الطريق الوعر.. مقطع من رواية قيد الكتابة (4)

محمد حسين | كاتب فلسطيني – سوريا

الجامعة تعجُ بحركة غير اعتيادية هذا النهار ، الطلاب منتشرون في كل زاوية يترقبون تعليق نتائج امتحاناتهم على أجدر الجامعة ، حركات أيديهم ، وجوههم أرتسمت عليها علامات القلق ، عيونهم متسمرة باتجاه واحد ، أصواتهم تكسرها خيوط الشَّمس الصباحية ، الكل بانتظار الورقة التى ستحدد مستقبلهم هذا العام ، الوقت بدا كحنفية ماء مقطوعة أمام جوف ظمآن ينتظر تدفق الماء ، صفاء .. نور .. خالد .. محمود ..سعيد.. يفترشون الأرض يجلسون تحت ظل شجرة غادرتها أوراقها في خريف عاصف ولم يزرها الربيع منذ سنين، لأن نادل الجامعة أغلق أنبوب الماء ومضى يغازل عطر فتاة مزقت كتبها فوق طاولة الملهى الليلي .
صفاء؛ يبدو هذه الشجرة قد تعرضت لخيانة افقدتها القدرة على التكيف مع الريح ،
خالد؛ أصعب شيء عندما يخونك جسدك وأنت تحاول الصعود على أدراج الحياة ،
نور؛ انظروا إلى أنبوب الماء أنه مغلق كالحوت الذي أطبق فكيه على سيدنا يونس لسنوات لكنه آكل من جوفه واستمر بالحياة لكن هذه الشجرة يبدو أنها استسلمت للواقع ،
محمود؛ لنفتح هذا الأنبوب ونرى ، فتح سعيد الأنبوب تدفق الماء بغزارة ، فتحت الشجرة فمها على مصرعيه غبت الماء بشراهة ، أغصانها بدأت تتمايل طربا .
صفاء؛ لقد عادت الروح لهذه الشجرة فرب صدفة في المكان والزمان المناسبين تصنع لك مستقبلاً.
سادت فوضى في ساحة الجامعة الكل يركض في مختلف الاتجاهات، أدراج المباني في الجامعة تئن تحت ضربات الأقدام المسرعة ،
نور؛ لقد بدأوا بوضع قوائم الأسماء ، اذا نجحت سوف ادعوكم لتناول الغداء في مطعم راقي بحي الصالحيه ،
صفاء؛ لماذا مطعم راقي بحي الصالحيه وهناك مطاعم شعبية في المخيم ؟
خالد؛ أجل نذهب إلى المخيم وبعد ذلك نحتسي القهوة في منزل صفاء.
صفاء؛ انا لا أحب أسلوب الشخص الذي يفرض نفسه على الآخرين ،
خالد؛ انا لا افرض نفسي لكني أقترح ذلك ،
محمود المنحدر من اسرة ثرية بعض الشىء والذي يسكن في منطقة المزه يرحب بالفكره لنذهب إلى المطعم بحي الصالحيه.
سعيد ؛ انا ليس لدي مشكله في المكان المهم ان نطمئن على نتائجنا ،
صفاء؛ سأبقى هنا جالسه لأنني لا أخشى على نجاحي هناك أزمة غير طبيعية وقد نحتاج وقتاً طويلاً لمعرفة النتائج ، ليس لدينا خيار سوى أرسال سعيد فهو ضخم والطلاب يخافون منه ،
سعيد ؛ موافق سأبذل قصارى جهدي ،
ذهب سعيد إلى الأقسام المختلفه ، الكل في حالة انتظار، يفركون اصابعهم فرقعات عظامها كانت تشكل نوتة هجرها عازفها عندما رقصت عانية على انغامها ، اعينهم تموج باتجاة واحد نحو الطريق الذي سيسلكه سعيد ،
صفاء بدت هادئة جداً كفجرٍ خرج للتو من عباءة ليله ،
نور؛ احسدك على هدوئك.
صفاء؛( واثق الخطوة يمشي ملكاً)
محمود؛ انت مجتهدة يا صفاء ،
صفاء: الواقع أحيانا يصنع أناس مختلفين.
محمود؛ ليتني أعرف فلسفتك بالحياة،
صفاء: الواقع أكبر فلسفة بالوجود ،
سعيد من فرحه بدا يركض كالغزال رغم ضخامته.. لقد نجحنا.. لقد نجحنا جميعنا..لكن صفاء نجحت بتفوق.
نور؛ هيا بنا إلى السيارة للننطلق إلى المطعم لقد وعدتكم بالغداء . يخرج الجميع فرحا يصعدوا إلى السَيارة ، تنطلق نور مسرعة تشعل المسجلة تصدح الأغاني ، عجلات السَيارة تلوك لسان الشوارع من سرعتها ،
صفاء؛ تمهلي يا نور لا نريد حادث يُحولُ فرحتنا إلى حزن ،
ما انتهت صفاء من حديثها حتى كانت نور تصدم سيارة من الخلف .
ترجلت نور من سيارتها لحق بها الجميع ، ترجل رجل ستيني من سيارته ، نور؛ أنا اسفه جداً هل أصابك شيئاً .
الرجل ؛ لا
نور ؛ الحمد لله على سلامتك ،
شرطي المرور يهرع إلى المكان ،
اعطني أوراق السَيارة ورخصة القيادة ، لم تكن نور تحمل رخصة قيادة بعد ، سعيد مد يده واعطاه رخصة القيادة ،
شرطي المرور ؛ من كان يقود السيارة ،
سعيد ؛ أنا من كان يقود .
حالة من الصمت تسود الجميع حتى الرجل الذي صدمت سيارته بقى صامتا .
صاحب السيارة ؛ أنا لا أريد شيئاً ، اسمعي يا أبنتي اعتني بهذا الشاب فإنه يحبك ، وقعت هذه الكلمة كالصاعقة على وجه نور، نظر اليها سعيد بادلها ابتسامة خجولة ، محمود بدا ممتعضا من كلام الرجل ،
نور ؛ أنت يا محمود تحمل رخصة قيادة لماذا لم تبرزها لشرطي المرور .؟ صمت سيطر على محمود لم يعرف بماذا يرد ،
صفاء؛ الحمد لله على السلامة ، يجب ان تعلمي يا نور أن الصداقة والحب تضحية وليس كلام جميل فقط.
صعد الجميع إلى السيارة وانطلقوا ، وصلوا إلى مطعم يسمى الأمراء ، دخل الجميع ، جلسوا بدت صفاء تراقب كل شيء بداخله ، هى لا تعرف من هذه المنطقة غير أسمها ، هذا حيّ راقي وفيه محلات تجلب أحدث موديلات الألبسة ،
يتقدم نادل المطعم ،
مرحبا يا نور .
نور ؛ أهلا وسهلا .
يقدم النادل لنور قائمة الطعام ، يبدو أنها من زوار المطعم لأنَّ النَّادل يعرفها جيداً ، تطلب نور بعضاً من الأطباق المتنوعة من الطعام إضافة إلى الشراب ،
نور؛ هذا المكان له ذكرى محببة إلى قلبي ، كان اول لقاء حميمي لي مع شخص كنت أعتقد أنه سيكون شريك حياتي ويبدو أن نفس المكان سينهي هذا الاعتقاد ،
محمود؛ هناك ظروف يجب أن تقدر لكل إنسان يا نور..
نور؛ أجل لكن في المواقف لاتوجد ظروف اما تكون او لا تكون..
سعيد؛ صدقتي يا نور الإنسان موقف..
فجأة يتقدم رجل في منتصف الأربعينات إلى الطاولة الذي يجلسون عليها ، يلقي التحية ، مرحبا يا شباب ، نور .. هذه مفاجئة من العيار الثقيل ، اهلا وسهلا يا والدي ، ماذا تفعل هنا ؟
باسل؛ لقد دعاني بعض الأصدقاء لأتناول الغداء معهم..
نور: اعرفك خالد… محمود… سعيد … صفاء… زملائي في الجامعة.
صافح باسل الجميع لكنه صافح صفاء بحرارة وحدق بها ملياً.
نور؛ نحن هنا يبدو أن صفاء ستخطف أجواء الجلسة.
باسل؛ صفاء تمتلك من الجاذبية الكثير وفقك الله.
هل تسمحون لي بالجلوس معكم..
الجميع؛ أجل
باسل سأعتذر من اصدقائي..
صفاء؛ يبدو أن والدك يانور صغير بالعمر ..
نور؛ أجل لقد تزوج أمي التى تحمل نفس أسمك (صفاء )رحمها الله وهو في عمر السابعة عشر .
عاد باسل بعد أن أعتذر من أصدقاءه وقد جلس في الكرسي المقابل لصفاء وبدأ يتظاهر باحتساء الطعام ويسرق النظر خلسة إلى وجه صفاء التى كانت تراقب نظراته لكنها تجاهلتها.
صفاء تأكل بصورة آلية مرتبكه من وجودها بين مجهولين احست ان الجميع يراقبها ، زبائن المطعم كانوا من الرواد المعتادين ، كان أغلبهم يذهب ويدخل ويلقي التحية على صاحبة المطعم الذي يبدو عليها علامات سيدات رجال الأعمال ، ينادون على النادل باسمه وهو كذلك يحفظ معظم أسماءهم ، كانت صفاء تجهل أي طبقة ينتمون هؤلاء الناس خيّل لها وهى تدخل إلى المطعم أنهّ عبارة عن حانة من الأبتذال حيث راودتها فكرة الخروج منه ، كان ديكوره يوحي بأشياء لم تعتد مشاهدتها من قبل ، الطاولات غطت بورق فضي لامع ، نظرت صفاء إلى قائمة الطعام انتابها نوع من الدهشة لأنَّ اسعاره كانت أغلى بكثير من أسعار المطاعم الموجوده بالمخيم ، كان الكلّ يأكل في صمت وبعضهم وهو يقرأ الجريدة اليومية ، كان الصمت مطلقا إلى حد ترددت معه صفاء أن تطلب من النادل أن يرشدها على مكان (التواليت) ، بعد ان انتهى الجميع من تناول الطعام حضر النادل وبدا يجمع ما تبقى منه ويرمي به إلى سلة المهملات ، صفاء تنظر بذهول إلى هذا العمل ، يا إلهي هذا الطعام الزائد يكفي لأطعام أسر بأكملها هى بأمس الحاجة له ، بدأ البعض بالخروج من المطعم ،
نور؛ لنذهب
خالد؛ هيا لقد تاخرنا قليلا ،
محمود لم تتحرك شفاهه مطلقاً بقيه صامتاً طيلة الوقت ،
باسل؛ ساغادر لدي موعد عمل فرصة سعيدة انتبهي على صديقتك جيداً يا نور ربما الأيام القادمة تحمل شيئاً جميلاً .صفاء التى تتمتع بسرعة البديهة فهمت أن هذه رسالة لها لكنها لم تعطيها أي اهتمام .
هم الجميع بالخروج أثناء ذلك وقع نظر صفاء على ورقة فيها إعلان ، سهرة مع الفنان …. الساعة الثانية حتى الساعة السادسة صباحاً مع الراقصة…. استشاطت غضبا لكنَّها لم تظهر ذلك لأحد ،
نور ؛ هناك حفلة الليله في المطعم هل سترافقونني لحضورها ؟
محمود ؛ أجل انا جاهز ، تجاهلت نور موافقته ،
خالد ؛ لا شكرا أنا لا تروق لي مثل هذه الأجواء.
صفاء: لا شكرا، صمتت فكرت في ردِ خالد وقالت في سرها ؛ أعتقد أنه يشبهني.
سعيد: اذا استطعت ان أتخلص من عملي في مكتب المقاولات سأحضر ،
نور ؛ حاول يا سعيد ،
كانت هذه إشارة لمحمود أن يبتعد عنها .
خالد يبدو أن صفاء قريبة جداً مني، حدق بها تاملها كأنه يلحظها أول مرة وقعت عينيه بعينيها شيء ما راقص قلبه ، تساءل؛ معقول لما لا كلُ شيء فيها جميل والأجمل عقلها المتمرد على كل شيء ،
صفاء بادلتهُ
نفس النظرةُ ، وحدَثت نفسها هل أفكر بهذه الأشياء الآن أخشى على دراستي الكلُّ ينتظرني في البيت لأكون اليد الأخرى التى ستساعدهم ، خالد؛ انا معجب بك يا صفاء ،
صفاء : بدت مندهشة وقد ظهر عليها علامات الخجل لكنها تداركت هذا الموقف بسرعة وردت عليه بسرعة وأنا كذلك يا خالد لكن…
خالد ؛ اعلم مابعد ذلك ، لا تقلقي كل شيء سيكون على مايرام…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى