جميل السلحوت – أنا والزّواج

في 6 ديسمبر 1974 تزوّجت بطريقة تقليديّة من فتاة قريبة، أنجبت منها فراس بعد عام، وتوفّي بعد أسبوع من ولادته؛ لأنّها أنجبته بفترة حمل ثمانية أشهر، وبعده بعام أنجبت محمّدا وعاش يوما واحدا وتوفّي أيضا لعدم اكتمال فترة الحمل، وفي 20 نيسان-ابريل- 1978م أنجبت “قيس” الذي سعادتي به كانت كبيرة، فقرّرت أن أكتفي به، وألّا أنجب غيره، لكنّه أورثني حزنا دائما عندما خسرته هو ووالدته بطريقة مأساوية في 25 ابريل 1981.

كانت صدمتي كبيرة بفقدان قيس، وتظاهرت بأنّني أقوى من المأساة، لكنّني في داخلي كنت محطّما بائسا، ومع ذلك وجدت نفسي بين خيارين هما، أن أعيش أحزاني وأدمّر نفسي، أو أن أبدأ حياتي من جديد، فاخترت الخيار الثّاني رغم المعاناة التي عشتها بسبب فقدان فلذة كبدي قيس، وفي 10 حزيران-يونيو- 1981، تزوّجت حليمة حسين جوهر، وكانت طالبة لغة عربيّة سنة أولى في جامعة بيت لحم.

في بداية تموز -يوليو- أي بعد زواجي بعشرين يوما، عادت زوجتي حليمة بتشجيع منّي إلى الجامعة لدراسة الفصل الدّراسيّ الصّيفيّ، وسط معارضة والدينا أنا وهي، ومعارضة كبيرة جدّا من أخيها الأكبر المرحوم أحمد، ووسط استغراب عائلتينا والبيئة التي نعيش فيها، وهذه قضيّة ليست سهلة وسط مجتمع تحكمه العادات والأعراف العشائريّة. لكنّني حميت قراري الصّائب بضرورة أن تواصل زوجتي تعليمها الجامعيّ، وقد أنجبت حليمة ابننا البكر قيس في 20-7-1984 وهي طالبة جامعيّة. والتحاق حليمة بالجامعة وهي زوجة وأمّ شكّل سابقة إيجابيّة وسط هذه البيئة الاجتماعيّة التي تحكمها الأعراف القبليّة، حيث فتحت الأبواب أمام عشرات بل مئات من الفتيات المتزوّجات والعازبات من بنات القرية، اللواتي وذويهنّ اتّخذونا قدوة لهم للدّراسة الجامعيّة، ساعد في ذلك قرب الجامعات مثل جامعتي القدس وبيت لحم من قريتنا، ممّا يسمح لهنّ بالذّهاب إلى الجامعة والعودة منها إلى البيت يوميّا ودون عناء يذكر.

وفي 24 حزيران 1988 أنجبنا ابنتنا أمينة، وبعدها لمى في 16 سبتمبر 1991.

حصلت زوجتي حليمة على ليسانس آداب –لغة عربيّة- ودبلوم تربية، وعملت مدرّسة في مدارس القرية، كما مارست هي الأخرى الكتابة وصدر لها عام 1992 مجموعة قصصيّة عن دار الكاتب في القدس، بعنوان “رحلة عذاب”، وفي عام 1994 صدرت لها عن منشورات دار القدس رواية بعنوان “الجذور.

ولا بدّ هنا من ذِكْر الدّور العظيم للمرحومة والدتي، التي اعتنت بأطفالي عناية فائقة أثناء غياب والدتهم في الجامعة أو العمل.

أسماء أبنائي:

لم نختر أسماء أبنائنا بشكل عفويّ، فعندما كنا نعرف جنس الجنين وهو في رحم والدته، كنت أجمع عشرات الأسماء العربيّة القديمة للولد أو للبنت، وأتشاور وزوجتي حول من سنختار منها، كنت أدقّق في كلّ منها مرّات ومرّات، وأعود إلى المعجم لمعرفة معانيها، إلى أن يستقرّ الرّأي على واحد منها، مع الحرص أن لا يكون للاسم شبيه في القرية، وهذا ما كان، مع التّأكيد أنّنا لم نفكّر ولو للحظة واحدة باختيار اسم من الأسماء الحديثة، فالجمال والأصالة يكمن في الأسماء العربيّة القديمة، علما أنّ اسم ابنتي أمينة هو على اسم والدتي.

تعليم الأبناء

منذ بداياتي وأنا على قناعة تامّة بأهمّيّة التّعليم، والتّعليم بالنّسبة لي هدف سام، لذا فقد حرصت أنا وزوجتي على تعليم أبنائنا حتّى نهاية المرحلة الجامعيّة الأولى على الأقلّ، مع التّأكيد على أنّ تعليم البنات له أولويّة وأهمّيّة لا تقلّ في أهمّيّتها عن تعليم الأبناء، وهذا ما فعلناه وطبّقناه. مع التّاكيد على أنّنا حرصنا على تربية أبنائنا تربية حضاريّة، ووفّرنا لهم كلّ احتياجاتهم، وغرسنا في أذهانهم أهمّيّة التّعليم في مختلف مراحله. كما أتعامل معهم كأصدقاء، وهذا انعكس إيجابا على سلوكهم لاحقا عندما شبّوا ودخلوا مجال العمل، فعلى سبيل المثال عندما نزور قيس فإنّه يعطينا الرّعاية والاهتمام الزّائد، حتّى بتّ أشعر أنّه الأب وأنا الإبن.

قيس

عندما أنهى ابني قيس المرحلة الثّانويّة صيف العام 2001م، وكان في السّابعة عشرة من عمره، اصطحبته معي إلى شيكاغو حيث يعمل شقيقاي داود وراتب، والتحق هناك بجامعة “دومينكان” حيث أنهى مرحلته الجامعيّة الأولى بدرجة شرف، وبشهادتين الأولى اقتصاد والثّانية تجارة دوليّة. وعمل بعدها ولا يزال مديرا في شركة برمجة أمريكيّة. وفي 17 آب-أغسطس- 2013 تزوّج من فتاة تونسيّة اسمها مروة محجوب، وأنجب منها ابنتين هما لينا المولودة في 21 مايو 2015، وميرا في الفاتح من ديسمبر 2018.

أمينة

التحقت ابنتي أمينة بجامعة بيت لحم ودرست تربية ابتدائيّة، وتخرّجت أيضا بمرتبة شرف، وتزوّجت من عصام بن أخي ابراهيم، وأنجبت منه ثلاثة أبناء هم كنان المولود في 15-8-2011، بنان المولودة في 16-9-2014م وسنان المولود 25-10-2018م. وهي تعمل مدرّسة.

لمى:

درست ابنتي لمى في جامعة بيت لحم أحياء ومختبرات، وحصلت على بكالوريوس بمرتبة شرف هي الأخرى، كما حصلت لاحقا على دبلوم إدارة مشاريع. وتزوّجت من معتصم علي محمد عطا علاءالدين وأنجبت منه في 22-1-2016 طفلا اسمه باسل.

الموقف الفكري

 شرع بعض الآباء في قريتي منذ ثلاثينيّات القرن العشرين بإرسال أبنائهم الذّكور إلى المدارس مثل كلّيّة النّهضة في حيّ البقعة المجاور، وكلّيّة صهيون قرب باب الخليل عند الجانب الغربيّ لسور القدس التّاريخيّ، وسبق ذلك في أواخر القرن التّاسع عشر وبدايات القرن العشرين افتتاح الشّيخ عطا السّرخي كتّابا في منطقة “الحرذان”، كان يعلّم فيه الأطفال الأبجديّة والقرآن الكريم. وفي أواخر ثلاثينيّات القرن العشرين افتتح الشّيخ أحمد علي منصور كتّابا في زاوية العلويّين في جبل المكبّر.

أمّا أوّل مدرسة فقد كانت مدرسة ابتدائيّة للذّكور افتتحت عام 1944 في جبل المكبّر، وفي العام 1946م ونظرا لاتّساع القرية النّاشئة افتتحت مدرسة أخرى في الجزء الشّرقي من البلدة، ولتمييز المدرستين عن بعضهما البعض فقد أطلق على الأولى اسم “مدرسة السّواحرة الغربيّة للبنين، وأطلق على الثّانية “مدرسة السّواحرة الشّرقيّة للبنين”.

وبمبادرة من د. داود عطيّة حسن عبده، ومحمد حسين مسلم جوهر وداود علي احمد عبده افتتحت في العام الدّراسيّ 1954-1955 أوّل مدرسة للبنات.

تمّ تزويد البلدة بالكهرباء في العام 1971م.

وقد سمعت بالرّوايات الشّفويّة أنّ هناك من أبناء البلدة من انضمّوا لحزب البعث في بدايات خمسينات القرن العشرين، والذي بدوره أرسل بعضا منهم في بعثات دراسيّة إلى الجامعة الأمريكيّة في بيروت. وعندما كنت في الصّفّ الابتدائيّ الأوّل في العام الدّراسيّ 1955-1956م قاد أحدهم وكان طالبا في المرحلة الثّانويّة مظاهرة لطلاب المدرسة الابتدائيّة، شاركت فيها بعفويّة وبراءة تامّة، وكان يهتف أمام الطّلاب بحياة الرّئيس المصريّ جمال عبد النّاصر، ويطالب بتحرير فلسطين، رفع الطلبة ومن ضمنهم أنا صورة زعيم الأمّة جمال عبد النّاصر التي وزّعها عليهم وهتفنا خلفه، وقام شرطيّان بتفريق المظاهرة واعتقال قائدها، الذي أمضى ستّة أشهر في السّجن. وفي العام التّالي شاركت ببراءة بمظاهرة ضدّ حلف بغداد وضدّ العدوان الثّلاثي على مصر.

لم أنتبه لأيّ حدث سياسيّ، ولم أكن أعلم بوجود أحزاب في الأردنّ الذي كانت الضّفّة الغربيّة جزءا منه، حتّى اقتادتني المخابرات الأردنيّة إلى عمّان للتّحقيق وأنا طالب في الصّفّ الأوّل الثّانويّ،  بعد أن فزت قبل عام بجائزة مسابقة في كتابة القصّة للفتيان العرب في برنامج “صندوق البريد” في إذاعة موسكو باللغة العربيّة. وحقّق أحدهم معي حول الحزب الشّيوعيّ الأردنيّ، وحتّى ذلك اليوم لم أكن أعلم بوجود أحزاب شيوعيّة سوى في الاتّحاد السّوفييتي والصّين الشّعبيّة. وكنت وقتها طالبا في معهد دينيّ هو المعهد العلميّ الإسلاميّ في القدس، والذي تحوّل بعد احتلال عام 1967م إلى ثانويّة الأقصى الشّرعيّة، وفي ذلك العام أنهيت المرحلة الثّانويّة. وفي المدرسة الشّرعيّة نشأت نشأة دينيّة غير “مؤدلجة.”

وبسبب حبّي وشغفي للمطالعة في سنّ مبكرة، فقد واصلت مطالعتي بشكل مكثّف في مجالات مختلفة، وذلك في محاولة منّي للوقوف على أسباب الهزيمة التي شكّلت صدمة لي ولأبناء جيلي، خصوصا وأنّنا كنّا نتهيّأ ونستعد لدخول الجامعات. وتأثّرت بالفكر اليساريّ، بعد أن طالعت “أصل العائلة” لإنجلز، و”رأس المال” لماركس، ومؤلّفات لينين،وكتاب “الأمّ” لمكسيم غوركي، وعشرات الرّوايات الرّوسيّة المترجمة إلى العربيّة. لكنّ الفكر اليساريّ المتطرّف والمغامر لم يستهوني يوما في حياتي. وأعجبت بطروحات الحزب الشّيوعيّ السّياسيّة العقلانيّة. لكنّي لم أتّخذ موقفا عدائيّا من أيّ جماعة فلسطينيّة، بل كنت أقارعهم الحجّة بالحجّة، وكنت ولا أزال حتّى يومنا هذا أكتب رأيي وقناعاتي السّياسيّة على صفحات الصّحف الورقيّة والمواقع الألكترونيّة، دون تأثير من أيّ جهة سياسيّة، فانتمائي الصّادق لقضايا شعبي وأمتي ووطني هو بوصلتي التي أهتدي بها.

زواج الأخوات والبنات والمهور

منذ أن وعيت الحياة، أدركت مشكلة غلاء المهور، مع أنّ والدي –رحمه الله- لم يطلب مهرا مرتفعا لأيّ من أخواتي التّسعة، وكان يشتري لكلّ واحدة منهنّ مصاغا ذهبيّا بمهرها. وقبل أن أبلغ الثّلاثين من عمري أقنعت والدي بأن يكون مهر البنت المقدّم دينارا أردنيّا واحدا، ومثله مهرا مؤجّلا، ونشترط على العريس بأن يشتري مصاغا أقلّ من المتعارف عليه في قريتنا.

عندما تزوّجت ابنتاي عملت الشّيء نفسه، مع التّنازل عمّا يسمّى “كسوة العروس”. وهذا ما تصرّفناه أيضا عند زواج بنات إخوتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى