حكايا من القرايا.. ” أيام العجوة “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

أيام قفافير العجوة، عندما كان فطور الناس من زنبيل العجوة، وغداؤهم وعشاؤهم، يقطعون من القفّورة قدر لقمة من العجوة، ينظفونها من القش، وما هاجمها من خارجين على مملكة القفورة… كانت العجوة – ولله الحمد- رخيصة الثمن… بل رخيصة جداً، تأتينا هدايا من العراق… عراق الخير والتمور…
أيامها كان الفقر ضارباً أطنابه، لكن الاقتصاد المنزلي، والتدبير ساعد الناس في عيشهم، فكانوا يقولون ” نتحايل على الحياة محايلة… لنعيش ” أكلوا مما اقتنوه في قاع الدار من الصيصان البلدية، والبيض البلدي، وتفقدوا مواكير الأرانب، والله يطرح البركة، الأرنبة كانت تخلف أعداداً وعلى مدار العام… ذبحوا الأرانب وسلخوا جلدها وراحت صواني في الطابون… والزغاليل وما أدراك ما الزغاليل، كانوا ينتظرون الزغاليل حتى “تنفج” ويطبخونها مع الفريكة… ما شاء الله… واللبن والجبنة مؤمنة من المانوحة، والحليب يخضع لمقارظة الجارات، حتى تؤمن دحابير اللبنة…
كنت تنظر على ظهر النمليّة فترى ألواناً فسيفسائية… مرطباناً من الجبنة البيضاء، وآخر من اللبنة المغموسة بالزيت التبريّ الأصفر… وثالثاً فيه الزيتون الأخضر… وميّة البندورة الحمراء… مية البندورة البيتية، التي فُغصت، وصُفيت، وغلت على نار الموقدة، حتى أصبحت كالمعجون… آه على مية البندورة مدهونة على رغيف طابوني ساخن…
لم يكن هناك وسائل اتصال إلا المكاتيب والبرقيات _ البرقية الله يكافينا شرها – كانت لأخبار السوء… يتحلقون حول الراديو لسماع أغاني سميرة توفيق وحديد الجسر يتكسر تحت قدميها، ويسمعون سلوى تغني بين الدوالي والكرم العالي… وفي زمن متقدم ينتظرون رسائل أبنائهم وذويهم تخبرهم بها كوثر النشاشيبي… وكل أحد يستمعون لبرنامج ” سفينة نوح ” بطولة أبو طافش… ليضحكوا، ويتحدثوا في اليوم التالي عن أحداث البرنامج الفكاهي… ياه! كانوا بسطاء كماءٍ جارٍ، تخاصم أبو إبراهيم، وأبو العبد، إثر نشرة أخبار هل يقول الراديو “لُندن أم لَندن؟” وكادت تتحول المخاصمة إلى قطيعة نتيجة سوء الفهم… وتحدثوا بالسياسة، فمنهم من تحزب لروسيا، ومنهم من كان ضدها… لكن جمال عبد الناصر كان مثلهم الأعلى في الزعامة والخير والتضحية… فكانوا يجددون “بطاريات الراديو” ” حجارة الراديو؛ ليسمعوا خطابه الذي ينتظرونه أياماً…
ألعابهم كانت بسيطة أيضاً، ففي السهول والجبال يلعبون ” الكيازا ” والسباق، والسبع حجارة، وكان للمباطحة شأواً عظيماً، فكانوا ينظمون لها المسابقات، ويعلنون البطولة، ويأتي أحدهم من بلد إلى آخر للمنافسة وكسب اللقب… وفي الدور وفي سهراتهم يلعبون”الصينية” والسيجة والمنقلة… وأطفالهم يشغلون أنفسهم بالدواحل، وكرات القماش إن لم يجدوا كرات البلاستيك… وفي صيد العصافير…
حياة دون تعقيدات… دون هموم… كانت حلوة… نحنّ إليها رغم الفقر المدوي، والجهل العام الطام، وقلة المعارف…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى