غوايات مازن و شياطينه
نهاد أبو غوش | رام الله – فلسطين
الغواية أساساً هي وظيفة الشيطان، وقد حصل ابليس على إذن صريح، أو تفويض مباشر من الله لأداء هذه المهمة، فأمهله الخالق إلى يوم الوقت المعلوم. في رواية مازن الأسعد ليس للشيطان حضور مباشر، بل حضوره عرضي وخفيف الظل حين يمرّ أبطال الرواية من أريحا وينظرون إلى جبل التجربة (قرنطل) حيث دار الحوار الشهير بين الشيطان والسيد المسيح.
لكن، كل واحد من شخصيات الرواية له شيطانه الخاص أو شياطينه المتعددة، ولكل من الشخوص غواياته العديدة التي لا تقتصر على المال والجنس، والسلطة والنفوذ، غوايات اللغة والدلالات لدى شخصيات تبحث عن أناها وتسعى لتحقيق ذاتها، هي إذن غوايات تشمل كل جوانب الحياة، ولها أشكال متعددة وحقول شتى، وقد ترد كصوت داخلي، نفس أمّارة بالسوء، أو كهدف خارجي يراود أبطال الرواية عن انفسهم.
يقال أن شهادة المرء في صديقه شهادة مجروحة. حسناً، ولكن مازن سعادة يتحدث في “أطوار الغواية” عن نفسه وعن جيلنا بأسره. وأنا الذي عايشت مازن أكثر من أربعين عاماً، أبرزها عشرية السجن الطويلة، التقينا وافترقنا، ثم التقينا وافترقنا، وهكذا..، مثل شخصيات الرواية الذين تلتقي مصائرهم وتفترق، تتباعد وتتقارب، دون إرادة أو تخطيط منهم.
عثرت على جوانب من شخصية مازن في فصول الرواية، وعلى جوانب من شخصيتي أنا، وعلى أبطال آخرين من لحم ودم وتجربة عرفناهم معاً، مازن يحكي عن جيلنا الذي وُلد بعد النكبة وعايش نتائجها وآثارها في الواقع كما في الوعي، لكنه وجد نفسه في الآمال الكبرى التي أطلقتها الثورة، وأحلام التغيير الثوري التي عاشها وعمل من أجلها من انخرطوا في تجربة اليسار الفلسطيني والأردني، لكن أحلامهم اصطدمت بصخرة الواقع العنيد والانهيارات التي أصابت نموذجهم وأحلامهم فتفرقوا أيدي سبأ، وجمعت بعضهم رواية مازن الأسعد من جديد ثم فرقتهم، وأحيتهم وأماتتهم، وكشفت سترهم وضعفهم وقوتهم. “أطوار الغواية” شهادة حيّة على عالم يتشكّل وينهار، أحلام كبرى وخيبات أكبر، شهادات عنا وعلينا.