أدب

صابرة

قصة قصيرة

بقلم: طارق محمد حامد

في مجتمع ريفي نشأت صابره في بيت عائلة يتكافل أفرادها ويتكاملون في كسب عيشهم ؛ فأحدهم يباشر زراعة الأرض و آخر يعمل علي معدية أنفار من القرية إلي العزبة عبر النيل فرع رشيد أو البحر كما يطلق عليه أهل القرية و آخر مسافر خارج البلاد وكل فرد من هذه العائلة يسكن هو و زوجته وأولاده في حجرة من حجرات البيت وبالطبع الذي يسافر خارج البلاد يتميز علي سائر إخوانه بالسكن في المقعد وهو غرفة فوق السطح يتنسم فيه الهواء العليل في قيظ الصيف اللاهب، أما الزوجات فيقومون علي خدمة أزواجهن وأبنائهن من إعداد الطعام وجلب الماء العذب من مصدره بالأواني الفخارية الثقيلة وفي أحيان كثيرة يتناوبن هن والبنات في ذلك وكذلك في إرسال الغذاء إلي الرجال في الغيط أو الحقل .
وحياة كهذه فيها من الغلظة والشدة علي الأطفال الصغار ما لا يخفي علي أحد فضلا عن اضطهاد البنات من قبل الأب الذي تزوج أرملة أخيه المتوفي وأنجب صابرة منها فكانت صابرة ابنة صابرة.
شبت وترعرت صابرة وصادفها حظ عاثر في التعليم تماما مثل حياتها، فلم توفق في الثانوية العامة مرتين رغم ذكائها المتقد وكان ذلك بسبب مرض أقرب للنفسي ألم بها وبشق النفس اجتازت هذه المرحلة وتخرجت من الجامعة.
تقدم لخطبتها والزواج منها صديق أخيها، كان حاصلا علي ماجستير في العلوم الزراعية وأحبها حبا شديد ومن جانبها أحبته هي الأخري حبا شديدا و تزوجا برغم عزوفها عن الزواج بسبب المشاكل الأسرية التي عاشتها و تجرعت مرارتها و لكنها أملت أن يعوضها زوجها خيرا عن كل ما لاقته من عنت و ظلم في حياتها ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقابلت ظلما من نوع آخر وهو ظلم الحموات وسحرهن ليصرفن زوجها عنها و عن حبها وقد كان، فبدلا من أن يأخذ لها زوجها شقة في مدينة مرموقة قريبة من عملها في الجامعة التي تقوم بتحضير رسالة الماجستير بها أخذها في مدينة نائية وغير آهلة بالسكان فكانت تتكبد عناء شديدا في المواصلات بين الجامعة حيث مقر عملها وبين شقة زوجها ثم ما لبث زوجها أن استأجر شقة قريبة من عملها و لكن كان هو بعيدا حيث يباشر أرضه التي استبدلها بالبكالوريوس فكانت في وادي النطرون وكان يتغيب عن بيته بالأيام ذوات العدد ويترك زوجته وأولاده فلاقوا من ذلك مشقة وعنتا شديدا و لاقوا من شظف العيش ما لا يتحمله إنسان.
مرت هذه الفترة كأنها دهرا من الزمن ليله طويل و نهاره قاس ومرعب انتهت بفصلها من عملها بتآمر من بعض زملائها الحاقدين ووشايتهم بعد حصولها علي الماجستير بوقت قصير و لما ضحكت لهم الأقدار و فتح الله علي زوجها من أبواب الرزق الوفير اشتري لهم شقة في الأسكندرية و أثثها أيما أثاث لكي يعوض علي زوجته التي ظلمت طيلة حياتها وتحملت ما لا يتحمله بشر فضلا عن أنها أنثي ضعيفة ومتكسرة الأجنحة خاصة بعد وفاة أمها الداعم الأساسي لها وصاحبة الفضل في تربيتها وصقل شخصيتها وصبرها ومصابرتها وكذلك لكي يعوض أولاده الصغار عن الفترة السالفة الذكر، ويا لفاجعة القدر، في يوم من الأيام انتظرها زوجها علي الطريق الصحراوي القادم من الإسكندرية ليذهبا هما وأولادهما إلي القرية الزراعية التي بها أرض زوجها وهم في السيارة متوجهين إلي القرية وكانت السيارة مسرعة فقد زوجها السيطرة علي المكابح فانقلبت السيارة عدة مرات توفي زوجها في الحال وأصيبت هي ونقلت هي وولديها إلي مستشفي الطوارئ وكان المصاب الآخر بتر ساقها فكان المصاب مصابين؛ فقدان زوجها عمود خيمة عمرها وفقدان ساقها عماد حركة حياتها.
لما أفاقت وعلمت بمصابيها همست في أذن من حولها، وتنهدت ثم قالـت: إنهُ إبتـلاء من الله ليرى ما في قلبـي من صبر، فإذا رضيت رضىَ عني .. وقد رَضيت

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى