ومتقمصّين شخصيّة مَنْ سَبَقَ من المتعالين والمتغطرسين، الذين يسيرون بقواعد: (أنا ربّكم الأعلى، إنّما أوتيتُه على علم عندي، لا قوّة تقهرني، أو تقف أمامي،  مكري فوق مكر الماكرين..).

يتحرّك هؤلاء بالشّعار  والمرشد والموجّه لسيرورة الفرد الأمريكي:( يجب على كل أمريكي أن يحمل هذا المبدأ: إنّه لابدّ من  الاعتقاد أنّ  لأمريكا أعداء في العالم، لا ينقطعون أبدًا، ما يوجب على كلّ فرد أن يبدأ بالهجوم دومًا، ولا يتوقّف؛ حتّى لا يكون ضحيّة، فإنّ كلّ الوسائل مشروعة مادامت الغاية تبرّرها.. 

تتحرّك آلات التّدمير والسّطو والاستبداد والنّهب والسّيطرة ومعاداة كلّ ما هو غير أمريكي، ومحاربة كلّ من يقف في وجه أمريكا، بأيّ شكل من الأشكال، وفي أي مجال من المجالات، وفي أيّ حال من الأحوال..

هذه هي حقيقة الولايات المتّحدة التي بعرفها القاصي والدّاني، المتمرّس في السّياسة، وصاحب المعرفة البسيطة لها.. لكنّ القادرين على مواجهتها  والوقوف أمام  مخطّطاتها قليل ما هم. الفضل لله أوّلا، ثمّ للأزمات التي تنتابها، والنّكسات المتتالية التي تمرّ بها، ولبعض الجهات التي تمتلك الشّجاعة والجرأة والقوّة..التي نشطت وكشفت عوارها وضعفها وزيفها.. 

إنّ الأحداث الخطيرة الأخيرة أبانت عن زيف ما تدّعيه من القوّة والعظمة والقدرة على السّيطرة والهيمنة وفرض منطق القوّة على غيرها، من بينها ” فيروس كورونا” الذي بيّن أنّها عاجزة عن مواجهته، وإنقاذ شعبها ممّا تفعله فيهم، إصابة وقتلا وتعطيلا للحركة الاقتصاديّة، كما فتحت عليها جبهات عديدة شرقًا وغربًا، أصدقاء وأعداء.. فتحت عليها معارك في تبادل الاتّهامات؛ مَنِ المتسبّب في انتشار هذه الجائحة، وفتحت في وجهها مواجهات في الاستحواذ على مفاتيح الاقتصاد، والتّدبير والتّوجيه السّياسي، ووضعتها وجهًا لوجه مع عملاق الاقتصاد المنافس لها، الذي كانت تخشى نهوضه واستمراره في التّطوّر الذي يزحزحها عن قمّة الرّيادة والهيمنة في هذا المضمار، وازدادت مخاوفها في خضمّ هذا الوباء والبلاء الذي نكّس رأسها، الصّين وما أدراك ما الصّين، الخصم اللّود والمزاحم العنيد، والمنافس الشّديد. . 

كما فتحت جبهة مع دول أوروبا بسبب هذا الفيروس، وكانت المواجهة في مستوى السّباق والعمل على احتكار الدّواء الذي يشفي النّاس من هذا الوياء، زيادة على تأليب الرّأي الدّاخلي على قادة البلاد، وعلى رأسهم المجنون المعتوه المختلّ المتهوّر ” ترامب “، الذي فقد السّيطرة على أعصابه؛ بسبب ما يتعرّض له من انتقادات على سياسته الهوجاء، وما يناله ويطاله من سخريّة وتهكّم على منصّات التّواصل الاجتماعي، فاشتطّ غضبًا وامتلأ غيظًا، وبدأ يتخبّط خبط عشواء في تصرّفاته.. وكان من بعض مظاهر هذا تهديده بإغلاقها؛ عساه ينجو من تبعات هذه الحملات وتأثيراتها، وما هو بناجٍ منها.

 

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (2)

أنا لست  محلّلاً سياسيًّا، ولا متمكّنًا في رصد الأحداث وتحليلها وتقويمها، ولا خبيرًا  في الاستراتيجيّات، ولا متخصّصًا في المجال الاقتصادي..ولا.. لكن بعض الأحداث والمؤشّرات والمتتاليات والمتتابعات من الوقائع، وبعض التّصرّفات غير الطّبيعيّة، بل غير الفطريّة، وغير السّليمة ممّا يدعّ إلى الهلاك دعًّا، وترجّ الأرض من أقدام من يسير على وقعها رجًّا.. توحي بنتائج – تبدو منطقيّة – أنّ أمريكا في عين الإعصار وأنّها آيلة إلى الانهيار.

حقيقة، إنّ أمريكا اخترعت الأنترنت وسيطرت عليها وفرضت رقابة شديدة عليها، وأغلقت الأبواب على كلّ محاولة أو مطالبة بتنظيمها، بما لا يتماشى مع غطرستها وسيطرتها واستبدادها، وما يتعارض مع أهدافها ومشروعاتها ورغباتها العدوانيّة للتّحكّم في العالم.. وبعد ما صارت إليه بعد جائحة ” كورونا “..بهذا العوامل المعرقلة لأهدافها، بل المهدّدة لمصالحها.. أصبحت تهدّد باتّخاذ إجراءات ردعيّة، لكلّ ما يصل منها إلى المساس بهيبتها، وهي تحت قيادة المخبول “ترامب “.

صحيح أيضًا، إنّها فرضت هيمنتها وقبضتها الحديديّة على المنظّمات الدّوليّة في كلّ المجالات، واستبدّت بسنّ قوانين وإصدار قرارات، ووضع تشريعات، وتوجيه سياساتها بما يخدم رغباتها في ابتزاز العالم، بما يحقّق رغباتها وجشعها في التهام خيرات كلّ من تصل إليها تدابيرها ومخطّطاتها..

يقول أحمد داود أوغلو: ” إنّ العنصر الأساسي الذي أتاح لأمريكا أن تصبح قوّة مهيمنة على النّظام العالمي بعد الحرب العالميّة الثّانية هو المؤسّسات العالميّة والنّظام القانوني العالمي والمؤسّسات التي ارتبطت بهذه القوانبن. وقد اسنفاد صانعو السّياسة الأمريكيّة من هذه المؤسّسات واستخدموها بشكل فاعل من أجل تحقيق السّيطرة الأمريكيّة على النّظام الدّولي. وظّفت الولايات المتّحدة الأمريكيّة عدّة أدوات سياسيّة ومؤسّسات عالميّة من أجل تحقيق أغراضها هذه، مثل استغلال منظّمة الأمم المتّحدة، التي تمّ تأسيسها في مرحلة اختفاء دور الدّول الاستعماريّة ذات المحور الأوروبي، واستغلال دور صندوق النّقد الدّولي، بعد أن حلّ الدّولار الأمريكي في النّظام المالي العالمي محلّ الجنيه الاسترليني  والفرنك الفرنسي. كما تمّ استخدام اتّفاقية التّجارة العالميّة (GAT) من أجل إعادة تشكيل نظام التّجارة العالمي، وكان للولايات المتّحدة الأمريكيّة دور محوري في البنك الدّولي من أجل التّأثير على برنامج التّنمبة العالميّة. وبذلك تمّ تحويل مركز القوّة من أوروبا إلى الأطلسي، وتمّ تغيير البنية التي سيطرت فيها القوى الأوروبيّة الاستعماريّة على النّظام العالمي، لتتحوّل باتّجاه أمريكا، وقد سار تحويل أدوات القوى الاقتصاديّة والسّياسبّة إلى المحور الأطلسي في توازٍ مع إعداد المؤسّسات والقوانين الدّولية التي خدمت هذا الهدف.” ()

صحيح أيضَا، إنّها فرضت بعد الحرب العالميّة الثّانية. منهجًا ومخطّطًا يجعل عملتها ” الدّولار ” خارج حسابات كلّ عملات العالم، أي لا تخضع لمقابل قيمتها بالذّهب، فتبقى أوراقًا لا علاقة لها بما يقابلها ذهبًا أو غير ذلك من الأشياء الثّمينة. يسمح لها هذا الإجراء بطبع الدّولار وإغراق الأسواق العالميّة، به من دون رقابة ولا خضوع لشروط طبع العُملات أو معاييرها. كما أنّها تحارب وتحاسب وتعاقب كلّ من يفكّر في مجرّد اقتراح تغيير تسيير الشّؤون الاقتصاديّة بغير عملتها المجحفة في حقّ الحريّة في التّعامل..

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (3)

صحيح أيضًا، إنّها تتحكّم في مسار النّفط: زيادة في سعره وتنزيلا، ورفعا للإنتاج وتخفيضًا له. وفرضَ سياستها المتعجرفة على منتجيه ومستهلكيه على السّواء.

مؤكّد ومشاهد أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة سجّلت قفزات كبيرة افي مجال القدرة العلميّة والتّكنولوجيّة، وأدّت بها دورًا ملحوظًا في ظهورها قوّة مهيمنة في العالم بهذا التّفوّق.. وتريد ان تبقى على هذا المستوى من غير منافس، لذا فهي لا تفتأ في مناهضة كلّ دولة تتقدّم في هذا المجال كما تفعل مع اليابان، الذي يتفوّق في مجال تكنولوجيا الاتّصالات وتكنولوجيا الوسائط المتعدّدة، التي أقلقتها وأزعجتها.

يقول أحمد داود أوغلو: ” لقد لعبت القفزات التي قامت بها الولايات المتّحدة الأميركيّة في مجال القدرة العلميّة والتّكنولوجيّة دورًا كبيرًا في ظهورها كقوّة مهيمنة. ويعتبر تطبيق الإجراءات المتعلّقة بحقوق التّأليف وبراءات الاختراع، التي يتمّ إدراجها على جداول أعمال القمم الاقتصاديّة في الآونة الأخيرة، ثمرة للمحاولات التي تهدف إلى إحكام السّيطرة على التّطوّرات العلميّة والتّكنولوجيّة..” ()

يضيف الكاتب نفسه مبيّنًا وجهًا آخر من الصّراع مع من يُظهر تقدّمًا وتفوّقًا في المضمار العلمي الذي يهدّد نفوذها وهيمنتها في العالم من دون استثناء جهة واحدة: ” …إنّ أهمّ الخلافات التي ظهرت بين الولايات المتّحدة والصّين في السّنوات الأخيرة، هي التي تتعلّق بمواضيع حقوق التّأليف والاتّفاقيات الدّوليّة لبراءات الاختراع والتّفاصيل المتعلّقة بها، تحمل في جنباتها جانبًا أبعد من مجرّد كونها خلافات تتعلّق بالحقوق الدّوليّة…

…إنّ هناك سببا آخر للضّغوطات الأمريكيّة المتواصلة على الصّين، وهو أن تتمكّن الولايات المتّحدة من التّحكّم في التّطوّرات التّكنولوجيّة الجديدة التي تتسارع بشكل كبير لدى شرق آسيا في شكل خاصّ، لذلك فإنّ الوضع  المؤثّر والمركزي الذي تمتلكه أمريكا فيما يتعلّق بالاتّفاقيّات  الدّوليّة لحقوق التّأليف والاختراع يعطيها ميزة الأولويّة والتّفرّد والسّيطرة على حقل التّطوّرات التّكنولوجيّة على المستوى الدّولي. كما أنّ ازدياد دور دول شرق آسيا في التّوصّل إلى اختراعات تكنولوجبّة أصيلة في السّنوات الأخيرة، جلب معه إمكانية أن تنتقل بؤرة المركز التّكنولوجي من موقعه، إضافة إلى ذلك، فإنّ ثمّة زيادة في دور الباحثين غير الأميركيّين في مجال التّطوّرات التّكنولوجيّة الهامّة داخل الولايات المتّحدة، وقد تمّ إدخال القانون الدّولي، الذي شكّله النّظام العالمي بمحوره الأطلسي، كأهمّ وسيلة للسّيطرة على عمليّة التّغيّر في المركزيّة التّكنولوجيّة، وقد أبدت أميركا اهتمامها بضرورة اعتراف الصّين بقانون براءة الاختراع أكثر من  اهتمامها بالمسائل المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدّولة. ولم تتردّد من ممارسة الضّغوط في الحقل التّكنولوجي أكثر من الضّغوط التي مارستها اتّجاه الأحداث الدّمويّة التي حصلت في ميدان السّلام السّماوي (تياننمن Tiananman) في بكّين عام 1989م، عندما تصدّى الجيش الصّيني بقسوة للمتظاهرين المنادين بالدّيمقراطيّة.ّ ().

 

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (4)

إنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة – من أجل المحافظة على وضعها؛ قوّةً مهيمنة في العلاقات الدّوليّة – جمعت بين الاحتفاظ بتفوّقها التّكنولوجي  المتميّز والمسيطر على دواليب الاقتصاد والسّياسة في العالم، وإصدار تشريعات قانونيّة، تضبط بها سيطرتها على المنظّمات الدّوليّة التي تخدم بها مصالحها، وتقضي بها مآربها، وتمنع بها وتبعد كلّ من يَبغِي الحصولَ على وسائل متطوّرة في التّكنولوجيا، فَيَبغِي عليها وعلى هيمنتها وغطرستها واستبدادها.  

مع هذا الاهتمام والهمّ اللّذين يؤرّقانها، تبذل جهودًا كبيرة  في هذا المجال حتّى لا تخسر هذا التّفوّق من جهة، ومن جهة أخرى هي تأخذ بعين الاعتبار المنافسة الشّديدة بينها وبين القوى الأخرى، التي تمتلك قدرة المنافسة في هذا المضمار، وفي مقدّمتها الصّين واليابان ودول الاتّحاد الأوروبي ..

صحيح أيضًا، إنّها بسطت سيطرتها على العالم، بنشر قواعدها العسكريّة في كثير من مناطق المعمورة، وفرضت نظامًا خاصًّا لتحرّكاتها بواسطتها في الأراضي التي توجد فيها، من دون اعتراض أصحاب هذه الأراضي. ومنها تنطلق مخطّطاتها لضرب من تريد وتغزو ما تريد، وتنشر العداوات بين الأشقّاء، وتوجد وسطهم الخيانات والمآمرات لضرب وحدتهم..

صحيح، إنّها سيطرت على الإعلام، وفرضت رقابة خاصّة على ما يذاع وينشر ويتداول، بما يكفل لها أن  لا يمسّ بسياستها، ولا يجهض مشروعاتها التّدميريّة، ولا ينال من مخطّطاتها التّعسفيّة.. فلا يُنشر إلَّا ما يخدمها ويخدم أهدافها، ولا ينال من هيبتها ومصداقيّتها.. من أمثلة ذلك ما فعلته بمراسل الجزيرة ” تيسير علّوني” الذي أحسن وأتقن تغطيّة خرب أمريكا في أفغانستان، وكشف  مخازيها، وأبان عن هزائمها في هذه الحرب التي حطّمت كبرياءَها، ونالت من قدراتها المزعومة، وأماطت اللّثام عن زيف عظمة أمريكا المدّعاة.. كانت النّتيجة محاسبة تيسير علّوني ومحاصرته ومضايقته ومعاقبته وسجنه.

صحيح، إنّها أظهرت نفسها القطب الذي لا يبارى ولا يجارى ولا يحاسب ولا يعاقب، ولا يُـمنع عنه أيّ شيء.. فمن يريد أن بعيش في أمن من مكرها وسلام من بطشها.. عليه أن يستجيب لكلّ أوامرها، وأن يلبيّ كلّ طلباتها، وأن يكون حربًا على إخوانه، وهجومًا على أقربائه الذين لا يدينون بدينها في العمالة والخيانة والانبطاح  والسّقوط في الهمم والشّيم والقيم..وعليه أن يترك لها المجال لتبتزّ أمواله وكل ما يملك، ممّا تقضي به مصالحها، وتحقّق أهدافها.

سجّل المهتمّون بالشّؤون الاستراتيجيّة والجيو سياسية أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة ” استطاعت عبر حرب الخليج أن تجعل من نفسها القوّة النّهائيّة المحدّدة للتّوازنات الإقليميّة والدّوليّة. وبتطوير مصطلحات وعبارات تتعلّق بالنّظام العالمي الجديد عملت الولايات المتّحدة كذلك على استغلال ممثّلي القوى الدّوليّة وقواهم الفعليّة في حرب الخليج. وقد اضطرّت القوى الأوروربيّة – في مقدّمتها المانيا – لقبول الهيمنة الفعليّة للولايات المتّحدة. واتّجهت الدّول الأوروبيّة إلى إطلاق حملات دبلوماسيّة من أجل إثبات وجودها، مثل سحب محادثات السّلام في الشّرق الأوسط إلى المحور الأوروبي، كما حصل في  أوسلو ومدريد..” ()

إذا كانت هذه هي الحقيقة، فلا شكّ أنّ لنا – نحن العرب والمسلمين – مسؤولية في ذلك، ما دامت هذه التّطوّرات الخطيرة والمفصليّة حصلت بعد حدث لنا صلة به، مهما تكن هذه الصّلة. وقد شاركنا فيه.. وما دامت الولايات المتّحدة وصلت إلى النّهاية في الغطرسة  والتّحكّم في العالم وتوازناته،  فهي إذن قد وصلت القمّة، فبعد الوصول إلى القمّة يأتي النّزول، وما دامت وصلت إلى النّهاية في مسيرها في الهيمنة، فلننتظر نهايتها، فإنّ لكلّ  شيءٍ إذا ما تمّ نقصان..

 

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (5)

الواقع أو الحقيقة التي يعيشها العالم كلّه  تشهد أنّ منهجيّة أمريكا المتوحّشة المتغطرسة المستبدّة الغاشمة.. تقوم على الاغتيالات وإثارة الفتن وإشعال الحروب وزرع الخلافات والانشقاقات بين الدّول والجماعات التي لا تسير في ركابها، ولا تخضع لإراداتها ومن يقف في وجه حبروتها ومكرها.. لكنّ فترة الطّغيان تنتهي، وصولة الظّلم لا تدوم، والظّلم له حدّ زمني لا يتجاوزه: بتقدير أمكر الماكرين وأقوى الأقوياء، وقاهر الإرادات ومقوّض الطّاقات الله القاهر القويّ العزيز

تقوم هيمنة الولايات المتّحدة الأمريكيّة على اغتيال الزّعماء والقادة والعلماء والمناضلين.. الذين يشكّلون خطرًا على سياستها ومشروعاتها التّدميريّة ومخطّطاتها العدوانيّة، وما ينال من كبريّائها المتسلّطة التي ليس لها حدود ولا سدود ولا قيود..حاملة شعارًا مضمونه: لا يتقدّم علىّ أحد ولا هيئة ولا دولة.. به خاضت وتخوض حروبًا عسكريّة وإعلاميّة وتكنولوجيّة وبيولوجيّة .. وكلّ ما يبعث  ويزرع الخوف  والرّعب في نفوس الجميع.

هذه التّصرّفات هي علامات لسكون الخوف من كلّ شيء في نفوس السّاسة والقادة الأمريكيّين. وهو أحد مؤشّرات السّقوط والانكسار ثمّ الاندحار فالانهيار.. فما بني على الخوف لابدّ أن ينتهي ويفنى.. والخوف المنطلق والمنبعث من الحسد والحقد، والمنفَّذ بالمؤامرات والدّسائس.. ينخر كيان منفّذي مخطّطاتهم بها، ويصيب عقولهم وقلوبهم، ويأكلها أكلاً شديدًا قاتلا.. فتنهار وتتلاشى. إضافة إلى عدّ ما تقوم به أمريكا ظلمًا وحيفًا وضيمًا.. والظّلم له نهاية ينتهي إليها، مهما يطل به الزّمن وتتوفّر له الإمكانات والظّروف.. وأمريكا وصلت الحدّ الذي لم يعد يطاق في الظّلم والاستبداد والغطرسة.. فلتنتظر زوالها بإذن الله تعالى الجبّار المهيمن القويّ العزيز. قال تعالى: إلاّ الذينَ آمنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعلمُ الذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون(الشّعراء/227)

ما يعيشه رئيسهم المعتوه المضطرب نفسيًّا اليوم، من تخبّط وهوس وخوف واضطراب، دليل هذا الانقلاب في الدّنيا  – قبل الأخرى – ومظهره الباعث على الشّفقة – شفقة شماتة ونكاية وسخريّة وتهكّم -: بلاده تحترق من الدّاخل؛ بسبب ما يحدث فيها من فوضى أمنيّة وتدهور خلقي، وما يحرقه من الخارج، بنيران الحقد والكراهيّة والعدوانيّة التي بيديها لمنافسيه في توجيه دفّة التّحكّم في مستقبل العالم، مثل الصّين واليابان ودول أوروبا.. بخاصّة بعد حلول جائحة كورونا ضيفا ثقيلا مزعجًا مقلقًا على بلاده، وكابوسًا مصلتًا على رقاب شعبه، ولم يستطع السّيطرة عليه.. ما جعله يضرب شمالا ويرمي يمينًا، ويقصف شرقًا ويتوعّد غربًا.. في تحرّك هستيري، يأتي عليه وعلى كلّ من يسير سيرته وينهج نهجه بإذن الله تعالى.. وأمارات السّقوط والانهيار ظاهرة أو بادئة ، إنّه ومن على شاكاته في عين الإعصار وفي فوهة البركان..  

يعيش ” ترامب ” أسوأ أيّامه حاليا، بعد مقتل رجل أسود  من رعاياه (جورج فلويد) بيد شرطي أبيض، فاندلعت احتجاجات وغضب عارم في بلده، حاول المتظاهرون اقتحام البيت الأبيض، فاضطرّ الرّئيس المتغطرس المتعجرف أن يلجأ إلى مخبإٍ سرّي بمساعدة معاونيه ومن يقوم على تأمين حياته.

إنّ الولايات المتّحدة تعيش ربيعها الذي أشعلته في كثير من بلدان العالم، فهي اليوم تحترق به، وتكتوي، والذي سيكون منه وفيه  نهاية غطرستها، ونهاية شطحات رئيسها وتعسّفه وطغيانه.. في هذه الحال نتذكّر قول ربّ العزّة والقوّة والجبروت والمكر الشّديد؛ منذرًا الكفّار، (يشمل الإنذار الظّلمة والمستبدّين ومن على شاكلتهم): …فَأَمْلَيْتُ للذينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكيرِي (الحجّ/44) شماتة بــ ” ترامب ” ونكاية به ردّت الصّين  بعد أن انتقدتها أمريكا بشأن حقوق الإنسان في “هونغ كونغ “، وقمع المتظاهرين، ردّت بثلاث كلمات: “لا أستطيع التّنفّس”. هي آخر ما لفظه المواطن الأمريكي الأسود ” جورج فلويد” وهو يلفظ أنفاسه تحت ضغط الشّرطي الأبيض عليه..

الرّد المفحم السّاخر، بكلمات قليلة وبرمزيّة مخزية مبكتة  معرّضة، حمل دلالات كبيرة، وأرسل رسائل عميقة، تتضمّنها المقولة المشهورة:” إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمِ النّاس بالحجر”.  ويشملها قول الشّاعر:

لاَ تَنْهَ  عَنْ خُلُقٍ  وتأتيَ مِثْلَهُ 

 

عارٌ عَليكَ إذا  فَعلتَ  عَظيمُ 

 

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (6)

قَمْعُ شرطة البلد المتقدّم المتحضّر الحامل لواءَ الدّيقراطيّة وحريّة التّعبير والرّأي والعيش..التّظاهراتِ التي تواصلت وتزايدت في أرض ” العمّ سام “، هو السّمّ القاتل الذي يقتلها ويفتك بها، وبادّعاءاتها الزّائفة، وبقوّتها المزعومة. كتب وزير العمل الأمريكي السّابق ” روبرت رايخ ” مقالا في جريدة  الغارديان البريطانية؛ معرّضًا بسياسة “ترامب ” الفاشلة، ملخّصه وفحواه: ” نيران  ووباء وبلد في حالة حرب مع نفسه، رئاسة ترامب انتهت”..

الولايات المتّحدة الأمريكيّة  تعيش على الصّراعات التي تُؤدِي بها في النّهاية لا محالة؛ هي تنطلق من فرضيّةٍ أو قاعدةٍ، أقنعت بها نفسها – خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار القطب الثّاني المنافس لها ” الاتّحاد السّوفياتي”  أنّ الجوّ خلا لها  لتبيض وتصفر، وتستبدّ وتسيطر، وتطغى وتتجبّر..  بهذه الصّفة تحرّكت واستقوت وتوحّشت في سلوكها وفي تحرّكها وتحرّشاتها.. لكن من سار بهذه الصّفة من قبله، ومن نشط بهذه القاعدة.. اندحر وانتهى وأصبح أثرًا بعد عين، والعاقبة له ولحواريّيه.. لقد أنست الولاياتِ المتّحدة الأمريكيّة هده الغطرسةُ وهذا التّصرّف أنّها بذلك تبحث عن حتفها بظلفها، وتحفر قبرها بنفسها؛ لأن ما بني على غير أساس لابدّ أن ينهار لأنّه  أسّس على  شفا جرف هارٍ

إنّ المعطيات التي تُتَداول والحقائق التي تبرز من حين إلى حين تشير وتَشِي أنّ عهد سيطرة أمريكا في أفول، وفترة هيمنتها على مشارف النّهاية.

تفطّنت بعض الدّول القويّة بعلمها وسيادتها وإرادتها أنّ بأمريكا ضعفًا قاتلاً، هو أنّها تخاف من الدّول التي تتحدّاها وتقف أمام مخطّطاتها ومشروعاتها المبنيّة على فرض القوّة واستغفال الضّعفاء في كيانهم ومقوّماتهم  وسيادتهم وما يملكون من قيم الشّخصيّة الطّبيعيّة السّويّة.. لذا تتخبّط معها بين التّهديد وتحريض غيرها عليها والتّقرّب منها وموادعتها ودعواتها إلى التّفاوض معها، والانقلاب عليها بفرض عقوبات ثم رفعها، والتّنمّر عليها.. هذه حال الضّعيف الذي يتّكئ على منساة القوّة المزعومة والمزيّفة التي يهدّد بها من هو جبان أو صاحب مصلحة ذاتيّة، أو من في طبعه الخيانة والتّآمر.. 

من المعطيات التي تُبِين أنّ سياسة أمريكا فيها التّهوّر وعدم الوضوح مع مجريات الأحداث المتنوّعة المختلفة، أنّها لا تثبت على سياسة محدّدة واضحة، يطمئنّ إليها أصدقاؤها، ويعيها أعداؤها، ما يجعلهم في غير مأمن من مكرها.

تنمية عداء العالم لها، وزرع كرهها في النّفوس؛ أفرادًا وهيئات ودولا.. جعلا الفرد الأمريكي منبوذًا في العالم، يركبه الخوف من الانتقام ممّن اكتوى بنيران حقد ساساته وقياداته  نحوهم ومكرهم.. ما يزرع في قلوب أبنائها التّذمّر من أفعالها ومن سياساتها، فتكون الفجوة كبيرة بينها وبينهم. وهو ما ينتج عدم الاستقرار النّفسي. من أدلّة ذلك ما تشهده ساحات بلدهم وشوارعه وأركانه وزواياه.. من موجة غضب عارمة ضدّ قيادتها، ومطالبتهم بمغادرة سدّة الحكم، بعد مقتل جورج فلويد.. 

هذه المعطيات تكشف لنا عن عدم استمرار صولة الظّلم والطّغيان، وتبين لنا أنّ عاقبة الغرور والتّغرير والغرر بالنّاس وخيمة، ونهايتها الانكسار والاندحار والانهيار.. لذا علينا أن لا نيأس من استرجاع قوّتنا وإرادتنا في القيام والنّهوض ما دمنا نتمسّك بمبادئنا، ونلتجئ ونحتمي بأصولنا، ونعتصم بربّنا،، فالله تبارك وتعالى قدّم لنا في محكم تنزيله صورًا من الفلاح لمن اصطحب معه معيّة الله، وفوّض أمره إليه في أحلك الظّروف.. فقد جعل النّار بردًا وسلامًا على إبراهيم عليه السّلام، فنجا ممّا أُعدّ له لإهلاك والقضاء عليه..ولـمّا أصاب  أصحابَ موسى عليه السّلام الهلعُ، بعد أن لحق بهم فرعون بجنوده وتراءى الجمعان، وقالوا لموسى إنّا لـمُدركون، نطق موسى وأجابهم ( كلاّ إنّ معي ربّي سيهديني)، فأنجاهم الله من بطش فرعون وأغرقه هو وجنوده. وسيّدنا محمد عليه السّلام، أحاب صاحبه أبا بكر الصّديق وهما في الغار، وهو يسمع وقع أقدام رجال من قريش على مدخل الغار، بعد أن أظهر خوفه من تفطّن أولئك المشركين لوجودهم في الغار: (لا تحزن إنّ الله معنا)، فنجيا من كيد الأعداء..

 

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (7)

قال الشّيخ إبراهيم بن عمر بيّوض: “وهكذا إذا تتبّعنا الرّسل جميعهم نجدهم في أخطر المحطّات ليس لهم إلاّ الالتجاء إلى الله تعالى بالقلب واللّسان، وفي تلك اللّحظات تنزل الرّحمات. وعلينا أن ننظر إلى هؤلاء الرّسل في آخر لحظات أعمارهم وماذا صنعوا، حتّى نتشبّه بهم ونجتهد فنكون مثلهم. ” ()

انتصارات المسلمين في الغزوات والحروب ضدّ الكفّار والمشركين حصلت؛ لأنّ الله كان معهم مُعينَهم وناصرهم بأنواع من جنود، أرسلها لتنصر من يستنصره وينتصر به. أرسل جنودًا لم يرها المسلمون فهزموا قريشًا في أحد، وأرسل رياحًا وحنودًا  فهزمت الأحزاب في غزوة الأحزاب والخندق، وبعث الرّعب في قلوب الرّوم فانهزمت في غزوتي مؤتة وتبوك.. هكذا في بقيّة النّزالات والمواجهات..  قال الله تعالى : …وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عزيزٌ (الحجّ/40).

مع هذه الحال المتدهورة التي يعيشها العالم بعامّة، والولايات المتّحدة  الأمريكيّة بخاصّة، ومع تفشّي جائحة كورونا على الخصوص في الأوساط الأمريكيّة، التي فشلت في مقاومتها بكلّ ما أوتيت من علم وتقدّم في التّكنولوجيا، وادّعاء امتلاك قوّة الهيمنة على كلّ شيء في العالم.. هل يمكن أن نستغل هذه الحال مصطحبين معنا معيّة الله التي كانت سببًا في انتصارات المسلمين على أعدائهم في مختلف الوقائع.. فنقوم بواجب (عمليّة) النّهوض من كبواتنا، والقيام من سقطاتنا، والإفاقة من غفلاتنا، واسترجاع كرامتنا، وفرض سيادتنا بديننا وأخلاقنا ومقوّماتنا وقيمنا وعلومنا ونشاطنا،  كما كان أسلافنا سادة العالم ومعلّميه بأصولهم وعلومهم وحسن تدبيرهم.. فهم الذين علّموا أوروبا والغرب، في زمن تفشّي الجهل فيها،  كما ذكرت ذلك المستشرقة الألمانية ” زغريد هونكيه ” في كتابها ” شمس العرب تسطع على الغرب “، وفيه سجّلت قوّة العرب في الحضارة. حتّى قالت عن أوروبا في القرون الوسطى فيما معناه: إنّ أعلم علماء أوروبا في تلك الحقبة لا يصلح أن يكون بوّابًا لإحدى مكتبات بغداد.. فأين نحن من سَبْقِ علمائنا في الاكتشافات العلميّة والجغرافيّة والسّبق المعرفي. قيل إنّ الطّبّ كان معدومًا فأوجده  ” جالينوس” وكان ناقصًا فأتمّه ” الرّازي”  ؟ أين نحن من كتابات الشّيخ الرّئيس ابن سينا الذي كان كتابه “القانون” في الطّبّ يدرّس في الجامعات الأوروبيّة ويتعلّم منه أبناؤها إلى القرون المتأخّرة؟ أين نحن من  ريادة جابر بن حيّان في الكيمياء؟ أين نحن من اكتشاف ابن النّفيس الدّورة الدّمويّة؟ أين نحن من محاولات عبّاس بن فرناس الطّيران؟؟ أين نحن الآن وأين؟؟ أين نحن من براعة أحمد بن ماجد العماني في المرشدات البحريّة في الملاحة الجغرافية، التي مكّنت ” كريستوف كولومبس من اكتشاف العالم الجديد، بالاستعانة بالخرائط التي وجدها في قرطبة، وكانت  من وضع ابن ماجد، أين. وأين  في غيض من فيضٍ ممّا نعرفه عن تفوقّهم العلمي؟؟  ما ذكرناه هو ما أشار إليه معروف الرّصافي:

تراهُ  إذَا  ادَّعَى في  النَّاس فَخْرًا

 

تُقيمُ  له  مكارمُه   الشّهــودَا

  من دون أن نقع في المحذور الذي أشار إليه الشّاعر نفسه  

وهلْ إِنْ   كانَ  حاضرُنا  شَقيًّـا

 

نَسودُ  بِكوْنِ ماضينا  سَعيــدَا

أيضا نحذر من الوقوع في فخّ الانتشاء والتّفاخر المزيّف:

وَشرُّ  العالَـــــمينَ  ذَوُو   خُــمولٍ 

 

إِذِا فَاخَرْتَــــهُمْ ذَكَرُوا  الـجُدودَا

هذا التّفاخر الأحوف، وهذا الحسّ الأقرف.. هما من الأسباب التي  أوصلنا إلى الحال التي نحن عليها من التّخلّف والتّقهقر في ميادين النّبوغ والابتكار وفرض الوجود.. ففعلت فينا أمريكا ومن يسير في ركابها أفاعيلها المذلّة لنا، فأصبحنا نعيش الهوان والصّغار، ورَكِبَنَا الخوفُ والجبنُ، فأصبحنا في قافلة التّبعيّة والرّضوخ والإمّعيّة والانبطاح . وانقلبنا على أعقابنا وانتقلنا إلى الخيانة والتآمر.. هلاّ استمعنا لقول الشّاعر نفسه، فقمنا بالواجب الذي ينتشلنا من الحضيض والمؤخّرة، ويضعنا في القمّة والمقدّمة: 

وخَيرُ النّاسِ  ذُو حَسَبٍ  قَديــمٍ 

 

أَقَامَ  لِنَفْسْهِ  حَسَبًا جديدَا

كما  أرجو أن لا ينطبق علينا وصف الشّاعر ذاته:

إذا  مَا  الـجَهلُ خيّمَ   في  بِــلادٍ 

 

رأيتَ  أُسودَها  مُسِختْ  قُــرودَا

 

أمريكا في عين الإعصار وآئلة  إلى السّقوط والانهيار فهلْ مِنِ الاعتبار؟؟ الحلقة (8)

جهلنا وجاهليّتنا وجهالاتنا وتجاهلنا.. هذه النّقائص والعناصر هي التي نسخت منّا شخوصًا  هزيلة ونفوسًا ضعيفة، وجدت فينا أمريكا وغيرها ما تحقّق به أغراضها وتبلغ أهدافها في قهرنا، وأن تصنع منّا أشخاصًا ضعفاء، جبناء، أذلّاء، سفهاء في تصرّفاتنا.. فاستقوت وتعاظمت، وفرضت علينا سياستها وهيمنتها، فعثت فينا فسادًا، ونهبت وسطت وقهرت وعتت وظلمت.. نتيجة كوننا جبناء بالأوصاف الذي تأصّلت فينا.. فالجبن مصيبة وخور وخطل وخطر على الشّخصية والسّيادة، صدق شاعر الثّورة الجزائريّة مفدي زكريّاء، الذي  آمن بالتّجربة وبقوّة شخصيّته أنّ الجبن معضلة ومصيبة على العراد والبلاد: 

إنّ  الـجَبانَ علَى البلادِ  مُصِيبةٌ 

 

عَظُمَتْ فيَا  أرضُ  ابلَعِي الـجُبناءَ

تخلُّصنا من الجبن، ومن بلع أراضينا الطّاهرة من الجبناء والسّفهاء، وإراحتنا منهم.. يهزم أمريكا ومن هم على شاكلتها.. هذا البَلْعُ للحبناء آتٍ بإذن الله، والسّقوط لأمريكا وانهيارها قريب إن شاء الله.

من  الخطوات التي تعجّل بسقوط هذا الكيان المزيّف، ومعه الكيان الذي زرع في أرض فلسطين المحتلّة السّليبة، ” صفقةُ القرن”، التي لم يحسب لها الرّئيس المتعجرف حساب الرّبح والخسارة، وحساب النّصر والهزيمة.

كما جاءت ” كورونا ” لتكشف اهتراء نظام القطب المتحكّم الهشّ، فلم يتمكّن من السّيطرة على تداعيات المخلوق الضّعيف، وهو يدّعي تحكّمه في العالم، وتمكّنه من إخضاعه لإرادته..أليس هذا العجز أحد مؤشّرات سقوطه وانهياره ماديًّا؛ بسبب عدم تمكّنه من امتلاك ما يحارب به هذا العدوّ الصّغير الحقير. ومعنويًّا بانكشاف حقيقته أمام من كان يخافه ويهابه، وسقوط رهبته وهيبته في نفوسهم. 

  يذكّرني ما يحصل في أرض الولايات المتّحدة الأمريكيّة من انهيار وإفلاس ؛ رغم ما تملك من حصون وقلاع ووسائل الحماية؛ بما أحاطت بها نفسها من محصّنات  -كما أسلفنا في الصّفحات السّابقة – ومع ذلك  لم يمنع عنها ذلك ما يلحقها اليوم من الأضرار، التي تطيح بها بقوّة قاهر هيمنته، الله القويّ العزيز.. يذكّرني بقوله تعالى: …وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ االلهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ ُبِأَيْدِيهِمْ  وَأيْدِي المُومِنينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الاَبْصارِ (الحشر/2). فالله أتى أمريكا الضّررَ والشّرَ والخراب والدّمار من حيثُ لم تحتسب؛ لأنّها اقتنعت أو اقنعت نفسها وبثقة كبيرة واعتداد أكبر أنّها لن تهزم ولن تمسّ في كبريائها…

إذا كان الشّيطان ضعيفًا فكيف يملك هذا النّظام القوّة التي تقهر البشريّة، فهو يسود إلى حين، ويقوى إلى زمن.. فقد جاء أو حان أوان سقوطه كما سقطت إمبراطوريات، وبادت حضارات، وانهارت طواغيت، وفنيت ديناصورات.. 

قوّة الإيمان وإخلاص العبادة  وسلامة القلوب وحسن النّوايا والإصدار عن الأصول والتّمسّك بها والاستمساك بالقيم، والعمل وفق المقوّمات وتحديد الأهداف والتّوكّل على الله والتّسلّح بالعلم والمعرفة والإعداد أو الاستعداد  القويّ لإرهاب العدوّ وحسن تنظيم شؤون الحياة وحسن التّفكير والتّدبير والتّسيير ومواكبة العصر في كلّ مستجدّاته .. كلّ ذلك يساوي الحصول على القوّة الفاعلة في كسب معركة الحياة وهزم الأعداء وكسر شوكتهم.. وعلى رأس هؤلاء  الأعداء أمريكا التي تتصدّر قائمة الإرهاب الدّولي وقهر الشّعوب والاستيلاء على مقدّرات العالم.. هذه المعطيات هي التي تسقط أمريكا وتجعلها تحت الأنقاض، أو كالهشيم المحتظر؛ عاقبة الطّغاة، ومصير العتاة..

الجزائر يوم الثّلاثاء: 10   من  شوّال   1441ه      02  من    يونيو   2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى