مركب الشعور بالذنب “عقدة الذنب”

د. محمد السعيد أبو حلاوة | أستاذ الصحة النفسية المساعد، كلية التربية، جامعة دمنهور

أولاً- تعريف مركب الشعور بالذنب “عقدة الذنب”:

ماذا نقصد بالضبط بعقدة الذنب؟ تشير “عقدة الذنب” بصورة عامة إلى “اعتقاد دائم أنك فعلت شيئًا خاطئًا أو أنك ستفعل شيئًا خاطئًا”، وفضلاً عن تضمن مركب عقدة الذنب مشاعر  دائمة من سيطرة مشاعر الإثم عليك، فإنه يحتوي على ويفضي إلى مشاعر الخزي والعار والخجل من الذات إضافة إلى القلق.

ورغم أن عقدة الذنب قد تنشأ من أذى أو ضرر حقيقي تسبب فيه الشخص، إلا أنها قد تتمركز حول إثم أو ذنب مُتخيل أو مُدْرك، فقد يعتقد الناس أنهم ارتكبوا فعلاً خاطئًا آثمًا، أو أنهم سوف أو على وشك ارتكاب فعلاً خاطئًا أو آثمًا، وقد يبالغ الناس في تقدير دورهم في موقف ما ويعتقدون أن أخطائهم الصغيرة لها تأثيرات بالغة أكثر مما هي عليه بالفعل.

ومن المهم ملاحظة أنه رغم أن مركب الذنب أو عقدة الذنب يمكن أن تكون مصدرًا أساسيًا للضيق والكرب والاستياء إلا أنه لا يعتد به كفئة تشخيصية في الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5).

من جانب آخر فإن “الشعور المبالغ فيه وغير المناسب بالذنب” يقترن بعدد من الاضطرابات النفسية مثل: الاكتئاب، اضطراب الوساوس ـ الأفعال القهرية، وكرب ما بعد الصدمة.

ثانيًا- خصائص مركب عقد الذنب:

يوصف الذنب بأنه انفعال ذاتي يعاني منه الإنسان مقترنًا بالتقييمات السلبية للذات ومشاعر الضيق والاستياء، ومشاعر الإخفاق أو الفشل، وتتضمن العلامات الأساسية الدالة على مركب عقدة الذنب القلق، البكاء، الأرق، التوتر العضلي، الانشغال الزائد بأخطاء الماضي، الندم، توترات المعدة، والانزعاج.

ويمكن أن يترتب على مركب عقدة الذنب مشاعر القلق، الاكتئاب، والكرب بما يصاحب ذلك من صعوبات النوم وفقدان الاهتمام والإعياء وصعوبة التركيز والانسحاب الاجتماعي، من جانب آخر لمركب عقدة الذنب تأثيرًا خطيرًا على مستوى طيب الحياة أو الهناء العام للشخص في الحياة، ومع الوقت قد يصاب من يستولى عليه هذا المركب بالشعور بعدم القيمة الأمر الذي يجعله يواجه صعوبات جوهرية في متابعة مسار تحقيق أهدافه في الحياة.

فقد يشعر من يسيطر عليهم مركب عقدة الذنب أنه لا يوجد في الحياة ما يغري على التقدم فيها أو ربما يندمجون في سلوكيات تستهدف عقاب الذات نتيجة أخطائهم الفعلية أو المدركة.

من جانب آخر يقترن مركب عقدة الذنب بالشعور بالعار والخزي من الذات، الأمر الذي قد يدفع من يعانون منه إلي عزل أنفسهم عن الآخرين، بما يترتب على ذلك من تأثيرات سيئة على علاقاتهم مع الآخرين، ويصعب عليهم الحصول على المساندة الاجتماعية.

ثالثًا- أسباب مركب عقدة الذنب:

يوجد عدد من العوامل المختلفة التي تسهم في تكوين مركب عقدة الذنب، وفيما يلي بعض منها:

  • القلقAnxiety: إذا سيطر على الشخص مستوى مرتفع من القلق، ربما يميل إلى التقييم السلبي لأفعاله بطرائق تفضي إلى تخليق مشاعر الذنب.
  • خبرات الطفولةChildhood experiences: الأطفال الذين يعيشون في ظروف حياتية أسرية تبث فيهم على الدوام أن أفعالهم خاطئة، وأن لديهم شيئًا ما يخفونه، أو أنهم مسئولون عن المتاعب أو المشكلات تتهيأ أمامهم ظروفًا نفسية لتكوين مشاعر الذنب مع تقدمهم في العمر.
  • الثقافة Culture: إذا وجدت أنك فعلت شيئًا ما يخرج عن المعايير الثقافية التي تربيت فيها ربما تخبر الشعور بالذنب حتى وإن كانت تصوراتك الحالية لا تدعم هذه المعايير.
  • الدينReligion: تعتمد بعض التقاليد الدينية على مشاعر الذنب كطريقة تدل على أن الشخص فعل شيئًا خاطئًا أو آثمًا.
  • الضغط الاجتماعيSocial pressure: إذا شعرت أن الآخرين يحكمون عليك بأنك ارتكبت فعلاً خاطئًا أو آثمًا ربما يرتب ذلك لديك مشاعر الذنب والندم.

رابعًا- أنماط الذنب:

يتخذ الشعور بالذنب صيغًا عديد يمكن أن تسهم في تخليق مركب عقدة الذنب، وفيما يلي بعضٍ من هذه الصيغ:

  • الذنب الطبيعيNatural guilt: إذا ارتكبت بالفعل شيئًا خاطئًا أو آثمًا وشعرت بسوء الحال والضيق والاستياء يكون الذنب هنا استجابة طبيعية. وهذه الصيغة من صيغ الذنب صيغة تكيفية ويمكن أن تدفع الشخص نحو القيام بفعل أو عمل تغييرات في طرائق تصرفاته في المستقبل، على سبيل المثال قد يخفف الشخص من شعوره بالذنب عن طريق الاعتذار عن فعل ما صدر منه أساء به إلى الآخرين، أو عن طريق تغيير السلوك الخاطئ، وإذا لم تتم هذه الأفعال بطريقة تسمح للشخص من التحرر من مشاعر الذنب والتكفير عن أخطائه ربما تتخلق لديه بدايات مركب عقدة الذنب بتأثيراته السيئة على حياته بصفة عامة.
  • الذنب غير التكيفيMaladaptive guilt: أحيانًا يشعر بعض الناس بذنب عن أشياء خارج نطاق سيطرتهم أو خارج نطاق مسئوليتهم، على سبيل المثال قد يشعر بعض الناس بذنب نتيجة عدم قيامهم بفعل لمنع وقوع شيئًا لم يكن أمامهم أي سبيل لتوقعه حتى ولو كانوا على قناعة بأنهم لا يمتلكون أي شيء للقيام به تراهم في حالة شديدة من الشعور بالندم والخزي والذنب.
  • الأفكار المفعمة بالذنبGuilty thoughts: يوجد لدى كل شخص أفكار سلبية أو غير مناسبة من وقت إلى آخر، ورغم ذلك قد يتطور لدى بعض الناس مشاعر الذنب نتيجة وجود مثل هذه الأفكار، ومع أنهم لا يمكن أن يقدموا على تنفيذ أي منها إلا أنهم يخافون من أن تكون هذه الأفكار دالة على أنهم أشخاص غير أسوياء أو أشرار أو أن الآخرين سيعرفونها ويتخذون موقفًا سلبيًا منهم.
  • الذنب الوجوديExistential guilt: وهو نوع من الذنب المعقد والذي غالبًا ما يدور حول أشياء نوعية مثل الذنب نتيجة شيوع مظاهر الظلم والجور في الحياة، أو شعور الشخص بالذنب نتيجة عدم قدرته على العيش وفقًا لمبادئه التي يؤمن بها.

خامسًا- علاج مركب عقدة الذنب:

من المهم أن يسعى من يسيطر عليه مركب عقدة الذنب إلى العلاج وطلب المساعدة للحفاظ على طيب حياته وجودتها، فإذا كنت تعاني من أعراض مركب عقدة الذنب وأثرت بصورة سلبية على حياتك اليومية وسببت لك ضيقًا وكدرًا عليك أن تلجأ إلى الطبيب أو المعالج النفسي، ويوجد عديد من البدائل العلاجية التي يمكن أن تستخدم في هذا السياق منها:

  • الأدويةMedications:

ربما يصف لك طبيبك النفسي الأدوية المضادة للاكتئاب أو الأدوية المضادة للقلق لمساعدتك في التخلص من أعراض الاكتئاب أو القلق، ومع ذلك يبقى الأمر يتطلب حتمية تلقي العلاج النفسي.

  • العلاج النفسيPsychotherapy:

يعد العلاج المعرفي ـ السلوكيCognitive-behavioral therapy (CBT) واحدًا من المداخل الأساسية للعلاج النفسي ويتضمن تعليم الشخص إدراك أفكاره السلبية التي تؤدي به إلى مشاعر الذنب، ومساعدته على استبدالها بأفكار أخرى إيجابية لتمكينه من التخلص منها؛ ومن ثم كسر دائرة تخلق مركب عقدة الذنب.

ويؤدي العلاج المعرفي السلوكي أيضًا إلى مساعدتك في فهم نفسك بما تحتويه من مشاعر واتجاهات، وعندما يحدث شيئًا ما ربما يفضي إلى الذنب ستجد نفسك مزودًا بطرق للتعامل معه وتجب عديد من التشوهات المعرفية التي يمكن أن تسهم في تكوين الذنب.

سادسًا- مواجهة مركب عقدة الذنب والتوافق معه:

إذا كنت تحاول مواجهة مشاعر الذنب الدائمة، يوجد عدد من الأشياء التي يمكنك القيام بها لتتمكن من إدارة هذه المشاعر الصعبة بطريقة جيدة، وفيما يلي بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تستخدم في مواجهة مركب عقدة الذنب:

  • إعادة تأطير الموقف أو إعادة تكوينه وتفسيره Reframe the Situation: إذا وجدت نفسك في حالة دائمة من التركيز فقط على الأفكار السلبية، حاول أن تجد طرائق للتفكير في مختلف جوانب الموقف من زوايا أخرى، وحاول الإجابة عن الأسئلة التالية: هل يوجد عوامل أخرى لعبت دورًا في هذا الموقف؟ ما الذي يمكنني القيام به بصورة مختلفة في المستقبل؟ وعليك أن تبحث عن طرائق تحول بها تركيزك من مجرد التركيز على الجوانب السلبية إلى أن التركيز على الجوانب والأفكار الواقعية والإيجابية للتخلص من مشاعر لوم الذات.
  • سامح نفسكForgive Yourself: تعلم كيف يمكنك ممارسة العفو عن الذات والتسامح معها، ولا يعني بالتسامح مع الذات والعفو عنها الترخص وأن يقبل الشخص أخطاؤه أو ما سببه من أذى أو ضرر بالآخرين بل يعني تحمل المسئولة والاعتراف بالذنب مع إعطاء الذات فرصة ووقتًا للتعبير عن الندم؛ ومن ثم العمل على إصلاح الأمر والتقدم في الحياة.
  • تحدث مع شخص آخرTalk to Someone: شارك انفعالات ومشاعرك مع صديق مقرب، وابحث عن المساندة الاجتماعية من الآخرين؛ لأن لها دور حيوي في تمكينك من التعامل مع الانفعالات الصعبة، وحافظ على علاقاتك من أصدقائك وأحبابك.
  • المصدر:

Kendra Cherry (2021). What Is a Guilt Complex?: https://www.verywellmind.com/guilt-complex-definition-symptoms-traits-causes-treatment-5115946

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى