يُحكــــــى أنَّ (6)

 سليمان دَغَش | فلسطين

يُحكى أنَّ الكِنعانِيَّةَ “جَفرا” بَلَغَتْ حَدَّ الأُسطورَةِ مُنذُ وِلادَتِها

ما بَينَ البَحرِ وَبَينَ النَّهرِ

وجَفرا يَعشَقُها البَحرُ إلى آخِرِها في آخِرِهِ وَتُداعِبُ قَدَمَيها

أوركِسترا المَوجِ على ايقاعٍ شَرقِيِّ النَّغَماتِ يُراوِدُ

سُرَّتَها العَذراءَ على شاطئِ يافا

وَيَحِنُّ النَّهرُ وَيَبكي وَجَعاً يَعزِفُهُ الماءُ خَريراً في الناياتِ على طولِ المَجرى

 لِيُعَمِّدَها بمياهٍ قدَّسَها السَّيّدُ ذاتَ تَجَلٍّ قُدُسيٍّ فَوقَ الماءِ

وَيُحكى أنَّ الكِنعانِيَّةَ جفرا كانتْ تتشَمَّسُ كُلَّ صباحٍ

فوقَ الرَّملِ الذَّهَبِيِّ يُدَغدِغُ ساقَيها النّاعِمَتَينِ على مدِّ الشاطئِ

من حيفا حتّى يافا

وَتُداعِبُ غُرَّتَها نَسَماتُ الكَرمِلِ في الأعلى

لا مشطَ لَدَيها إلّا كفُّ الريحِ تَمُرُّ على وَجهِ البَحرِ فَتندى

ثَمَّةَ سِربُ فراشاتٍ يَجتازُ البَحرَ عُلوّاً أهداها تاجاً مَلَكِيّاً

ما عَرَفتْ مِثلَهُ لا بَلقيسُ ولا كليوباترا

جَفرا لؤلؤةُ البَحرِ وَسَيِّدَةُ الأرضِ وأجمَلُ أيقوناتِ الخَلقِ

على بُعدِ صلاةِ الفَجرِ وأدنى من بابِ الجَنَّةْ

يُحكى أنَّ الجَنَّةَ تُشبِهُ جَفرا، لو شاءَ أحدُكمْ أنْ يَكتَشِفَ الجَنَّةَ

فليَنظُرْ في عَينَيها الزّرقاوَينِ ففي الزُّرقَةِ سِرُّ الكَونِ

وَسِحرُ النونِ على أيقونَةِ سُرَّتِها العَذراء كَنَجمٍ يوشِكُ أنْ يَتَعَرّى

جَفرا شَمسٌ تَتَشَمَّسُ في مِحرابِ مَجَرَّتِها، مَرَّ على شاطِئِها

كُلُّ طُغاةِ الأرضِ وكُلُّ لصوصِ التاريخِ الأفّاقين ولمْ تَستَسلِمْ يوماً

للطاغوتِ وظَلَّتْ عَذراءَ كمِريَم، هل كانَ لأنثى إلّا مِريم

أنْ تَلِدَ القِدّيسَ النّصراوِيَّ وتَبقى عَذرا؟!

يُحكى أنَّ الطاغوتَ الأكبَرَ جاءَ على ظَهرِ حِمارٍ أبيَضَ في الأسطورَةِ

ما زالَ على شاطِئِها بينَ البَحرِ وبَينَ النَّهرِ يُحاوِلُ أنْ يَقتُلها المرَّةَ تِلوَ المَرَّةِ

لكِنَّ الكنعانيَّةَ تَنهَضُ منْ تَحتِ الأنقاضِ، تَمدُّ جَناحيها بَينَ الماءَينِ وَتحيا

دَخَلتْ جَفرا الأسطورَةَ منْ أوَّلِها، كَتَبَتها بدَم الشُّهداءِ ودَمعَةِ ثكلى

ما كانتْ جَفرا الأسطورَةَ يوماً

كانتْ وَطَناً يَختَزِلُ على الأرضِ سماءَ الجَنّةْ

يُحكـــــى أنَّ…..