جائحة كورونا… والتطوير التربوي
عمر عبد الرحمن نمر
سؤال يراودني منذ بدء الجائحة الكورونية، ولأني ابن سلك التربية والتعليم، شاركت في أكثر من لقاء أو ندوة وكان المحور الأساس: التعلم والتعليم زمن الكورونا، أما الموضوع فكان يتناول التعليم عن بعد، والتلقي عن بعد، والمهارات التكنولوجية لكل من المعلم والطالب ، ويصل الحديث ليكون لولي الأمر أهمية بالغة في الصيرورة التربوية الجديدة.
السؤال: رغم مأساة الجائحة، وما خلفته من آثار صحية سيئة، وآثار اقتصادية أسوأ … وآثار اجتماعية وتربوية (أقصد التعليم والتعلم) رغم كل هذا… هل غيرت هذه الآثار شيئاً في المناحي الصحية والاقتصادية والاجتماعية… ربما فإن هذه التغيرات (إن حصلت) فهي بحاجة لمدة زمنية أطول لدراستها بشكل جدي… لكنني أستطيع القول إن التغير في المستوى التربوي حاصل حتمي، ولا يمكن للعملية التربوية أن تقوم دونه… ومما يعتقد أن تراكمات هذا التغير التربوي، ستفضي حتماً إلى تطوير تربوي… فالظرف بمعناه الواسع، يعزز هذا المسار…
أول إرهاصات التغيير كانت في تجربة التعلم عن بعد، وهذه كانت نظرية ذهنية، سرعان ما نفذت على أرض الواقع، نفذت بشكل سريع وطارىء، ولأنها جديدة في مسيرة التربية فلا بد أن يكون لها أخطاء، ولا بد أن نعمل على تلافي هذه الأخطاء، وقد جرى في الآونة الأخيرة تدريب المعلمين جميعهم على توظيف إمكانات التعليم الإلكتروني، من حيث: بناء أهداف المادة التعليمية، وتصميمها، وآلية عرضها، واستغلال إمكانات العرض الهائلة من: الجذب والتشويق ومشاركة الطالب الفاعلة… إضافة لولي أمره… هذا التحرك سيدفع التربية والتعليم والمؤسسات المجتمعية إلى توفير أجهزة حاسوب لغير المقتدرين من الطلاب، ودفع فاتورة النت لشركات الاتصالات…
ولا شك أن التلقّي عن بعد، علاوة على ترتيب برنامج الدوام الرسمي يزيد من شحنات الطالب نحو تحمله مسؤولية تعلمه، ويجعله الشريك الفعال في العملية التربوية، فهو الذي يدفعها قدماً في نشاطه وحواره وتساؤلاته… وفي هذه البوتقة التفاعلية يمكن لتفكير الطالب أن يخرج من القفص التربوي النمطي، وأن يحرر تفكيره من هذا القفص ويطلقه في الآفاق كلها… وهنا يمكن التحرر وببساطة من الاستظهار والتلقين، ومن أسئلة عدد وعرف واشرح التي تلائمها… إلى مصفوفة جديدة من التساؤلات التي تفضي بالطالب إلى الحيرة والدهشة وخلق حالة من الفضول… وبالتالي تعزز مهاراته الحياتية المرتبطة بالواقع، والتي قطعاً تصب في احتياجات المجتمع… وهنا تصقل المعرفة، وتظهر بصيرة التعلم على حقيقتها، ويظهر التعلم المنتج، البعيد كل البعد عن العلامة، واستهلاك العلامة، والبعيد عن الطوابير التي تنتظر دورها في العمل… حيث سيصبح الطالب مستقبلاً من خلال هذه المنظومة… هو المشغل لذاته وللآخرين…
مما يبرهن على صدق هذه النبوءة، هو اختصار المواضيع الدراسية، وأخذ المهارات الأساسية في كل موضوع، تلك المهارات التي تعيش مع الطالب، لا ينساها، ويطورها، ويحصل ما يشبه التذويت بينه وبينها… وهي المهارات التي يمكن التأسيس عليها لعمل الطالب المستقبلي… أما مهارات المنهاج الهامشية، فهي تنسى، ويمكن الرجوع إليها بطريقة ذاتية متى أراد الطالب عند احتياجها…
ولعل الدور الجديد الذي ألقي على أولياء الأمور، يدعو إلى أخذه بجدية، ويدعو الحلقات التربوية إلى توعية الأهالي به… وخصوصاً فيما يتعلق العمل مع تلاميذ المرحلة الأساسية (الصفوف من الأول الأساسي إلى الرابع الأساسي)… حيث يبدأ العمل مع الطالب منذ ترتيب برنامجه المدرسي (قد يكون صباحياً، وقد يكون مسائياً) وتوفير وجبته (حيث لا مقاصف مدرسية على الأقل في بداية العام الدراسي، وربما تمتد هذه الفترة حسب الوضع الصحي العام)، والاهتمام بنظافة الطفل ضرورة، ومن ثم مشاركته الدرس، ونقاشه فيه، ومتابعة تدريبه على المهمات التي يتطلبها المنهاج، وهنا لا بد من تدريب أولياء الأمور (وخصوصا الأمهات) على بعض الطرائق التدريسية، لتبسيط المفاهيم والمعارف والمهارات أثناء تقديمها للطالب، وهذا يتأتى من خلال تواصل المدرسة مع محيطها، وما يمكن أن ترتبه المدرسة من ندوات وأنشطة وفعاليات لأولياء الأمور…
والتالي للغالي… والغالي في هذه المقالة هو المعلم ومدير المدرسة… المعلم الذي يجب أن يطور دوره ليوائم المناشط التربوية الجديدة، يطور هذا الدور بالتدرب على إنتاج الدروس إلكترونيا، وتصميم الدرس التفاعلي، الذي ينشط الطالب، ويقوي دافعيته للتعلم، ويعزز مفاهيمه ومعارفه ومهاراته… المعلم الذي يصمم الموقف التعليمي التعلمي الحواري النشط، حيث يغني الموقف بالتساؤلات البحثية، ويجعل تفكير الطالب يحلق في آفاق البحث والاستدلال والاختراع والاكتشاف… هذا إلى ضرورة فهم التعليم التكاملي (خصوصاً للمرحلة الأساسية) وتطبيقه، وهذا كله بحاجة إلى تدريب المعلم على هذه الوضعيات الجديدة… وكذلك هناك حاجة ملحة لتدريب الإدارات المدرسية على المتابعة الجديدة للطالب، وعلى التواصل الفعال مع ولي أمره، ووضع الخطط العلاجية… وخطط تعزيز الدافعية للمعلم والطالب على حد سواء… طبيعة المرحلة برعاية هذه الجائحة اللئيمة تتطلب منا العمل، العمل الجدي الهادف، المؤسس على توظيف القواعد التربوية العملية الهادفة…
وطننا لنا… وطلابنا أبناؤنا… والتربية مسيرتنا… وفق الله الجميع، وجنبنا الله هذا الوباء والبلاء… يا رب…