أَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ
دكتور عادل المراغي | أكاديمي وأديب مصري
كلمات زاهرات نيرات قالها نبينا صلى الله عليه وسلم للأنصار أصبحت مثلاً سائرا عبر الأزمنة والدهور، وهي تكشف عن منهج نبوي كريم في التفاؤل بالخير، ورجائه، والتبشير به مهما أظلمت الدروب وادلهمت الخطوب. والمتأمل لحياته صلى الله عليه وسلم وسيرته وأقواله وأفعاله؛ يلحظ أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب التفاؤل بالخير، والإستبشار والتبشير به؛ فقد روى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحسَنَ ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ». والطِّيَرَةَ: هي التشاؤم بالشيء.
وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: «… وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» ، وعند البخاري: « وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ؛ الْكَلِمَةُ الْحسَنَةُ»
ولذا كان صلى الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً يقول له: «لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ الله» رواه البخاري، وكان من هديه إذا أتاه رجل وله اسم لا يحبه ؛ لكراهة لفظه أو معناه عقلاً أو شرعاً غيّره إلى ما يحبه؛ كما فعل في اسم حرب، ومُرّة، وغيرهما، يقول المناوي رحمه الله تعليقاً على ذلك : « لأنه كان يحب الفأل الحسن، ويعدل عن اسم يتقبحه العقل، وينفر منه الطبع» [التيسير بشرح الجامع الصغير (2/458)].
ويقول ابن بطال رحمه الله :« كان -صلى الله عليه وسلم- يعجبه تغيير الإسم القبيح بالإسم الحسن على وجه التفاؤل والتيمن؛ لأنه كان معجبا بالفأل الحسن، وقد غيّر رسول الله عدة أسامي» [شرح صحيح البخاري (9/347)].
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم حبّ التيمّن في تنعله وترجله وطهوره وفي كل شأنه ؛ قال الحافظ ابن حجر:« قِيلَ: لأَنَّهُ كَانَ يُحِبّ الْفَأْل الْحسَن؛ إِذْ أَصْحَاب الْيَمِين أَهْل الْجنَّة» [فتح الباري (1/269)].
وكان يقول : « غِفَارُ غَفَرَ الله لهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا الله» [رواه البخاري ومسلم].
ولما جاءته امرأة من أهل المدينة قد رأت رؤيا محزنة؛ إذْ فيها إشارة إلى وفاة زوجها في سفره، وإلى ولادتها غلاماً فاجراً ـ وكانت حاملاً ـ فبشرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأوّلها لها تأويلاً حسناً؛ فقال: «خَيْرٌ؛ يَرْجِعُ زَوْجُكِ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى صَالِحًا، وَتَلِدِينَ غُلاَمًا بَرًّا, فَكَانَتْ تَرَاهَا مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ تَأْتِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ ذَلِكَ لَهَا, فَيَرْجِعُ زَوْجُهَا وَتَلِدُ غُلاَمًا» [رواه الدارمي بإسناد حسن].
وكان يقول عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام : «إِذَا عَبَرْتُمْ لِلْمُسْلِمِ الرُّؤْيَا فَاعْبُرُوهَا عَلَى الخيْرِ، فَإِنَّ الرُّؤْيَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْبُرُهَا صَاحِبُهَا» [رواه الدارمي بإسناد حسن]، وغير ذلك كثير مما يدل على حبه صلى الله عليه وسلم للتفاؤل وحثه عليه .
حتى في أصعب اللحظات والمواقف التي مرّت عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، تراه عليه السلام متفائلاً بالخير، مؤملاً له ومستبشراً به، ومبشراً أصحابه به، يربّيهم ويعلّمهم أن مع العسر يسراً، وأن الفرج مع الشدة، وأن رحمة الله قريبة من المحسنين، ولك أن تتأمل موقفه في الهجرة، وهو مع صاحبه في الغار، وقد أحاط بهما كفار قريش؛ ووقفوا على المكان الذي يختبئان فيه؛ حتى قال الصدّيق للنبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا» فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بكل ثقة ويقين وحسن ظن في الله عز وجل قائلاً: « مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» [رواه البخاري ومسلم].
ما أقواها من كلمات، وما أدلّها على الثقة وحسن الظن في خالق الكون ، وما أعظمها من تربية على ذلك .
وفي غزوة الأحزاب، لما رمتهم العرب عن قوس واحدة؛ فجمعوا جموعهم، وحزّبوا أحزابهم، والتفوا حول المدينة، عازمين على إبادتها، واجتثاث أهلها، والقضاء على بيضة الإسلام فيها، وكان الحال كما وصف الله عز وجل: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 10،11]. كان صلى الله عليه وسلم-والحال هذه- يبشر أصحابه بمُلْك الشام وفارس واليمن؛ فيقول -وهو يكسر الصخرة التي عرضت لهم في حفر الخندق-: «الله أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، والله إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا .
ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحجَرِ فَقَالَ : الله أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَالله إِنِّي لأُبْصِرُ الْمدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحجَرِ فَقَالَ : الله أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَالله إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا». [رواه أحمد والنسائي في الكبرى وحسّن إسناده الحافظ في الفتح (3/397)، وضعفه جماعة].
إن ذلك نابع من حسن الظن بالله والثقة فيه، واعتقاد أنه سبحانه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، بيده مقاليد الأمور، سبحانه إذا أراد شيئاً فإنما يقول له : كن، فيكون، فلا يأس، ولا قنوط، ولا استسلام للهموم والأحزان، بل تفاؤل بالخير واستبشار به، ومقارعة لهذه الهموم وتلك الأحزان ، ورحم الله القائل:
يا صاحب الهمِّ إنَّ الهم منفرجٌ ..
أبشِر بخيرٍ فإنَّ الفــارج الله..
اليأس يقطع أحياناً بصاحبـه ..
لا تيأسنَّ فإنَّ الكافـــي الله.. الله يُحدِث بعد العسر ميسـرة..
لا تجزعنَّ فإن القاســـم الله..
إذا بُليت فثِقْ بالله وارضَ بـه ..
إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله .
واللهِ ما لكَ غير الله من أحـدٍ ..
فحسبُــك الله في كـلٍ لك الله..
حتى في آخر لحظات العمر، والإنسان مقبل على الآخرة ولقاء الله عز وجل، كان أمره الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظات، أن يستبشر بلقاء الله، وبرحمته وبكرمه؛ فيقول: « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِالله الظَّنَّ» [رواه مسلم].
إن هذا المنهج النبوي الكريم ما هو إلا تطبيق لمنهج القرآن العظيم، وسيرٌ على خطى الأنبياء والمرسلين في عدم اليأس والقنوط لاسيما عند نزول الشدائد وحصول المصائب، بل الفرح والاستبشار وحسن الظن بالله عز وجل؛ فحينما خاطبت الملائكة إبراهيم عليه السلام -وقد بشرته بغلام عليم- قائلة: ﴿ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحقِّ فَلا تَكُنْ الْقَانِطِينَ﴾؛ أجابهم في عزم ويقين: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 55،56].
وحينما أرسل يعقوب أبناءه للبحث عن يوسف وأخيه في مصر قال لهم: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87]. قال قتادة: ﴿مِنْ رَوْحِ الله﴾ أي من رحمة الله، [انظر: تفسير الطبري:16/233]. وكانت العاقبة كما هو معلوم.
ولما أتبع فرعون وجنوده موسى عليه السلام وقومه، وقال قومه له: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ كان جوابه قاطعاً؛ حيث قال: ﴿ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 61،62]، وكانت العاقبة أيضا كما هو معلوم، وصدق الودود الغفور إذْ يقول في الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي» [رواه البخاري ومسلم].
كم هي رائعة تلك الشريعة التي تحث أصحابها والمنتمين لها على التفاؤل دائماً، والإستبشار بالخير، ورجائه، ومطاردة الهموم والغموم، ومقارعة الأحزان، حتى في أحلك المواقف، وأصعب الظروف، والذي يتأمل نصوصها يجد ذلك واضحاً جلياً، وما أسلفناه إنما هو غيض من فيض.
لكن مع ذلك نقول: لابد من الأخذ في الإعتبار، الأخذ بالأسباب التي تدفع الأذى، وترفع البلاء؛ من إحداث توبة وإقلاع عن معصية، ودعاءٍ، واستغفار، وتقوى، وعمل صالح، وتداوٍ، وأخذ بأسباب النجاح والفلاح والنصر، وتصورٍ للأمور على حقيقتها؛ لدفع ضررها والانتفاع بخيرها… إلخ .
فليس من اللائق أن يُحْسن العبد الظن بخالقه ويرجو رحمته وكرامته، وفي الوقت ذاته هو مقيم على معصيته، منتهك لحرماته،ومعتد على قدسية أوامره، أو كسول متخاذل، مهمل للأسباب التي شرعها الله عز وجل وأمر بالأخذ بها، فهذا ليس تفاؤلاً، بل هو جهل بالله عز وجل وشرعته وسننه الكونية؛
فقد قال ربنا عز وجل عن يونس عليه السلام: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143، 144]. وقال أيضاً: ﴿ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98]. وكما قال معروف الكرخي رحمه الله: (رجاؤك رحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.)
إذا دهمتك مصائب الحياة, وضاقت عليك الأرض بما رحبت, فتذكر أن لك ربًّا يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء, (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَ إِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].. وتذكر أن بعد الشدة فرجًا.
إذا وقع بك يومًا البلاء, وضاق بفُسحة العيش الفضاء, فتذكر أنك لست أولَ من عانى مثلَه, وقد ابتلي قبلك أقوام فزال البلاء.. وذهبت الشدة وجاء الفرج.
هذا يوسف -عليه السلام-, أُلقي في غيابة الجب, وبيع بثمن بخس دراهم معدودة, ثم اتُّهِم في عرضه, وسجن ظلمًا, ضيق بعد ضيق, وشدة بعد شدة, لكن العاقبة: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 21]… فاعلم أن ما بعد الشدة إلا الفرج.
وهذا يعقوب -عليه الصلاة والسلام-, يُخطف منه أحب أولاده إليه, وآثرهم لديه, ثم يتبعه إبنه الثاني بعد سنين, فعَمي من كثرة البكاء والحزن على فقد ولديه، (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف: 84], وبعد سنوات من الشدة والبلاء يعود له الولدان, (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [يوسف: 96].
وهذا يونس -عليه السلام- يُلقى من السفينة, إلى بحر متلاطم الأمواج, فالتقمه الحوت, ففتح عينيه, فإذا هو حيٌّ في ظلمة بطن الحوت, في ظلمة البحر, في ظلمة الليل, ظلمة وسط ظلمة وسط ظلمة (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87], قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 88].
وهذا أيوب -عليه السلام- يطول به البلاء, وتنتشر في جسده الأمراض والأدواء, ويطول به الأمر حتى هجره الناس, وهجره أخيرًا أهله وزوجه, هجروه وتركوه, (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 89] قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 90].
وهذا زكريا -عليه السلام-, طال عيشه ولم يرزق بالولد, كبر سنه, ورَقَّ عظمه, وهَزُل لحمه, واشتعل رأسه شيبًا, لكنه ما فتئ يدعو ربه, (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 38].. نعم.. لقد علموا أن بعد الشدة فرج.
وهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يهاجَم من كفار قريش وصناديدها, ويُتهم في عقله, يشاع أنه ساحر.. كاهن.. مجنون.. يصلي عند الكعبة فتلقى على عنقه الأوساخ والقاذورات, ثم يخرج من مكة طريدًا, فيتبعه الكفار ويقاتلونه في عدة معارك, يشج رأسه, وتُكسر رَباعيته, وفي النهاية يدخل مكة فاتحًا متواضعًا, فيعفو عن كفار قريش, ويقول لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء, وبعد الشدة يكون الفرج.
وكم لله من لطف خفيٍ
يدق خفاه عن فهم الذكي
وكم من يُسر أتى من بعد عُسر وفرَّجَ لوعةَ القلب الشجي
وكم من هم تساء به صباحاً
فتَعقُبُه المسرة بالعشي
إذا ضاقت بك الأسباب يوماً
فثق بالواحد الأحد العلي
وكانت العرب تقول “دوام الحال من المحال”, ويقولون: “اصبر تنل”, ويقولون: “كل هم إلى فرج”.
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
إذا أُصبت بمصيبة, أو نَزَلَت بك نازلة, فتذكر أن أصعب ما في المصيبة أولُها.. ثم تهون.. وتذكر أن وقت الشدة سيزول ويذهب, وأن الصبر عند الصدمة الأولى.
حكوا أن ملكًا من ملوك الهند طلب من وزير له أن ينقش على خاتم له جملة, إذا قرأها وهو حزين فرح, واذا قرأها وهو سعيد حزن, فنقش الوزير: “هذا الوقت سوف يمضي”!
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء