الشاطر حسن.. حكاية شعبية يرويها: جميل السلحوت
كان ياما كان في قديمِ الزَّمانِ ملكٌ لهُ ثلاثةُ أبناءٍ، وفي أحدِ الأيّامِ قالَ الابنُ الأكبرُ لأبيهِ أنّهُ يُريدُ أنْ يتزوّجَ، وأنْ يدفعَ مَهرَ عروسِه مِن عَرَقِ جبينِه. ولمّا لمَ يستطعْ والدُهُ الملكُ أنْ يعدلَهُ عن فكرتِه سمحَ لهُ بالبحثِ عنْ عملٍ.
ركبَ الأميرُ فرسًا وسارَ في طريقِه. وبعدَ مسيرةِ عشرةِ أيّامٍ صادفَهُ شيخٌ طاعنٌ في السِّنِّ. فسألَ الأميرُ عن مقصدِه ومُبتغاه؛ فأخبرَهٌ الأميرُ.
فقالَ الشّيخُ للأميرِ:
إنْ حدّثتَني قصّة أوّلها كذب وآخرها كذب، سأعطيك تلك المدينة وما فيها، بمن في ذلك ابنتي الجميلة التي لم ولن ترى في حياتك أجمل منها، وإن لم تستطع سآخذك عبدا عندي، فوافق الأمير، وابتدأ قصّته بقوله:
صلّ على النّبيّ.
فقال له الشّيخ: كفى لقد قلت صدقا، وأخذه عبدا عنده.
بعد سنتين طلب الأمير الأوسط من أبيه الملك أن يذهب للبحث عن أخيه، فوافق الملك بعد تردّد، وسار الأمير في الطّريق التي سلكها أخوه الأكبر إلى أن وصل إلى نفس الشّيخ، فعمل معه مثل أخيه، وسقط في الرّهان، وسيق عبدا كأخيه.
بعد مدّة طلب الأمير الثّالث واسمه الشّاطر حسن من أبيه الملك أن يذهب للبحث عن أخويه، فوافق الملك بعد أن لم يستطع ثني ابنه عن مطلبه. سار حسن في الطّريق الذي سلكه أخواه من قبله، إلى أن وصل الشّيخ نفسه الذي استرقّ أخويه ودخل معه في الرّهان نفسه، بنفس الشّروط التي قبلها أخواه.
ابتدأ الشّاطر حسن قوله مخاطبا الشّيخ :
صلِّ على ذنب كلبنا الأعوج .. وأضاف:
عندما تزوّج جدّي جدّتي كنت شابّا يافعا أتجوّل في المدن، وعندما أضع يدي على شنبي كان يهابني الجميع .. وفي تلك الأثناء اشتريت قطعة أرض، وزرعتها قمحا، فمرّ بي أحد الأصدقاء وقال لي:
لو زرعتها سمسما لكان أفضل، فجمعتُ بذور القمح وعددتها فوجدتها كاملة غير منقوصة، وزرعتها سمسما، ولمّا انتهيت مرّ بي صديق آخر وقال لي: لو زرعتها بطّيخا لاستفدت أكثر، فالتقطت بذور السّمسم وعددتها، فوجدتها تنقص بذرة واحدة، فركبت فرسي وتمنطقت بسيفي، وأخذت أبحث عنها فوجدتُ نملتين تجرّانها، فهويت بسيفي عليهما، فأخطأهما، وأصاب بذرة السّمسم، فانفجر منها نهر “سيرج”- زيت نباتي يستخرج من السّمسم- فأخذت أنادي على الفلّاحين كي يملأوا آنيتهم منه، وفي تلك الأثناء أحسست بشيء يلدغني في رقبتي، فأمسكته وإذا به “برغوث” فسلخت جلده، وعملت منه قربة كبيرة وضعت بها ما زاد من السّيرج عن حاجة الفلاحين.
ثم زرعت بطّيخا، وفي اليوم الثّاني لزراعته رجعت إلى الأرض، فوجدت البطّيخ قد نما وأثمر، فحملت بطّيخة وغرزت سكّيني بها، فإذا بالسّكّين يلتطم بعين كافر في داخلها ويقلعها، فأخذ يطاردني وأنا هارب منه، وفي الطّريق التطمت بإمرأة حامل – كانت تسير هي وزوجها- فأسقطت جنينها، فأخذت تطاردني هي وزوجها والكافر، وأنا هارب أمامهم، ومررت بحمار ساقط على الأرض من ثقل حمله، فطلب صاحبه منّي أن أساعده في رفع الحمار، فأمسكت بذنبه، فخُلِع بيدي، وهربت، وانضمّ صاحب الحمار إلى المطاردين، ولما تضايقت منهم صعدت إلى مئذنة جامع، فصعدوا خلفي، فقفزت من أعلى المئذنة، وإذا بي أقع على ظهر شيخ النّور، فانكسرت أضلاعه. فانضمّ النّور إلى المطاردين، استمرّوا يركضون خلفي إلى أن أمسكوا بي .
اقتادوني إلى القاضي، فأومأت إليه بأنّني فتى غنيّ، وسأعطيه ما يشاء إن هو خلّصني من هذه الورطة . فسألهم عن شكواهم فاخبروه بما حدث، ولمّا سألني عن مدى صدقهم أجبته بأنّهم صادقون . فقال القاضي للكافر :
دعه يخلع عينك الثّانية، وسنخلع له عينا لأنّ عين المؤمن تساوي عيني كافر! أو تدفع تعويضا عن مطاردتك إيّاه ، فدفع التّعويض وذهب .
وقال لزوج المرأة التي أسقطت:
اترك زوجتك عنده حتى تحمل أو تدفع له تعويضا! فدفع التّعويض وذهب .
وقال لصاحب الحمار:
اترك حمارك عنده حتى ينبت ذنبه أو تدفع له تعويضا! فدفع التّعويض وذهب .
وقال للنّور اصعدوا إلى المئذنة، وألقوا بانفسكم عليه حتى تكسروا أضلاعه، أو تدفعوا تعويضا! فدفعوا وانصرفوا.
بعد أن انصرفوا سألني القاضي: والآن ماذا ستدفع لي؟ فقلت له أنّني سأحضر ما يقدّرني الله على حمله. فذهبت ورأيت في طريقي امرأة عجوزا، فطلبت منها أن تعمل لي “شوربة عدس″ بعد أن وعدتها بأن أُعطيها ما تشاء، فوافقت على عملها بدون مقابل، ولما عملتها وضعتها في منديل، واتجهت إلى دار القاضي، وحينما رآني قال لزوجته:
عندما يصل ذلك الشّابّ إلى بيتنا خذي ما معه، وإن سأل عنّي قولي له بأنّني لست موجودا. وأعطيت المنديل والعدس لزوجة القاضي الذي بدأ يصلّي صلاة الصّبح عندما طرقت باب بيته. ثمّ ولّيت هاربا خوفا من أن يلحق بي، وينتقم منّي، فوجدت مغارة كبيرة، وبقيت أركض فيها وأركض… وأركض واستمرّ يردّد كلمة “أركض” لمدّة أربع وعشرين ساعة، وهناك وجدت ذهبا لا يُحصى، فعبّأت سلّة وجدتها هناك، وعدت طريقي مطمئنّا، وبقي يردّد كلمة مطمئنا فقال له الشيخ:
إذا كان حديثك عن دخولك المغارة استغرق أربعا وعشرين ساعة، فإنّك ستحتاج إلى أكثر من هذا في الخروج منها، خصوصا وأنّك تحمل سلّة مليئة بالذّهب. وهكذا كسب حسن الرّهان وأخذ المدينة.
في اليوم التّالي بحث الشّاطر حسن عن أخويه، فوجد الكبير يعمل خادما في خان دواب، ووجد الثّاني يعمل زبّالا في الشّوارع، فاستدعاهما إلى القصر وهما لا يعرفانه، طلب أن يختم على مؤخّرة كلّ منهما بختمه مقابل أن يطلق سراحهما، ويحمّلهما ما يشاءان فوافقا. وختمها على مؤخّرتيهما، بعدها حملا ما شاءا من الذّهب، كما أخذا معهما ابنة الشّيخ الجميلة. أمّا الشّاطر حسن فقد عاد صفر اليدين إلى والده، ووصل قبل أن يصلا.
في اليوم الثّالث لوصوله وصل الأميران الكبيران ومعهما الذّهب والهدايا والفتاة الجميلة، فاستقبلهما والدهما الملك أحسن استقبال.
بعد ثلاثة أيام على وصولهما أراد كلّ واحد منهما أن يتزوّج البنت، واختصما في ذلك، فذهب الشّاطر حسن إلى والده وطلب منه أن يزوّجه إيّاها، وأن يترك الأميرين الكبيرين، فوبّخه والده وقال له:
أنت لا تستحقّها… ولمّا زادت الخصومة بين الأميرين الكبيرين طلبا أن يتبارزا بالسّيوف، والذي يقتل الآخر تكون البنت من نصيبه، عندما رأى الشّاطر حسن ذلك لم يهن عليه أن يقتل أحد أخويه أخاه الآخر، فذهب إلى والده وقصّ عليه القصّة من أوّلها إلى آخرها ، فأحضر الملك ابنيه الكبيرين، كشف عن مؤخّرتيهما فرأى عليها خاتم حسن، فوبّخهما وزوّج البنت الجميلة للشّاطر حسن، لأنّه هو الذي يستحقها، وأوصى له بالملك من بعده .