العرب والغرب شركاء في التمييز العنصري

رحاب يوسف | كاتبة وتربوية _ طولكرم – فلسطين

تَختَلِفُ ألوانُنا، وأشكالُنا، وأحجامُنا، وتَبقى الأعمالُ مِعياراً حَقيقيّاً لجَواهِرِ النُّفوسِ، كَتَبَ أحَدُ أطفال إفريقيا – مِمَّنْ يُسَمُّونَهُم بالمُلَوَّنين -: “وُلِدتُ أسوَدَ، وعِندما أغضَبُ فأنا أسوَدُ، وعندما أسبَحُ فأنا أسوَدُ، وأموتُ وأنا أسوَدُ، وطِفلُكُم يولَدُ وَردِيَّ اللونِ، وعندما يَكبُرُ يُصبِحُ أبيضَ، فإذا غَضِبَ أصبَحَ أزرَقَ، فاذا سَبِحَ صارَ أحمَرَ، ثم بعد هذا تقولون: أنت المُلَوَّنُ!”، إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكُم، ولا إلى ألوانِكُم، ولكن يَنظُرُ إلى قُلوبِكُم وأعمالكم.
المَنطِقَةُ العَرَبِيَّةُ – من مُحيطِها إلى خَليجِها – تَعُجُّ بمُختَلَفِ أنواع العُنصُرِيَّةِ، وكُلِّ أشكالِ التمييز العُنصُرِيِّ، الذي لا يَتَوَقَّفُ عند حُدودِ البشرَةِ السوداء فقط – وإن كانت الأكثَرُ والأشَدُّ – بل يَتَعَدّاهُ إلى التمييز على أساس القَبيلَةِ، والجِنسِيَّةِ، والخلفيَّة الاجتماعيَّةِ، وغيرِها من المَقاييس والمَعايير الكثيرة، ممّا أدّى هذا التمييزُ الذي يُمارَسُ من قِبَلِ المُجتَمَعِ إلى بَثِّ سُموم الكَراهِيَّةِ، وحِرمان الكثيرين من الترَقّي اجتماعِيّاً، وفي مَناصِبَ مِفصَلِيَّةٍ في الدولة، أو رَفضِ الزواج منهم أو إعطائِهِم، وتُمَثِّلُ مَنطَقَةُ الخليج حالةً واضِحَةً، حيثُ يَتَحَكَّمُ الترتيبُ الهَيكَلِيُّ للقبائِلِ والعائلاتِ في فُرَصِ التوظيف والترَقّي، ويُنظَرُ إلى طوائِفَ من أصولٍ إفريقيةٍ، والمعروفين بـ (الخوال) و(البدون) الذين يعيشون في الكويت نَظرَةً عُنصُرِيَّةً دونيَّةً.
لقد كَشَفَ فيروس كورونا مدى تَشَرِّي هذه العُنصرية في مَنطَقَةِ الخليج، عبرَ وسائلِ الإعلام، وعبرَ تَصريحاتٍ لبَعض الشخصيَّاتِ الفَنِّيَّةِ – تَنضَحُ بالعُنصُرِيَّةِ – والتي طالَبَت بعَزل العُمَّالِ الوافدين من مُختَلَف الدُّوَل عن المُجتَمَع، مُلصِقَةً الفيروسَ بِهِم، وأنَّهُم السبَبُ في نَشرِه، أو تَرحيلِهِم إلى بُلدانِهِم.
نَحنُ المَسؤولون الأوائل – في مَنطِقَتِنا – عن نَظرَةِ أبنائِنا إلى ذوي البَشرَةِ السوداءِ، وكأنَّهُم رَقيقٌ أو عَبيدٌ، وأنَّهُم لا يَستَحِقُّون أن نعترفَ بوجودِهِم.
كُنتُ قد بدأتُ بشَرحِ مَسرَحِيَّةِ “عَنتَرَة وعَبلَة” للشاعِر الكبير أحمد شوقي، ولديَّ في الصفِّ طالِبَةٌ شَقراءُ بعينينِ خَضراوين، لكنَّها بلهاء! فسألتُها: مَن عَنتَرَة؟ اشرَأبَّ عُنقُها، واتَّسَعَت عُيونُها، لتُجيبَ: “إنَّهُ العَبدُ الأسوَدُ!” بمَخارِجَ صَوتٍ حادَّةٍ حاقِدَةٍ.
في الجانِبِ الآخَرِ من المَنطِقَةِ العَرَبِيَّةِ – في موريتانيا تحديداً – ما تزالُ تَشهَدُ حالَةً واضِحَةً وجليَّةً على استمرار العُبودِيَّةِ على أساس اللون، ورُبَّما تكون مُوريتانيا الدولةُ العَرَبِيَّةُ الوحيدَةُ – بل الوحيدَةُ في العالم – التي ما تزالُ تَشهَدُ احتجاجاتٍ ضِدَّ الرِقِّ، في القرن الواحِد والعِشرين، كما تَنشَطُ فيها مُنَظَّماتٌ على غِرارِ مُنَظَّمَةِ (نَجدة العَبيدِ)، تُكافح من أجلِ إنهاءِ ظاهِرَةِ الرِّقِّ في البلاد.
تُشَكِّلُ العُبودِيَّةُ إحدى القضايا الشائِكَةِ في مُوريتانيا، كما تُمَثِّل عُنواناً ثابتاً في التجاذُباتِ السياسِيَّةِ، وبينما تُؤَكِّدُ الحَرَكاتُ الناشِطَةُ في مجال مُكافَحَةِ الرِّقِّ أنَّهُ لا يزال يُمارَسُ واقِعيَّاً، تَرفُضُ الحُكومَةُ الاعترافَ بوجودِه، وتقول إنَّ هناكَ مُخَلَّفاتٌ لهُ، وتَعمَلُ باستمرارٍ للقضاءِ عليها، عبرَ سَنِّ القوانين الرادِعَةِ، ومَنحِ الأولويَّةِ للمُتَضَرِّرين بتلك المُخَلَّفات في البرامج الاقتصاديَّةِ والتعليم والصحَّةِ.
في مِصرَ حيثُ أكثرُ المُجتَمعات انفِتاحاً واختلاطاً، بين ثَقافاتٍ مُتَبايِنَةٍ في المَنطِقَةِ العَرَبيَّةِ، أشارتْ عِدَّةُ تقاريرَ إلى أنَّ المُجتَمَعَ ما يزالُ يَشهَدُ تَمييزاً ضدَّ العديد من الفئات، على أُسُسِ الخَلفِيَّة الاجتماعِيَّةِ والجنسِ، والتي تَمنَعُ كثيرين من الموهوبين من الترَقِّي، وتَبَوُّءِ مَناصِبَ مُعَيَّنَةٍ في الدولة باتت حِكراً على طَبَقَةٍ اجتماعِيَّةٍ، أو مَجموعَةٍ بعَينِها، وكذلك عَدَمَ تَمكين المَرأةِ من حُقوقِها السياسِيَّةِ، وضمانِ مُساهَمَتها الفاعِلَةِ في حَرَكَةِ المُجتَمَع، كما حَصَل معَ مُحامٍ مَصرِيٍّ نَصَحَهُ أحَدُ القُضاةِ باعتزال المِهنَةِ؛ لأنَّ والِدَهُ عاملُ نفاياتٍ (عاملُ وطنٍ)، وأنَّه لا يملِكُ إرثاً عائليّاً اجتماعيّاً يُساعِدُهُ على تَقَلُّدِ مَناصِبَ في سِلكِ القَضاءِ.
رُبَّما تُمَثِّلُ الحالاتُ السابِقَةُ مُجَرَّدَ نماذِجَ لحالَةٍ عامَّةٍ، تَنتَشِرُ في المنطقة العَرَبِيَّةِ، لكن ما تُظهِرُهُ التقاريرُ هوَ أنَّ الظاهِرَةَ مَوجودَةٌ في غالب دُوَلِ المنطقة، ووفقًا لتصنيفاتٍ مُختَلِفَةٍ ومُتَبايِنَةٍ.

أما في الولايات المُتَّحِدَةِ، فتاريخُها حافِلٌ بالحوادِثِ العُنصُرِيَّةِ، منذُ الحِقبَةِ الاستعمارِيَّةِ، والحَربِ الأهليَّةِ الأمريكيَّةِ، والعُنصُريَّةُ ضِدّ السُّودِ مُتَجَذِّرَةٌ في مُؤَسَّساتِ الدولَةِ؛ لتَحرِصَ على التدَنِّي الدائِمِ لأوضاعِهِم، ورَغم النضال الكبير من القِسِّ الراحِلِ “مارتن لوثر كينج” ووصولِ مُواطِنٍ أمريكيٍّ أسوَدَ (باراك أوباما) ليكونَ الرئيسَ الرابِعَ والأربعين للولايات المُتَّحِدَةِ الأمريكيَّةِ، إلا أن استطلاعات الرأي تُبَيِّنُ تَغَلغُلَ العُنصُرِيَّةِ داخِلَ المُجتَمَعِ الأسوَدِ، وتبدو الأحداثُ الأخيرَةُ في شهر مايو 2020 بعدَ وفاةِ (جورج فلويد) دليلاً على استمرار العُنصُريَّةِ ضدَّ المُواطنين السُّود!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى