عَوْدٌ إلى الجادّة

خضر محجز | مفكّر فلسطيني

قال الشافعي ـ رضي الله عنه: “ولسانُ العرب أوسعُ الألسنةِ مذهباً، وأكثرها ألفاظاً. ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسانٌ غيرُ نبي” (الرسالة. ج1. ص42).

وقد رأيت عالماً كبيراً استخطأ الشافعيَّ أن قال في كتاب الأم: “الماء الملح” وأراده أن يقول: “الماء المالح” فرد عليه صبي فقال:

ـ ألا تقرأ القرآن؟

فقال: ـ بلى.

قال: ـ ألا تقرأ قوله تعالى: هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أُجاج؟

فأسكت العالمُ الكبير.

قلت: لقد ارتقى هذا العالم مرتقى صعباً، إذ صحح لمن كان حجةَ اللغة، في عصور مات فيها كل من يُحتَجّ بقوله.

لهذا أقول: لا يقول في اللغة: “قل ولا تقل”، إلا خبير. وليحذر من الجزم الخبير، فالجزم أداة من قل علمه. ولهذا فلا يُقال في اللغة احتجاجاً بنص واحد، فثمة نصوص أخرى.

وعلى سبيل المثال: إذا قيل في القرآن للمطر “غيثٌ”، فهو مجاز. والقاسم النزول من السماء، في الأولى بالماء، وفي الثانية بالرحمة والغوث.

وإذا قيل في القرآن للعذاب “مطرٌ” فهو مجاز. والقاسم النزول من السماء، في الأولى بالعذاب، وفي الثانية بالماء.

والحاصل: جواز القول لما ينزل من ماء السماء “مطر”، فرغم أن كل ما في القرآن صحيح، إلا أنه لم يلتزم باستيعاب الصحيح.

الدليل: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “لقد رأيتُني مع رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد بنيت بيتاً بيدَيَّ، يُكِنُّني من المطرِ” (صحيح البخاري).

استقيموا يرحمكم الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى