ثورات التواصل المحمومة

عبد القادر سفر الغامدي | السعودية

قبل ربع قرن من الآن تقريبا بدأت طلائع المد العنكبوتي تدخل على استحياء المنازل رويدا رويدا عبر أجهزة الحاسوب المكتبية .
وكنا حينها نرى أن الماسنجر والمنتديات غزوا صارخا في وجه الكتاب الذي بدأنا نشعر أنه أصبح/ أمسى غريبا لايلتفت إلى قراءته أو تصفحه إلا النزر القليل من مستخدمي الشبكة العالمية
مازلت أتذكر جيدا بعض أهم المنتديات المحلية والعربية التي كنا نفرغ فيها جُلّ أوقاتنا مثل جسد الثقافة والتوباد وغيرهما .
ناهيكم عن الدردشة الكتابية عبر مواقع الدردشة التي بدأت بمكتوب ثم انهمرت
انهمارا غزيرا .
استمر هذا الوضع مايقارب عشر سنوات تقريبا تقل أو تزيد قليلا
تفاجأنا بعدها بدخول وسائل التواصل الحديثة مثل الواتساب وتويتر في البداية وكان الواتساب يسمح لك بإنشاء مجموعة لايزيد عددها فيما أذكر عن عشرة أعضاء ثم عشرين فخمسة وعشرين فخمسين عضوا حتى وصل العدد إلى ماوصل إليه
وقد كانت أيقونة الواتساب حينها ثورة بكل المقاييس على المنتديات عموما أو الماسنجر وغيرها مثل الاسكاي بي بما يقدمه من محادثات كتابية تطورت إلى صوتية مع إمكانية إرفاق المقاطع الصوتية والمرئية والرسومات أو الصور حتى أصبحنا ليل نهار أمام هذه الأيقونة نتجاذب أطراف الحديث ونتطارح الأفكار ونقدم البرامج ونشرف عليها وكأن تلك المجموعات ممالكُ حقيقية قد نصّب المشرفون أنفسهم من خلالها ملوكا ورؤساء يضاهون زعماء الدنيا
كيف لا؟؟
وهم يتنافسون في اجتذاب أبرز وأهم الكتّاب والمبدعين من الجنسين بدءا بالكُتّاب على المستوى المحلي فالإقليمي وصولا للعالمية في بعضها

لاأنسى أيضا دخول كثير من الأقلام الرجالية والنسائية بمعرفات أدبية مثل رعد الشمال أو زهرة النرجس أو طيف الجنوب وغيرها استحياء وربما حرصا يصل إلى درجة الخوف من دوائر الضبط الاجتماعي المعروفة بداية بالأسرة وصولا إلى المجتمع بأكمله
امتد الواتساب مع نافذة تويتر والفيس متنفسًا للجميع مسيطرين على الساحة
فكل منا قد وجد ضالته فواحد يكتب سبعين حرفا لايمكن تجاوزها في تويتر محاولا استقطاب أكبر عدد من المتابعين وآخر يباشر فتح صفحته الرسمية في الفيس مع كل إشراقة شمس وثالث يشرف على مجموعته التي اتفق الجميع على تسميتها بالقروبات فتجده مرحبا هذا المساء بعضو حديث وربما يطرد آخر لتجاوزه قوانين ملتقاه الذي كان ملتقاكم وأعني (ملتقى ومضة فكر) من أقدم ملتقيات الواتساب في السعودية حيث بدأت بعشرة أعضاء وهو العدد المسموح وقتها تقرييا وأسبق منه ملتقى (نلتقي لنرتقي) الذي أسسته حين كان عدد أعضائه عشرة ومازال العشرة المبشرين بالحب هم منذ ذلك الوقت حتى الآن رافضين انضمام أي عضو خارجهم حتى أصبحت في ذلك القروب مجرد ضيف أكثر مني مشرفا
وماعلمنا أن الثورة الواتسابية والتويترية والفيسبوكية سيأتي من يهدد وجودها واستمرارها كما فعلت هي مع سابقيها ، وأصبحت هذه النوافذ لاندخلها إلا لماما ومجاملة لمشرفي تلك المجموعات وربما لولا الحياء الذي يردني ويرد كثيرا من مؤسسي القروبات الواتسابية على وجه الخصوص لقام المشرف بإلغاء ملتقاه كون أغلب الأعضاء لم يعد يشارك نهائيا أو يشارك كل عام مرة ليقول لنا أنه مازال حيا يُرزق؛ ذلك لأنه قبيل سنوات انطلقت ثورة عارمة كمد المحيطات الهادر هي ثورة المشاهير الذين ابتلينا بهم فأصبح لكل منهم صفحته التي اختلط فيها الحابل بالنابل والغث الكثير بالسمين النادر وأقصد بها أيقونات سناب شات تلته أيقونة التيك توك التي مكّنت الجميع من عرض مالديهم ومايملكون بالصوت والصورة، لحظة بلحظة إما :-عبر مكالمات مشاهدة أو مايُسمى البث المباشر أو تحميل المقاطع المختلفة
تخلل ذلك نشوء ظاهرة مشاهير السوشال الذين بدؤوا يُسخّرون كل أوقاتهم/ أوقاتهنّ للإعلانات التجارية وتصوير اليوميات وخاصة النساء اللواتي تطور الأمر لدى بعضهن تطورا غير مسبوق في اقتحام سوق الموضة والتباهي بالتصوير حتى للمخادع داخل البيوت وغيرها مما يشعر بالأسف الشديد ولايتسع المقام لذكر تفاصيله .
انغمس المجتمع بأكمله وأنا أحدهم للأسف في التعاطي مع هذه التقنيات التي استعبدتنا وأصبحنا منذ ساعة استيقاظنا حتى موعد نومنا أمام هذه الأجهزة متنقلين بين صورة ومقطع ومحادثة ومكالمة ناسين حياتنا لاهين حتى عن عباداتنا ،ومهملين كثيرا من أمور حياتنا مع بالغ الأسف.
أصبحت الأسرة العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص مستعبدة بكل ماتعنيه هذه المفردة لهذه التطبيقات والمواقع اللعينة التي أخذتنا من أهلينا وأصدقائنا بل ومحبينا بل حتى من أنفسنا
فأصبحنا/ أضحينا / أمسينا غرباء رهائن حقيقية لهذا الجهاز بين أيدينا وفقدنا كثيرا من وسائل الترفيه الحقيقية الفعلية بيننا كمجتمعات صغيرة على مستوى القرية أو الحي أو أبناء العمومة والأسرة ذاتها أصبح كل فرد فيها منزويا وحده يتحدث مع العالم ناسيا من حوله.

وقبل الختام أقف متسائلا موجوعا أي ُّ تقنية قادمة ستسلبنا معنى الحياة البسيطة العفوية التي نعمنا بها منذ ولادتنا حتى بدء الألفية الثانية التي كانت مفترقا حقيقيا لكل ماذكرته سابقا
أترك الأمر والجواب لكم يامن تفضلتم عليّ بقراءة هذا المقال وللزمن فهو كفيل بالإجابة .
والسلام مسك الختام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى