مبادرة الأخضر الإبراهيمي لاستنهاض الموقف العربي في مواجهة التطبيع
المحامي علي أبو هلال | فلسطين
في الوقت الذي أعلنت فيه دولة الإمارات التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بموجب الاتفاق الثلاثي الإماراتي الإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الأمريكية والإسرائيلية لعقد اتفاقيات تطبيع مع دول عربية أخرى، وفي ظل ضعف وتفكك الموقف العربي الرسمي، تجاه اتفاق التطبيع الإماراتي، أطلق القائد السياسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي في السابع عشر من شهر آب الماضي، مبادرة بشأن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من ظلم واعتداء سافرين على حقوقه وكرامته وأرضه، حيث تم إعداد هذه المبادرة باللغات الثلاث، العربية والإنكليزية والفرنسية، بهدف جمع أكبر عدد ممكن من التواقيع تمهيداً لتسليمها إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والمنظمات الجهوية الأُخرى في العالم، ولعرضه أمام الرأي العام العربي والعالمي.
أعلنت المبادرة التضامن مع فلسطين ومع الشعوب العربية التي ما زالت تعتبر قضية فلسطين قضيتها الأولى، وأكدت دعمها حق الفلسطينيين في استخدام كل أشكال الطرق المشروعة في مقاومة الاضطهاد والتمييز العنصري، وأكدت على حق الشعب الفلسطيني في استخدام كل الطرق المشروعة، في نضاله ضد الحملة الإسرائيلية المستمرة في سلب أراضيه ومنعه من ممارسة حقوقه القومية والمدنية.
وجاء في المبادرة التي وقعها مثقفون عرب، ومسؤولون سابقون، وناشطون في حقوق الإنسان، أكاديميون، قانونيون، علماء، فنانون، أنهم يتوجهون بهذه المبادرة إلى الرأي العام العالمي، ويدعون الآخرين إلى مشاركتنا في توقيع هذه الوثيقة.
إن عملية تجريد الشعب الفلسطيني من حقوقه وصلت إلى منعطف فارق عندما تحركت إسرائيل مؤخراً لضم أراضٍ فلسطينية جديدة، بناءً على خطة ترامب – نتنياهو المعروفة بـ “صفقة القرن”. وتعود ملامح هذه الخطة في الرؤيا الصهيونية الهادفة إلى السيطرة على كامل أرض فلسطين إلى تيودور هيرتسل، وهي خطة أميركية – إسرائيلية تتحدى مبادئ تقرير المصير المبني على العدالة. كما أنها تعكس الانحياز الأميركي الكامل إلى دعم الأهداف الإسرائيلية التوسعية القصوى، في مخالفة مفضوحة للأعراف الدولية وعقود من قرارات الأمم المتحدة.
وأضافت المبادرة أن خطورة هذه الخطة في ضوء القانون الأساسي لإسرائيل (2018) الذي يحدد أن “ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل هو حق مميز للشعب اليهودي”. إذ بينما تقوم إسرائيل بنشر سلطاتها على كامل الأراضي الفلسطينية، فإنها تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في البقاء والسيادة على أرضه نظرياً، وفي الممارسة الفعلية. كما أنها تقوض جميع الأسس المبنية على الشرعية الدولية، وتعزز نظاماً قانونياً يرتكز إلى التمييز المؤسساتي، والفصل العنصري، واللامساواة في كامل أرجاء فلسطين التاريخية – بما فيها تشريع قوانين متعددة لمجموعات إثنية متنوعة – والتي تستعيد نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في جنوب أفريقيا في أعلى حالاته. وأكدت المبادرة إن الشعب الفلسطيني في جميع أرجاء وجوده، داخل أراضيه وفي الشتات، يتوحد اليوم في مواجهة هذه الخطة التصفوية، كما تستمر الشعوب العربية في مناصرة الشعب الفلسطيني وقضيته ومناهضة الممارسات الإسرائيلية في فلسطين وفي الجولان، على الرغم من تخاذل وتردد بعض هذه الحكومات.
وأكدت المبادرة تضامنها مع فلسطين ومع الشعوب العربية التي ما زالت تعتبر قضية فلسطين قضيتها الأولى، وتدعم حق الفلسطينيين في استخدام كل أشكال الطرق المشروعة في مقاومة الاضطهاد والتمييز العنصري، بما في ذلك حقهم في النضال من أجل المقاطعة وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على إسرائيل. وهذه الطرق أدوات نضالية سلمية استخدمتها بنجاح شعوب أخرى.
وأعلنت المبادرة أن كل ما تقوم به حكومة نتنياهو وإدارة ترامب في تمرير هذا المخطط الذي أدانته أغلبية الدول المنضوية تحت الأمم المتحدة، سيبقى غير قانوني وغير شرعي. إن اقتصار ردات الفعل على بيانات دبلوماسية باهتة، واستنكارات شكلية لن يثني إسرائيل عن التمادي في اضطهاد الشعب الفلسطيني ومصادرة أراضيه، ذلك بأن أي خطوات جدية في هذا المجال يجب أن تشمل الدعم العربي والدولي المادي لشعب فلسطين في نضاله نحو الحرية والسيادة على أرضه، كما يجب أن تشمل مجموعة من خطوات المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل من جانب الأسرة الدولية. فقط هذا النوع من الإجراءات سينجح في فرض تكلفة باهظة على ممارسات دولة الاحتلال، وفي مجابهة الخطر العالمي للسلام والأمن، والمتأتي من خطة ترامب – نتنياهو. وأعلن الموقعون على المبادرة التزامهم بالعمل معاً على المساهمة في تعزيز الخطوات اللازمة لتأمين حل عادل لهذا الصراع بحيث يؤدي إلى الاعتراف بالحقوق القومية والجماعية والفردية للشعب الفلسطيني.
بلغ عدد الموقعين على هذه المبادرة حوالي سبعة آلاف ومن المتوقع أن يزداد عدد الموقعين خلال الأيام القادمة. وتأتي أهمية هذه المبادرة كونها أطلقت من قائد سياسي تاريخي جزائري مهم هو الأخضر الابراهيمي، وهو دبلوماسي جزائري، شغل منصب وزير خارجية بلاده في بداية التسعينيات، وكان مبعوثا للأمم المتحدة إلى أفغانستان ثم إلى العراق، كما عين مبعوثا مشتركا للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا خلفا للأمين العام السابق كوفي عنان. وهو عضو في “مجموعة حكماء العالم” وهي مجموعة مكونة من أبرز زعماء العالم، أنشئت للمساعدة في إيجاد حلول سلمية للأزمات العالمية.
كما أن هذه المبادرة تأتي في ظل تفكك وضعف الموقف العربي وخاصة موقف الأنظمة العربية الرسمية، وضعف موقف الجامعة العربية، التي لم تدين التطبيع الاماراتي مع دولة الاحتلال، ولم تدعو الامارات إلى التراجع عن اتفاقية التطبيع المذلة، التي تشكل خروجا عن قرارات القمم العربية وقرارات الجامعة العربية، ومخالفة للمبادرة العربية.
وفي ظل الرفض الشعبي العربي لتطبيع دولة الامارات علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، تأتي مبادرة الابراهيمي في محاولة لاستنهاض موقف عربي رسمي وشعبي، لإدانة التطبيع العربي مع دولة الاحتلال، ووقف مسار التطبيع الذي يفرط بحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، خاصة وأن عدد كبير من الموقعين على هذه المبادرة هم شخصيات سياسية عربية رفيعة احتلت في السابق مواقع هامة في النظام الرسمي العربي، سواء داخل الحكومات العربية، أو في اطار الجامعة العربية، وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، علاوة على العديد من الشخصيات العربية الاعتبارية غير الرسمية، من مختلف الفئات والتخصصات والاهتمامات، وهذا ما يشكل حافزا لتطوير وتعزيز الموقف الشعبي العربي، لوقف مسلسل التطبيع العربي الرسمي مع دولة الاحتلال، وإسناد نضال الشعب الفلسطيني، وقضيته الوطنية، فكل الاحترام والتقدير لمبادرة الأخضر الإبراهيمي، وألف تحية للموقعين عليها، الذين يحاولون استنهاض الموقف العربي الشعبي والرسمي، في مواجهة هذا الانحدار، وهذا التفكك الذي يشهده الموقف العربي في مواجهة دولة الاحتلال، وصفقة القرن، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية.