تساؤلات حول الانتخابات الفلسطينية

د. إبراهيم أبراش | فلسطين

 

الانتخابات العامة في الحالة الفلسطينية ليست مجرد استحقاق ديمقراطي كما هو الحال في الدول المستقلة، لأن الشعب يخضع للاحتلال والاحتلال نفيٌ للسيادة، وعندما تغيب سيادة الشعب وسيادة كل المؤسسات الرسمية القائمة في مناطق السلطة الوطنية فإن الانتخابات الفلسطينية تخرج عن سياق الديمقراطية وتصبح تحدياً وطنياً لوقف انهيار النظام السياسي ولإنجاز الوحدة الوطنية لمواجهة الاحتلال وللخروج من حالة العدمية السياسية، وليس مجالاً للصراع والتنافس على منافع ومكاسب سلطة خاضعة للاحتلال.

نعم الانتخابات أصبحت ضرورة ليس لأنها استحقاق ديمقراطي ولا لأن اتفاقية أوسلو نصت عليها والدول المانحة تريد جهة شرعية للتعامل معها وإدارة بايدن طالبت بها، بل لأن هناك مصلحة وأسباب وطنية بإجرائها وخصوصاً بعد فشل كل محاولات التوافق الوطني وهذه الأسباب هي :-

لأن الأمور وصلت لحد لا يطاق على كافة المستويات شعبياً ورسمياً وعربياً وأصبح التغيير ضرورة وطنية.

لمواجهة العدمية السياسية ومنح الشعب أمل بالمستقبل وبالتغيير.

لأنه لا يمكن التغيير من خلال خروج الشعب بثورة تطالب بإسقاط النظام أو بالانقلاب على السلطة القائمة سواء في غزة أو الضفة كما جرى في الحالة العربية.

لأن المخلصين والوطنيين في الطبقة السياسية وصلوا لقناعة بأن بقاء الأمور على حالها ستؤدي لدمار القضية الوطنية.

لأن هناك ضرورة ومصلحة وطنية لتغيير الطبقة السياسية التي وصلت لطريق مسدود.

لأن هناك معركة تسوية سياسية ومفاوضات قادمة ومطالب دولية لتجديد شرعية النظام السياسي قبل الدخول في التسوية.

لأن الانتخابات ستؤدي لوحدة وطنية أو تمهد لها وهذا ضروري لمواجهة مخطط الانقسام.

لأنه لا يمكن مواجهة الكيان الصهيوني ومشاريعه الاستيطانية إلا بالوحدة الوطنية.

كما أن الانتخابات وما سينتج عنها من تشكيل حكومة وحدة وطنية ستنزع الذرائع من الدول المُطبِعة أو التي تريد التطبيع مع الكيان الصهيوني وتبرر تدخلها في الشؤون الفلسطينية وكأنها المنقذ للفلسطينيين من فشلهم في إدارة أمورهم الداخلية كما صرح بعض المسؤولين الخليجيين.

ولأن الانتخابات تعيد ثقة الشعب بنفسه وتشعره بأنه شريك وفاعل في النظام السياسي ويستطيع التأثير فيه.

لكل هذه الأسباب ومع إدراكنا لتعقيدات وتحديات المسألة الانتخابية في فلسطين الخاضعة للاحتلال، لا بد من الانتخابات.

ولكن تحقيق الأهداف المُشار إليها أعلاه من الانتخابات لا يتم إلا بانتخابات تجري في إطار وضمن شروط تضمن ما يريده الشعب وتؤدي لتغيير ملموس في النظام السياسي، وفي هذا السياق نبدي الملاحظات التالية ليس بهدف التشكيك بالانتخابات، بل لقطع الطريق على من يريد توظيفها لأغراض شخصية أو المبالغة في المراهنة عليها، وقد سبق وأن كتبنا عن رأينا في الانتخابات أكثر من مرة وبعض الملاحظات التالية إعادة وتأكيد عليها:-

كنا نأمل لو تم البدء بمنظمة التحرير والمجلس الوطني سواء من خلال الانتخابات أو التوافق حتى تكون منظمة التحرير جامعة للكل الفلسطيني ويتم وضع حد للصراع حول الشرعية العليا للشعب الفلسطيني وحتى تكون منظمة التحرير الجديدة ضمانة في حالة فشل الانتخابات التشريعية والرئاسية أو تم إنهاء السلطة الوطنية لأي سبب من الأسباب .

الانتخابات التشريعية والرئاسية لن تنهي الانقسام وتداعياته مباشرة لأن سبب الانقسام ليس خلافات فتح وحماس، بل هو مشروع إسرائيلي إقليمي حتى وإن شاركت فيه أطراف فلسطينية.

لا قيمة لانتخابات إن لم تُحدث تغييراً جوهرياً على الطبقة السياسية، وفي حالة تصدُّر نفس الوجوه والقيادات للقوائم الانتخابية فستفقد الانتخابات قيمتها لأن لا قيمة لانتخابات لا تجدد الطبقة السياسية .

كانت الانتخابات مجرد ملف من عدة ملفات أو قضايا محور حوارات المصالحة، وأن يتم القفز نحو الانتخابات دون التفاهم أو حل القضايا الخلافية الأخرى مثل الأمن والجماعات المسلحة والأراضي والموظفين والقضاء والموقف من المفاوضات مع إسرائيل والبرنامج السياسي الخ قد يقطع الطريق على استكمال مسلسل الانتخابات وقد يؤدي إلى فشل حكومة الوحدة الوطنية التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات .

حتى الآن يتم تجاهل أو الهروب من مسألة البرنامج السياسي سواء للأحزاب أو للحكومة التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات.

بسبب حالة الفقر وربط حياة الناس بالرواتب والمساعدات فسيكون للمال السياسي دور كبير في التأثير على خيارات الشعب.

نؤكد مرة أخرى على ما كتبنا عنه في مقال لنا عن الانتخابات في شهر أكتوبر والذي كان بعنوان (حتى لا تتحول الانتخابات لملهاة جديدة للشعب) حيث حذرنا من فكرة القائمة المشتركة بين فتح وحماس لأنها تقفز على الواقع وتسيء استراتيجياً لحركة فتح وإن كان لا بد من تحالفات فلتكن بين فصائل منظمة التحرير.

مع تفهم حق غير المنتمين للأحزاب (المستقلين) في تشكيل قوائم خاصة بهم لخوض الانتخابات إلا أنه يجب الحذر من تمييع الحالة السياسية وتشتيت الأصوات وتسلل بعض الانتهازيين ومن يملكون المال والدعم الخارجي للمجلس التشريعي الجديد.

النجاح في الانتخابات التشريعية وفي تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج سياسي مشترك هو الذي سيحدد إن كان مسلسل الانتخابات سيتواصل بالانتخابات الرئاسية وفي إعادة بناء منظمة التحرير أم تعود الأمور أسوأ مما كانت.

النظام السياسي المُجدَد بالانتخابات والحكومة الجديدة ستكون في مواجهة مرحلة جديدة من التسوية السياسية والمفاوضات مع الكيان الصهيوني، وهي مرحلة غير مسموح بها اللجوء لأي عمل عسكري فلسطيني أو التهديد به وخصوصاً من طرف المشاركين بالانتخابات وفي الحكومة التي ستنبثق عنها، الأمر الذي يتطلب التوافق على استراتيجية للمقاومة الشعبية السلمية حتى تتضح معالم التسوية السياسية الجديدة، والتي في رأينا لن تكون أفضل حال من تسوية أوسلو.

سيعترض طريق إجراء الانتخابات اشتراطات إسرائيلية وأوروبية وأمريكية وعربية، وإن لم تبرز بوضوح حتى الآن فمن المتوقع أن تطرح هذه الجهات اشتراطاتها قبيل إجراء الانتخابات.

هناك التباس إن كانت انتخابات لسلطة حكم ذاتي مقيدة باتفاقية أوسلو أو انتخابات لمجلس تشريعي للدولة وخصوصاً أن القيادة قررت التراجع عن قرار سابق بوقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل؟ وكيف تكون الانتخابات الرئاسية لرئيس دولة فلسطين والتشريعية لانتخاب مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي؟ وإن كان رئيس السلطة هو نفسه رئيس الدولة فما هو وضع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية؟ وهل رئيس الرئاسات الثلاثة سيخضع للقانون الأساسي للسلطة أم للنظام الأساسي لمنظمة التحرير !.

كلنا أمل أن تنجح الحوارات القادمة في القاهرة في تفكيك كل أو بعض القضايا العالقة وأن يصاحبها اتصالات مكثفة مع الجهات العربية والدولية لضمان نزاهة الانتخابات من جانب وضمان قبول الكيان الصهيوني والعالم بنتائجها من جهة أخرى، وفي جميع الحالات فإن اللجوء للانتخابات أفضل من بقاء الأمور على حالها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى