المثقف والمسوخ

جيلالي بن عبيدة | الجزائر

 

في البدء لا بدّ من الخوض بتعريف المثقف، حيث وجدنا أنّ له تعريفين: تعريف من خلال المفهوم اللغوي، وآخر اصطلاحي، فالمثقف كما جاء في قواميس اللغة العربية هو (المُثقَّف: اسم المفعول المشتق من الفعل ثَقَّفَ، ومعناه الرجل المثقف: الرجل المتعلم، أو من له معرفة بالمعارف. أما اسم الفاعل المشتق من الفعل ثَقَّفَ، ومعناه مثقف الأجيال: معلّم الأجيال، مهذّبها، مربّيها).

والمثقف بحسب المفهوم الاصطلاحي: هو ناقد اجتماعي، مهمته أن يحدد، يحلل، ويعمل على تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ مجتمعه النظام الاجتماعي الأفضل، الذي يكون أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية، فهو وحده الممثل للقوى المحركة اجتماعياً، ووحده من يمتلك القدرة على تطوير المجتمع، وبالتالي تطوير أفكاره ومفاهيمه الضرورية. المثقف وصْفٌ لا يقتصر فقط على العاملين في مجال الإبداع، وإنما يشتمل على مجالات الفكر والمعرفة كافة،

تعيش الجزائر تحوّلات سياسية واجتماعية واقتصادية، زلزلت بنيات شتى، وكشفت عن توجهات سياسية تسلطية، مما جعل من المثقّفين، والطبقة التنويرية، بل وحتى العامة، تنقاد نحو عولمة الثقافة وتدخل في صراع داخلي وخارجي.. هذه التحولات أدت بالمثقفين الى اختلافات جعلت من المثقف يعيد صياغة رؤاه ومفاهيمه وإعادة دراسة مجتمعه مرة أخرى، وخرج من عزلته مما شكل مشهد ثقافي ايديولوجي بعدة اتجاهات :

فالمثقّف الذي بقي منحازا لوظيفته النقدية؛ ولم ينخرط في الايديولوجيات السياسية، و ظل يجتهد لتغيير الواقع، و ظل يحلم بمجتمع واعي وواقع جديد  .

والمثقّف المهمش الذي يسعى للخروج من قوقعته وتخلى عن كونه ضمير الأمة؛ وراح يلتصق بأصحاب القرار كي يكون مؤثرا، وراح يقنع نفسه بحاجة السلطة الثقافية اليه من أجل مأرب شخصية وأقنع نفسه أنه هو النص والبقية هامش كي يتولى مسؤوليات ثقافية وراح يحبو على ركبتيه من أجل الانتهازية.

والمثقف الذي دخل مستنقع المادة نظرا لاحتياجاته اليومية الى المال من أجل سد حاجياته اليومية فالثقافة ليست مهنة تدر عليك براتب شهري أو محل للتجارة في ظل تراجع شراء الكتب الورقية وعدم اقبال المجتمع على الأعمال الفنية فراح يمد يديه من أجل لقمة العيش

وأمام شعورٍه بالمرارة لعدم اصغاء المجتمع له ضعف واستسلم، وخسر نفسه ولم ينظر للمستقبل لأنه في الأخير سوف ينتصر الفكر والعقل و التاريخ.

أما المثقف السياسي الذي انخرط في الأحزاب والجمعيات السياسية التي من المفروض هو من يؤثر فيها ولا تفقده مصداقيته وبالتالي الانتماء لحزب سياسي لا تفقده قناعته وعقيدته وإن كانت تؤثر في وظيفته النقدية وهو ما يجعله ينحاز لفئته حتى وإن كانت لا تتوافق مع خياراته وقناعاته.

أما المثقف الذي يعيش في أوطان أخرى فأفكاره لا يمكنها أن تؤثر داخل وطنه الأم وأقنع نفسه أن الخارج يفتح له باب الحرية والتفكير و راح يرسم وطن أفلاطوني على كراسته دون أن يراه في أرض الواقع

ومنهم المثقف الوفي لأفكاره ووطنه ومنهم الذي يدافع عن ثقافة لاتتلائم مع مجتمعه و راح يقنع نفسه والآخرين بها رغم العولمة الثقافية لكن بقيت في أدراج عقله هو فقط

آن الأوان أن يضع المثقفون منحى لشتات توجهاتهم لتسود الثقافة الحرة لتؤدي دورها الحقيقي في رسم الأمن الاجتماعي وتكون بذلك حبل النجاة في ظل هذا الصراع داخل المجتمعات بما تحمله من قيم عقلانية وخلقية ووطنية.

أما إذا تكلمنا عن المثقف في ولاية برج بوعريج :يمكننا الاعتراف أن المثقفين في الولاية جلهم هاوٍ فقط إلا بعض الأسماء تعد على الأصابع وكان البعض  لا يثق في إمكانياته الثقافية والأدبية وكانت أقلام محتشمة مازالت تحبو للخروج من قوقعتها الحلزونية و وسائل الاعلام لا تعرف سبيلا إليها ،وكانت تحلم فقط بنشر نص أدبي في صحيفة وطنية أو تستضاف في حصة إذاعية أي كانت أصوات مغمورة  لا يعرفها أي أحد وكانت تحلم بحضور ملتقى أدبي ولائي أو وطني و بعضها تتوسل الي كي أتوسط لها عند الجرائد من أجل نشر نص تدعي أنه أدبي حتى جاءت ندوة أحاديث العشيات الأدبية الشهرية في الفاتح من شهر جانفي ألفين وعشرة التي استضافت كتاب من داخل الوطن و من خارجه تونس سوريا الأردن …..فبدأت تقدم تلك الأصوات للجمهور و لوسائل الإعلام الوطنية و العربية وانتشرت أسماؤهم على أوسع نطاق و بدأوا يحتكون بضيوف الندوة من كتاب وبدأت أحلامهم تكبر وأتذ كر أن هاتفي كان لا يتوقف عن الرنين من طرف البعض من أجل برمجتهم للقراءة في كل عدد من الندوة وأتذكر عند نشر فعاليات الندوة عبر وسائل الإعلام الوطنية و العربية وأنسى عدم ذكر أحد الأسماء في الصباح يهاتفني معاتبا إياي على عدم ذكر اسمه في التغطية الإعلامية وأنا لم أكن يوما أفكر في إقصاء أي كاتب شارك في الندوة؛ بل كانت تسقط الأسماء سهوا بفعل العياء الذي يعتريني قبل و اثناء التحضير للندوة  و أتذكر تلك اللقاءات الحميمية التي يشتاقون لها من أجل الالتقاء بكتاب ضيوف الندوة وربط علاقات شخصية معهم و أنا داخليا كنت أعلمهم الديمقراطية  و حب الأخر و التخلص من الأنانية و لغة الاقصاء وكنت أظن أن تلك الأصوات كانت تتلذذ بالفعل الثقافي لكنها داخليا كانت تتحسر من  ” أحاديث العشيات “إلا أن التقطت عدستهم مثقفا كان يقطن خارج المدينة فالتفت حوله وهي تحلم بيوم آخر  يخلصها من جنة “أحاديث العشيات” التي كانت داخليا تجرحهم مرة باسم الغيرة و مرة باسم الجهوية و مرة باسم العرقية و مرات باسم…و راحت تتنكر “لأحاديث العشيات” وبدأت تصطنع لصاحب ” أحاديث العشيات” المشاكل والعقبات و حتى وصل بهم الأمر إلى اتهامات سياسية حتى تتوقف ” أحاديث العشيات .”

فيا عجبا لمن ربيت طفلا

ألقمه بأطـــــراف البنان

أعلمه الرماية كل يــوم

فلما اشتد ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافيـة هجاني

أعلمه الفتــوة كـل وقت

فلما طر شـاربه جفـاني

جاء ذلك المثقف وبدأ ينشط ثقافيا داخل المدينة فانخرط الكتبة معه زرافات زرافات، وأصبحوا جمهورا عريضا لنشاطاته وهو مثقفا محترفا ومثقفا كبيرا حقيقة ويعرف من أين تؤكل الكتف، ويعرف كيف يبرمجهم حسب رغباته ويأتمرون بأمره كما يشاء وجاء بأشياء كثيرة غابت عني… ربما استفاد من تجربتي التي كانت خاطئة في التعامل مع البعض أعطيتهم أكثر مما يستحقون لأن البعض يعشق أن تركب فوق ظهره كي يستقيم في الطريق وهنا لا أعمم أقصد الفئة الضالة فقط …الذين كانوا ظل ، وصاحب “أحاديث العشيات” من المعجبين بنشاطاته الثقافية ويشجعها لأنها تصنع الفرح بالمدينة لأن الأهم أن المدينة بقيت تحجّ إليها  الوفود من الداخل والخارج وهل هم تحولوا إلى فاعلين ثقافيا أم بقوا مجرد جمهور؟

العبيد فقط يطلبون الحرية و الأحرار يصنعونها ” مارتن توين

صاحب “أحاديث العشيات” تتملكه الصراحة والبساطة والديمقراطية وعشق الإنسان ولا يطلق كلاما فضفاضا  ولا يجيد الاشادة بنصوص لا ترقى لمستوى النشر في صحيفة صفراء و”كم هو جميل أن تكون إنسانا مثليقد تطبع ألف كتاب لكن لن تتحول إلى مبدع”.

“قد تستعمل الحيلة و الانتهازية والوساطات واللصوصية لطبع كتاب و لكن لا يمكنك إقناع نفسك يوما أنك مبدع هل أقنعت نفسك يوما أنك مبدع أم مجرد محروم يبحث عن أشياء ناقصة داخله و شهرة زائفة “

قال سيد قطب: “العبيد هم الذين إذا أعتقوا وأطلقوا حسدوا الأرقاء الباقين في الحظيرة لا الأحرار المطلقي السراح لأن الحرية تخيفهم والكرامة تثقل كواهلهم.. لأن حزام الخدمة في أوساطهم هو شارة الفخر التي يعتزون بها.. ولأن القصب الذي يرصع ثياب الخدمة هو أبهى الأزياء التي يتعشقونها”.

وقال أمل دنقل: “لا تصالح، ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ، والرجال التي ملأتها الشروخ، هؤلاء الذين يحبون طعم الثريد وامتطاء العبيد.. هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم، وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ.. لا تصالح، فليس سوى أن تريد.. أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد، وسواك المسوخ.

لكن هل توقف” أحاديث العشيات” التي تحولت إلى “مجلة الكترونية” أدخلتهم العالمية أم تحولوا من مسوخ إلى سادة و من مفعول به إلى فاعل؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى