شذرة من بيان القرآن (بلسان عربيّ)
محمد موسى العويسات ـ القدس
لماذ استخدم القرآن لفظة (اللّسان) ولم يستخدم لفظة (اللّغة)؟
اللّسان في لغة العرب هو جارحة الكلام أي هو آلته، وقد أطلقته العرب على أمور كثيرة منها: الكلمة، واشتقوا منه الإلسان وهو إبلاغ الرّسالة، وسموا الفصاحة اللَسَن، ورجل لَسِن إذا كان ذا بيان وفصاحة، وفي حديث عمر رضي الله عنه، وذكر امرأة فقال: “إن دخلت عليك لَسَنتك أي أخذتك بلسانها”، وصفها بالسّلاطة.
أمّا اللّغة فهي من لغا لغوًا أو لغة أي لغوة: حذفت الواو وعوّض عنها بالتاء، ولغا بمعنى تكلّم كلاما لا يُعتدّ به، قال تعالى: “لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم” أي الأيمان التي لا ينعقد عليها القلب، أو لا يحصل منه فائدة، ويطلق على الكلام الباطل، قال تعالى: ” وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما”، واللّغة: أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم (كذا عرّفها ابن جنّيّ)، قال ابن الأعرابيّ: اللّغة أخذت من هذا (أي من الميل عن الشّيء)؛ لأنّ هؤلاء تكلّموا بكلام ما مالوا فيه عن لغة هؤلاء الآخرين. فاللغة إذن هي النّطق .
وبالنظر في معنى الكلمتين (اللّغة واللّسان) ودلالاتهما المختلفة نجد أنّ القرآن قد اختار أجمل اللّفظين دلالة واستعمالا في التّعبير عن لغة القرآن، فقال تعالى: ” وهذا كتاب مصدّق لسانًا عربيًا”، “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه”، ” وهذا لسان عربيّ مبين” وغيرها من الآيات التي وصفت لغة القرآن بأنّها عربيّة مُبينة، فإطلاق كلمة لسان على اللّغة هو إطلاق مجازيّ، والعرب تطلق على الشيء اسم آلته أو السّبب فيه، وقد اتخذ اللّسان في عرف العرب اللّغويّ دلالات جميلة تدلّ على الفصاحة والبيان، وعلى العكس من ذلك كان لفظ اللّغة الذي أصله (لغو) الذي يعني الميل أو الكلام الذي لا فائدة فيها أو لا يعقد عليه أمر، وقد يطلق على أصوات الطّيور والبهائم، فقد أطلقوا على صوت (القطا) لَغوى القطا، فهذا والله أعلم هو السّرّ في اختيار القرآن للفظ اللّسان لا اللّغة. وهذا التّفريق خاصّ بالقرآن، ولا يشترط في لغة النّاس أن يفرّقوا في استخدامهم بين لغة ولسان إلا من باب من طلب الفصاحة والبيان. فقد أجمعت العلماء والأدباء على استخدام لفظة اللّغة لتدلّ على اللّسان فهي الأصل والحقيقة اللغويّة؛ وأمّا اللّسان فمجاز.
وقد ورد ذكر اللسان في القرآن بمعنى اللّغة ثلاث مرّات، في ثلاث حالات إعرابية هي: الرّفع والنّصب والجرّ، وهذه هي الحالات الأصليّة في لغة العرب، والمتعلّقة بالاسم، الذي هو أصل الكلام، ولا يعدّ هذا صدفة، فقال تعالى: ” وهذا كتابٌ مصدّقٌ لسانًا عربيًا”(12الأحقاف)، “وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه” (4إبراهيم)، ” وهذا لسان عربيٌّ مبينٌ” (الشعراء 195)