أستاذ “جُوجِلِيّ”
سجى مشعل | القدس العربية المحتلة
مُصطلح غريب ربّما للوهلة الأولى، لكنّما هو تعبير عمّا يفعله بعض الأساتذة والأستاذات في المدارس أو حتّى الجامعات، فهذا التّعبير ما هو إلّا شِيمة مَن يَصُبّ العلم صبًّا في عقول طلبته، ويطلب منهم فقط أن يحفظوا ما يتَلَقّونه دونما تحليل، أو إدراك، أو حتّى دِراية، ويظنّ بأنّ عقول الطّلبة حواسيب تتلقّى ما يُرمى في جوفها، وعلى صفحات برامجها، وإن كان يدلّ هذا الأمر على شيء فإنّما يدلّ على قصور عند المعلّم في فهم أهميّة المنظومة التّعليميّة ودورها بالغ الأهميّة أيضًا في بناء الأجيال!، فلا بُدّ من أنّه لا يدري بأنّ الطّالب مِحور العمليّة التّعليميّة في عصرنا الحديث، ومع كلّ هذا الانفتاح على الحضارات والأفكار الّتي تُقِرّ وتُصِرّ على دور الفرد في التّقدّم، فَكون المعلّم هو المُلقي لِكَمّ هائل من المعلومات دون مُعالجتها، أو حتّى ترجمتها، وتفكيكها، وتحليلها إلى مكوّنات وعناصر أصغر للتّعلّم عند الفرد، ومن أجل تسهيل فهمه فهو لم يفعل شيئًا جديدًا عمّا يفعله جوجل في تَكديس المعلومات وابتلاعها، غيرَ شيء واحد أَلَا وهو زيادة الأعباء على الطّالب، وزيادة الأحمال فوق كاهلِه وكاهلِ دماغه في الحفظ واستهلاك طاقاته في ذلك، فالمُعلّم ومن دوره المعرفيّ وواجبه المهنيّ عليه أن يُهوّن على الطّالب لا أن يُنفّره من التّعلّم، وخاصّة بأنّنا في عصر السّرعة، وانعدام الرّغبة في التّعلّم، والسّعي وراء الحُلول السّريعة.
والواجب ذكره الآن بأنّ المعلّم غير القادر على تحويل معلوماته، ومعلومات مادّته إلى معارف، من خلال ربطها ببعضها من جهة ومن ثمّ ربطها بالحياة من جهة أخرى فلا طائل منه ولا من تعليمه، في الواقع أذكُر في عامي الجامعيّ الثّاني بأنّه قد كان هناك أستاذٌ لي _كَرّم الله وجهه، وأمَدّه بطُول العطاء، والخير الوفير، والصّحة_ قد شرح لنا مادّة من أصعب موادّ التّخصّص تتناول الحديث عن الأدب الجاهليّ والحياة الجاهليّة، وعن ألفاظهم الصّعبة، وأفكارهم وأشكال حياتهم، وعن الشّعر ومراحل نضجه وقوّته، وعن المُعلّقات وغيرها، فكان قد عرض مادّتنا المطلوبة وعلى مدار الفصل التّعليميّ بشكل سلس على الرّغم من صعوبة المادّة، وكان دومًا ما يعتمد ويرتكز داخل الدّرس على الطّالب كونه محورًا لهذه العمليّة، والتّأكيد على أهميّة وجود وحضور الطّالب جسدًا، وعقلًا، وفِكرًا، ونقاشًا، ومن خلال شخصيّة الطّالب الثّقافيّة الّتي كان يسمح هذا الأستاذ له ببنائها، وتكوّنها. فَهذا مثال بسيط، فكلّ الشّكر لِمَن علّمني يومًا حرفًا، فإنّي شاكرةٌ لكلّ مَن ساهم في بناء شخصيّتي العلميّة، لكنّي ضربت هذا المثال تأكيدًا وتوطيدًا للفكرة الّتي أطرحها، وللتّأكيد على دور المعلّم في بناء المعرفة أو هدمها لدى الطّالب بِصفته مُتلقّيًا.
فَلماذا أنظمتنا الدّراسيّة دومًا ما تعتمدُ على فكرة الحَشو والجَوْجَلة، دون السّعي وراء بناء شخصيّة علميّة للطّالب؟، أم أنّ هذا مَردُّه إلى أنّنا وبصفتنا دول عالم ثالث نحبّ أن نبقى في الصّفوف الخلفيّة ونرغب بأنْ نستيقظَ في بُقع الظّلام؟، أمْ أنّنا أقلّ حِيلة من السّعي وراء فكرة التّحرّر وإطلاق الطّاقات؛ وذلك لِعدم إيماننا “مثلًا أو فَرَضًا” بِقلّة شأنِ الفرد في التّحرّر من خلال العلم؟، أو حتّى إنطلاقًا من عدم وعيِنا بالمبدأ الّذي يُفضي إلى أنّ العلم والثّقافة هما وسيلتا تحرّرٍ لا تقِلّان أهمّيّة عن المحاربة بالسّلاح؟!