إضاءةُ العتمة في الفكرِ والفلسفة والأدبِ للكتابة لطفية الدليمي
د. موج يوسف | ناقدة وأكاديمية – العراق
خضمت الحروب والهيمنة الأصولية على الفكر العربي فحُجب عنه التنوير والتحرر الفكري والابتعاد عن الفلسفة؛ وهذا لا يمنع أن تبقى رؤى مستنيرة تكافح في إزالة الظلامية التي خيمت على الفكر العربي وهذا ما كتبت عنه الكاتبة والمترجمة لطفية الدليمي في كتابها: (إضاءة العتمة أفكار رؤى) الصادر عن دار المدى في بغداد عام 2020 .
تقدم المؤلفة كتابتها التي انتخبتها من مجموعة مقالات منشورة ضمن عامي(2018 – 2019 )، الكتاب مبوب بعناوين أوّلها (في الحبِّ) فترى المؤلفة هذا المفهوم برؤية فلسفية فجاء التسويغ المنطقي لقدرة الحب وسحره جاء مع الفلسفة الظاهراتية التي وضع أساسها الفيلسوف الألماني هوسرل وتوضح مفهوم الحب (هو آلية ارتقاء بالحياة بشرط أن يوضع العصيّ أمام عجلاتها) وتوضح مفهوم العصيّ (بإنه رسم الكراهية العمياء التي تترسخ بالعادة منذ الصغر بسبب موضوعات الدرس الفقهي التقليدي الذي يجعل الحياة مباءة لا تستحق سوى الازدراء والكراهية) ص 16.
المؤلفة ترى أن عالمنا العربي قد ازدادت فيه العداوة وكره الآخر ونفور الأفراد من الحياة ومردّ ذلك في النظرة التي زرعها الدرس الفقهي التقليدي الذي رسخ الأصولية الظلامية والتي عملت على تشويه الحياة بعين الفرد لأن الحياة الحقيقية والحب هو مع حور العين في الجنان ومن هذا الباب قد تم تحطيم مستقبل الكثير من الشباب بسبب ظلامية الفكرة، عنوان يرتبط بالذي سبقه كتب في السعادة وبعنوان (صناعة السعادة) فترى أنه يعدّ(مفهوماً ميتافيزيقاً مثل الكثير من المفاهيم المؤثرة في حياة البشر).
إذن هذا المفهوم يدخل ضمن المنظومة الفكرية عند الفرد فيكون قادراً على انتاجها ــ السعادة ـــ كما ينتج فكراً معيناً لذلك قالت عنها الكاتبة إنها صناعة، وافردت المؤلفة الدليمي جزءاً كبيراً مؤلفها بعنوان: (في الأدب) ولأهميته في الحياة كان له القدح المعلى من كتابتها وقد تناولت شيوع ظاهرة صارخة فيه بعنوان: (الأدب المحلي والأدب المترجم) وألقت الضوء على رواج الأسماء الأدبية في العالم وكان المساهم في ذيوعها الجوائز ومنها نوبل وتذكر أن هناك أسماءً ذاع صيتها بعيد عن الجوائز مثل (إليف شافاق) والأهم في ذلك تذكر الكاتبة إن الرواية الأوروبية في حركية دائمة بفعل الفلسفة والسايكولوجية والعلم لكن في عالمنا العربي تذكر قائلة: (في حين أن الرواية العربية انشغلت بملاعبة الكلمات عوضاً عن الأفكار وبكيفية جعلت الرواية أقرب إلى كاميرا ثابتة تصف الوقائع ولا تؤثر في تيارها) ص57.
هذا الرأي دقيق جداً فمن جهة أن الرواية العربية لم تنضج فنياً بشكل متكامل، عند قراءتنا نجد خللاً في التقنيات السردية فضلاً عن ضعف الخيال، واللغة التقريرية الخالية من الصور والاستعارات، والكاتب نجده حبيساً في سجن أيديولوجيته وبالرغم من ذلك فقد حصلت الرواية العربية على شهرة كبيرة وحظيت بخدعة الجوائز ويعزى هذا الأمر بسبب اللعبة الايديولوجية التي خدمت الكاتب للوصول إلى رف الشهرة، بينما إذا بحثنا عن نموذج للرواية العربية الحقيقي في معاناها الأدبي لم نجد سوى اسماء قليلة جداً ومن هنا تبدأ مهمة الناقد والباحث قبل أن يتناول الرواية نقدياً يتفحص اكتمالها الفني والفكري ثم يشرع بالحكم على جودتها الأدبية . لطفية الدليمي وثراءها المعرفي تكتب (في الفلسفة) وهذه الأخيرة لا تختلف عن الموضوعة السابقة إذ شغلت حيزاً من الكتاب فتناولت مسألة مهمة بعنوان: (أفلاطون مُعاصرنا) ناقشت الآراء التي أُثيرت حول موت الفلسفة الذي ادّعاه علماء العصر أمثال (ستفين هوكنغ) ذكرت كل الآراء في هذا الصدد ثم فندتها قائلة: (مبيعات الكتب الفلسفية اثبتت أن حوارات أفلاطون ظلّت الكتاب الفلسفي الأكثر مبيعاً حتى يومنا هذا بسبب مقاربته للعقل والروح ) ص119.
ثم حلقت المؤلفة في موضوعة مازالت قيد السجالات الفكرية كتبت (في الثقافة) وافرت عنواناً (أوهام الهوية) وهو مصنف الكاتب (داربوش شايغان) ناقشت فيه الهوية برؤية ثقافية ترى أن هذا المفهوم قد مرّ بمراحل تاريخية متنوعة فانتزعت منه مصطلحات متنوعة منها (روح العصر) في أوربا بينما في العالم العربي ظهر مصطلح( القومية العربية) الذي أُريد به هوية جمعية قسرية تتصدى مع مفهوم روح العصر الألماني. (ص236) وكان من تداعيات القومية ــ في رأي ـــ هو تمزيق باقي الهويات وإقصاءها والعراق انموذجاً لهذه التجربة في ظل النظام الشمولي الذي قاده حزب البعث في تلك المرحلة وهذا النظام ختار الهوية القومية واجهة له ؛ ليخفي دكتاتوريته لكن بعد التحول السياسي تمزقت الهوية القومية لكننا لم نحظَ بهوية عراقية جامعة لكلّ التنوعات الاجتماعية في العراق بسبب سطوة الاسلام السياسي الذي ضيق الهوية على العراقي فصار الأخير يحتفظ بهويته الفرعية الصغيرة التابعة للدين والطائفة والمذهب والقبيلة.
تختم الكاتبة رأيها في الهوية (إن العصر القادم هو عصر اللاهوية باستثناء عناصر الهوية المعزّزة للمشاركات الإنسانية)ص 236 .قد تنطبق هذه الرؤيا الاستشرافية على الدول التي تحررت من رثارثة الايديولوجيا ومن الزعم القائل إن الدين أحد عناصر الهوية لنصل إلى عصر اللاهوية . كذلك كان للمؤلفة والمترجمة آراء بموضوعات (في التعليم) و(في الترجمة) و(في استذكار شخصيات ثقافية عراقية) وكان قلمها منيراً لعتمة الثقافية والفكر في العالم العربي