الأنوثة تُباع بالكيلو في الأسواق العربية

الأنوثة تُباع بالكيلو في الأسواق العربية

بعد إن كانت المرأة “الحيط المايل” تاريخياً وتراثياً، اصبحت الآن ايضاً “الحيط الواطي” للأنظمة العربية وحلولها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، إذ تنط هذه الأنظمة من فوق” الحيط الواطي ” بحثاً عن ثغرة تَنفذ منها لكي تُثبت مواقعها وكراسيها وفشلها القيادي .

على أجندة الحكومات العربية أرقام وإحصائيات في جميع المواضيع تفرزها الوزارات المختلفة، وشعوب العالم تعتبر الأرقام و الإحصائيات اشارات حيوية على طريق تطور المجتمعات والإبداع والرقي والنهضة، ورعاية المواطن وتحسين ظروفه وبالتالي شعوره بالأهمية والكرامة ، فهذه الأرقام والاحصائيات إشارات وأدلة دامغة تُعبر عن مدى عمق الأزمة الحضارية والحياتية التي يحيا فيها الإنسان بجميع نواقصها وحرمانها .

في الفترة الأخيرة تطور علم الإحصاء وصعد إلى مجالات بعيدة كانت سابقاً لا أهمية لها، أو كانت تحيا على الهامش والخوض فيها كان نوعا من الترف والفراغ .

من بين هذه الإحصائيات التي فتحت الأبواب على صفحات الصراحة واخترقت الخوف والخجل قضية “العوانس والمطلقات والأرامل في الدول العربية” خاصة في ظل الحروب وظهور الفصائل الإرهابية و الوجوه الداعيشية، والأنظمة السياسية التي تعيش في فوقية بعيدة عن حياة المواطن الذي وجد نفسه في ورطة الجوع والقهر والدمار والخداع .

إن الكشف عن ” أزمات النساء العربيات ” تحول الى اتهام مبطن لحركة المجتمع وللرجل ، إلا أن وجود هذه الظاهرة القى على الحيط الواطي – المراة – ولم تتهم الأنظمة السياسية بذلك .

فأعداد العوانس والمطلقات والأرامل في الدول العربية متباينة حسب الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل دولة ، والإحصائيات عادة لا تشير إلى الأرقام الصحيحة ومشكوك في مصداقيتها ، لأن التغيب ما زال السيد المسيطر في هذه الدول ودائما نجد الحقائق ملفوفة بورق التوت والخداع .

و مع إننا في عصر الإحصائيات، والأرقام هي طبقة الكريما فوق كعكة الدولة التي تتباهى بإنجازاتها عبر توفير أقصى ما يحلمه المواطن، وهناك مباريات ومسابقات غير مرئية بين الدول من يوفر السعادة أكثر لشعبه؟ ومن يمنح المواطن السعادة والتعليم والعلاج والحياة للأجيال القادمة؟ إلا أن أول من بدا يشير الى ظاهرة العنوسة والأرامل من الدول العربية “العراق” إذ الحرب على العراق ما زالت تنهش أعمار الشباب والاقتصاد، عدا عن عدد كبير من الرجال سقطوا في الحروب مخلفين وراءهم زوجات دخلوا في خانات الأرامل، و قتل الآلاف من الشباب الذين كان من الممكن ان يدخلوا “أقفاص” الزواج، وتحولت قضية الأرامل والعوانس إلى ظاهرة أقلقت بعض العراقيين مما حدا ببعضهم الخروج والإعلان عن حل (كل من يتزوج بأرملة أو مطلقة سيدفع له مبلغا من المال) وفتحت اسواق المزايدات لبيع المرأة بالكيلو ، كيلو العانس تختلف عن كيلو الأرملة، وازدهرت تلك الاسواق التي فتحت شهية الاستغلال الذكوري لأزمة الأنوثة التي لوثتها الحرب ولا نعرف إلى أين وصلت الحكومة العراقية في هذا الموضوع الذي لم يتحدث ولم يظهر أرقام المتسولات أو اللواتي سافرن إلى الدول العربية للعمل في مجال الدعارة او خدمة البيوت من اجل لقمة العيش، والطريف أن لا أحد أشار بأصابع الاتهام نحو الحكومة العراقية أو نحو الحكومات السابقة التي أوصلت المرأة إلى حد البيع المزري .أيضاً الحرب على سوريا حيث سقط الآلاف الشباب ومصير المرأة وضع على كفوف العفاريت، عدا عن الهجرة إلى الغرب، كذلك الحرب على اليمن، والحرب على ليبيا.

لا نريد القول إن مسلسل (عايزة اتجوز) الذي عرض سابقاً على الشاشات العربية ،فجر دمل العنوسة هو الذي شجع الحكومات العربية على الاعتراف بقضية العنوسة التي كرت مثل المسبحة، وأخذت أرقام الاحصائيات تأتي من مصر وسوريا والجزائر والمغرب وفلسطين ، بل لأن هذه الدول أصبحت تشعر بمدى تأزم الحالة الاجتماعية نتيجة عدم الزواج، والعنف والقتل جزء من تغلغل اليأس لدى الشباب والشابات.

بعض الدول العربية تطرح أرقاما وإحصائيات العنوسة وتصمت مكتفيةً بالتنهد والتلويح بعدم الأمل ، وبعض الدول تضع رأسها في الرمل وتعتبر الظاهرة مثل باقي الانكسارات التي يعيشونها واعتادوا عليها ومنهم من يريد أن يجد حلا عن طريق الأغراء المالي المدفوع للرجل .

سابقاً أعلنت دولة الكويت أن لديها حوالي ثلاثين ألف عانس(من سن 25 -65 ) وأحد نواب البرلمان الكويتي طلب من كل كويتي ان يتزوج من امرأة ثانية مقابل مبلغ 15 الف دولار ، هذا النائب يريد حل مشكلة العنوسة الكويتية عن طريق دفع الأزواج والآباء بهدم بيوتهم والزواج من امرأة ثانية .

لم تضع أي دولة عربية على اجندتها تحسين ظروف الشباب، من القضاء على البطالة وتوفير أماكن العمل ومحاصرة هجرة الشباب، أن الشباب العربي الذين يهاجرون من أوطانهم ويضيعون في الخارج هم نتاج سياسات بلادهم وفشل هذه السياسات في توفير المستقبل لهم .

ليس للشباب أي دور في نهضة مجتمعاتهم، والحكومات العربية ما تزال حكراً على كبار السن ولم تضخ دم الشباب في عروقها حتى الآن.

إن حل العنوسة في الدول العربية ليس بوضع المرأة في السوق، ووضع سنواتها في الميزان وحسب العمر يكون الثمن الذي تحدده الدولة .

الحكومات العربية أثبتت فشلها في المحافظة على عناصر الشباب، أن العناصر الشبابية للأوطان أفضل من مليون بئر نفط ، وأحسن من مليون شركة إنتاجية – مع أنني أشك أن هناك شركات إنتاجية على مستوى عالمي – أن قيمة الدول الحقيقية هي التي توفر للشباب كل شيء حتى لا يفكروا بالهجرة والهرب . وذلك عبر القضاء على البطالة وتوفير البيوت للأزواج الشابة وأماكن العمل، وزرع التفاؤل هو الضمان الوحيد للقضاء على العنوسة وفتح الشهية للزواج وانجاب أجيالا للمستقبل، إن الشباب العرب الذين يفضلون الموت في البحر غرقا وهم هاربون من أوطانهم هم النسخة الثانية من عنوسة الأوطان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى