الاحتراق الداخلي
رحاب يوسف | قاصة وكاتبة تربوية
الاحتراق النفسي مجموعة أعراض من الإجهاد الذهني، والاستنفاد الانفعالي، والتبلد الشخصي، والإحساس بعدم الرضا عن الإنجاز المهني، وضغوطات عالية يواجهها الفرد حتى يؤدي به إلى الإرهاق والتعب، فتعيق سير العمل، والأشخاص ذوو الطموح العالي متعرضون للاحتراق النفسي.
والذي يؤدي إلى الصداع والتعب، بسبب العمل بجهد كبير من أجل إثبات الذات، أو التعرض لمواقف صعبة.
أكثر شخص معرض للاحتراق الداخلي هو المرشد المدرسي، ينبغي أن يكون للمرشد الطلابي استعداداً نفسياً وجسدياً وذهنياً للتعامل مع مختلف الأزمات المدرسية، فإذا جاءته حالة صعبة عليه ألا يستقبل أخرى بل يعمل فاصلا واستراحة، كأن يذهب لشرب قهوة أو شاي ، ويمشي في الممرات، فكلما زادت خبرات الإنسان وتأهيله المهني والتربوي لا يعيش الحالة، ولا يجرّها إلى البيت، ويقلل الحديث عنها داخل أسرته حتى لا يعززالمشكلة داخل ذهنه.
تجد البعض رغم شبابه وتطلعاته وأحلامه يشعر بتدهور صحي متسارع، فأصبحت الشيخوخة واقعا في حياته، فيلبس عباءة التدهور السريع نتيجة ضغوط العمل ، وتكليف النفس فوق الطاقة؛ بغية النجاح وتحقيق الذات والتفوق في منافسة معينة، وقد يقع البعض فيه متناسيا هذا الضغط المهني، والمآلات الخطيرة التي يؤول إليها.
الاحتراق كظاهرة بدأ العلماء يرصدها عام (1969)م، في عز الثورة الصناعية، حيث ظهرت من خلال ضغوط العمل، فانطلقت من تواتر وتغيّر نمط حياتي بطيء إلى نمط سريع لا يتناغم مع الحياة الطبيعية، فأحيانا نجد الأشخاص يحمّلون أنفسهم فوق طاقتها، وأحيانا تجد أرباب العمل يحمّلون بعض الأفراد فوق ذلك، إضافة إلى إشكالية إدارة الذات، فأحيانا هنالك أحلام كبرى يقابلها سرعة في الحصاد، وغالبا ما لا يقع، ويقابلها أحيانا ضغط في العمل وإدمانه، وهذا له اعتبارات نفسية ، واعتبارات في العلاقات الاجتماعية، تجعل حالة من الاحتراق النفسي جمرة داخل الجسد غير ظاهرة، تؤدي إلى حالة من التدهور، فهذه الظاهرة تتعب صاحبها لقلة التحفيز الخارجي، فيكلّف النفس فوق طاقتها؛ بغية تحقيق الأحلام على المستوى العملي والنجاح، مما يؤدي إلى أمراض تصدر من بيئة العمل أو بيئة العلاقات.
المجاملة تدخلك في الاحتراق، فالشخصية المجاملة لا تجيد فن الاعتذار، بمعنى إذا لم تستطع القيام بما هو فوق مقدورك في العمل بإمكانك الاعتذار من رب العمل، بتقديم تفسيرك ، أو اترك عملك و العمل فيما تحب أن تعمل وتتقن وتبدع، حتى لا تكلف نفسك فوق طاقتها ومقدورها.
بعض إشكاليات الاحتراق الداخلي هي قضية التحفيز، حيث تجد أحدهم يقول: فلان يُحفَّز أكثر مني، لذلك ركز على التحفيز الداخلي أكثر من التحفيز الخارجي.
قدّر نفسك وأعطها بعض السكينة والراحة، وأفضل مَخرج للاحتراق هو التواصل مع الله؛ لتعيش حياة متوازنة، والله خلق الجسد بموارد داخلية، فأجسادنا من الداخل بحاجة إلى صيانة مستمرة، أكثِرْ من السجود، مارسْ رياضة المشي، اخرج إلى الطبيعة وتأملها، اصنع من نفسك إنسانا إيجابيا، اهرب من صاحب الطاقة السلبية، ومن أي إنسان يضيّق عليك، مارس هواياتك، ناقشْ مشاكلك لا تراكمها، فِرّ من المُسببات، وأهم الحلول العملية “إنما العلم بالتعلم ، والحلم بالتحلم”أي بمجاهدة النفس.
إن وجد الإنسان علاجه في الروحانيات له ذلك، وإن وجده في القراءة أو السفر أو في الكلام لصديق فليفعل ذلك، فالصديق هو الطبيب النفسي لصديقه الذي لا تدفع له المال، تحدّث مع صديق، وافتح ما في صدرك، والأفضل هي جلسة تأمل وتفكر في أحضان الطبيعة، أو على سطح البيت.
أما التفكير الفوضوي المفتوح غير المؤطر يقود إلى الشعور بالضيق من أي شيء دون سبب، حددْ مشكلتك،عش بسيطاً دون تعقيد، ابتعد عن الأقنعة التي تلبسها لأجل الآخرين.
الاحتراق النفسي وضغوط العمل تؤثر سلباً على الأداء الوظيفي؛ لذا تجد نظرة العاملين سلبية تجاه العمل، يكرهون الذهاب إليه، وإن ذهبوا تراهم يجرّون أنفسهم جرا، وكأنهم يساقون إلى الموت وهم لا يشعرون.
قال أحد الحكماء: خَلق الله النفس ليُكرمها، فلا تحرقها بنار ضغوطك؛ لأنك ستكون أول ضحاياها.