حكايا من القرايا.. ” في عيد العمال “
عمر عبد الرحمن نمر | جنين – فلسطين
العامل الفلسطيني مسكين، ما زال يسافر كما سافر الرجال في الشمس… ما زال يستقل الخزان، أو جبّالة البطون، أو براد الخضار… يقطع الحدود مهرباً، يحمل كفنه على عاتقيه، يعمل في ورشته مهرباً، خائفاً، مترقباً كلاب جلاوزة السلطان… التي تنهش لحمه، وتشرب عرقه ودمه…
ينام في السهول البعيدة المسروقة، يضلل بنومه الكلاب، فتنهشه الأفاعي… ينام كما العصافير فوق الأشجار، ويحلم بلقمة أطفاله… يخاف أن يدق الخزان… حتى لا تسمعه الكلاب النابحة…
نظرت في عز العتمة إلى أمواج من الرؤوس تتقدم ببطء، أكوام من البشر يحاولون التجاوز يحاولون المرور لبدء يوم عمل… صياح… وشتائم… وطوشات، هذا دعس طرف هذا، وذاك زحلقت كوفيته عن راسه… وذاك انكب طعامه… وعدة عمل فقدت… كيوم القيامة الناس حشود على المعبر، وأنا أتلفت يمنة ويسرة… قال لي أحدهم: أنت لم ترَ شيئا، وتابع القول: رأيت بعيني التي سيأكلها الدود، يداً فارقت كتفها، وصاحبها يصيح، ولم يوقف صياحه موج العمال الهائج، ورأيت جمجمةً تهشمت، وكهلاً أغمي عليه نتيجة التدافع، وأظنه ودع الحياة… وسمعت آخر: من شان الله… انخنقت… انخنقت… انخنقت…
واللعنة الكبرى أن هناك شِللاً من الزعران واللصوص… يستفيدون من هذا التزاحم، بل يخلقونه أحيانا؛ ليشرطوا جيب هذا، وينتشلوا محفظة ذاك،
قال آخر: وكي نتجنب هذه المأساة الصباحية، فإننا ننام في الورش، بغرف غير مقصورة بلا أبواب ولا شبابيك، ومنا من ينام في السهول، حيث البواهش والقوارض، ومنا من جعل من الشجرة سريرا ينام بين أغصانها… وأنا نمت بين قبرين في المقبرة… جللت المسافة بينهما بالكرتون… ننام ونحن ننتظر زوار الليل، بساطير الشرطة تأتي لاعتقالنا بحجة أن نومنا غير مصرح به، وكأننا في فنادق خمس نجوم…
لو رأى الشهيد غسان كنفاني المشهد، لألحق الرجال في الشمس برواية ” رجال في المعبر ” ونحن نطرق الخزان يومياً… نناشد المسؤولين… اتحادات العمال… المؤسسات العمالية… والحقوقية… للتخفيف من مآسينا… لكن مآسينا للأسف تكبر ولا مجيب…
فما حاجتنا إلى عيد يعطل فيه الموظفون، ونحن لا نعلم به إلا بعد مروره… ما حاجتنا إلى عيد يتفنن فيه مسؤول العمال في الخطب… والشعارات العمالية… وموشحات الكد… والكدر… والكدح…
نحن عمال فلسطين… لا بواكي لنا… ولا عيد… وكل أعوامكم خير إن شاء الله..