نقد الذات وبداية التحرر الحضاري
د. يحيى عبد الله | أكاديمي موريتاني
الأمم الراشدة تقسو على ماضيها وتفتش حاضرها لبناء مستقبل مشرق مستلهمة الماضي نقدا وتحليلا للدروس والعبر، في حين آخر تظل الأمة الضعيفة تدور حول ماضيها في غياب تام لما تعيشه أو تأمله في مستقبلها مستقوية ببطولات قد لا تناسب واقعها ولا تسهم في مستقبلها لتظل حبيسة الماضي تعيش بروحه وتفسيره في غياب منقطع النظير لرؤية الهوية التي ساهم الماضي في عصره في بنائها دون أن تدرك أنها تعطل الهوية وتقطعها عن الحركة والتقدم بحجة المحافظة على الماضي.
هكذا اليوم تتنزل الأمم منازلها بقدرتها على نقد ذاتها بجراءة وتحكيم النقد في أي مسار تسلكه .
إلا أنه حينما تعطل أمة نقدها لذاتها فانظر لها في مراحيض التراجع والتقهقر بغض النظر عما تملك من قوة وما تتمتع به من عقول أو خبرات هكذا تكون مسارات العطاء في واد والأمة في آخر من غير التقاء.
وفي واقعنا الإسلامي المعاصر اليوم يرى المتابع وبدون تكلف كبير مستويات عالية من التمجيد والتطبيل بكافة أشكاله وصوره لحكام وأشخاص وانتماءات وأطروحات وقل ما يقف القارئ اليوم إلا على الصورة المشرقة التي لا تعكس الواقع ولا تساهم إلا في تراجع المستقبل ففي المجال الديني لا تسمع من الفقيه والمفسر والمحدث غير اجترار تفسيرات الماضي وحمايتها مع شبه عجز تام عن القدرة على التفسير أو التفكير والإبداع.
وفي المجالات الأخرى كالسياسة والاقتصاد والعلوم الانسانيه والفكر والثقافة لا تسمع جديدا غير مستورد أو منتوح بعقول أجنبية في أحسن حالاته يعطى ترجمة أو يحكى كما هو والمثال على هذا كثير : في المجال الصناعي والثقافي والعلمي وهذه كلمات تشير إلى غيرها كثير جداً منها: “الحاسوب والكمبيوتر والانترنت والدكتوراه والباكلوريوس والليصانص والماجستير”
إن أمة لا تحسن غير صناعة التمجيد والثناء وتخاف من النقد فهي في الحقيقة لا تملك شيئا لتفاخر به فلجأت إلى الماضي لأنه غائب عنها فالاشتغال بالغائب ضعف غير مبرر.