نكبة فلسطين ولجوئهم التاريخي
أ. د. حنا عسى – كفر عين – رام الله – فلسطين
النكبة : هي مصطلح فلسطيني يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره. وهو الاسم الذي يطلقه الفلسطينيون على تهجيرهم وهدم معظم معالم مجتمعهم السياسية والاقتصادية والحضارية عام 1948 ، وهي السنة التي طرد فيها الشعب الفلسطيني من بيته وأرضه وخسر وطنه لصالح إقامة الدولة اليهودية- إسرائيل.
وعلى الرغم من أن السياسيين اختاروا 1948/5/15 لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرىً وبلدات فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً.
وتشمل أحداث النكبة، احتلال معظم أراضي فلسطين من قبل الحركة الصهيونية، كما تشمل الأحداث عشرات المجازر والفظائع وأعمال النهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من 500 قرية وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية.
وطرد معظم القبائل البدوية التي كانت تعيش في النقب ومحاولة تدمير الهوية الفلسطينية ومحو الأسماء الجغرافية العربية وتبديلها بأسماء عبرية وتدمير طبيعة البلاد العربية الأصلية من خلال محاولة خلق مشهد طبيعي أوروبي.
وكانت القيادات الصهيونية قد شرعت في إعداد خطط عسكرية تفصيلية منذ مطلع عام 1945 توقعاً للمواجهة المقبلة ، وفي مايو 1946م رسمت الهاجاناه خطة أسميت بخطة مايو 1946م فيما بعد ، كانت السياسة العامة لهذه الخطة تقضي بما يسمى “الإجراءات المضادة”، والتي اشتملت على شقين:العمل التحذيري الذي ينحصر في منطقة عمليات العدو،و العمل العقابي الذي لا حدود على نطاقه الجغرافي.
انتهاء الانتداب وبدء الحرب:
كان الانتداب البريطاني على فلسطين ينتهي بنهاية يوم 14 مايو 1948 ، وفي اليوم التالي أصبح إعلان قيام دولة إسرائيل ساري المفعول ، ومباشرة بدأت الحرب بين الكيان الجديد والدول العربية المجاورة.
وفي 3 مارس عام 1949م أعلن انتهاء الحرب بين الجيوش العربية والعصابات الصهيونية المسلحة في فلسطين بعد قبول مجلس الأمن الدولي إسرائيل عضواً كاملاً في الأمم المتحدة وقبول الدول العربية الهدنة الثانية ، حيث كانت المعارك في فلسطين قد بدأت في مايو 1948م بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان العصابات الصهيونية قيام دولة إسرائيل على المساحات الخاضعة لسيطرتها في فلسطين، وتدفقت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين ونجحت في تحقيق انتصارات كبيرة.
وفي السادس عشر من مايو 1948م اعترف رئيس الولايات الأمريكية المتحدة هاري ترومان دولة إسرائيل، ودخلت أول وحدة من القوات النظامية المصرية حدود فلسطين وهاجمت مستعمرتي كفار داروم ونيريم الصهيونيتين في النقب.
كما عبرت ثلاثة ألوية تابعة للجيش الأردني نهر الأردن إلى فلسطين. واستعادت القوات النظامية اللبنانية قريتي المالكية وقَدَس على الحدود اللبنانية وحررتهما من عصابات الهاجاناه الصهيونية.
واستمرت المعارك على هذا النحو حتى تدخلت القوى الدولية وفرضت عليها هدنة تتضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية. ولكن العصابات الصهيونية انتهزت الهدنة من أجل إعادة تجميع صفوفها والحصول على السلاح من الخارج وبخاصة من الدول الكبرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة التي فرضت الهدنة في البداية.
وعندما استؤنفت المعارك من جديد كان للصهاينة اليد العليا واتخذت المعارك مسارا مختلفا وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاعت العصابات الصهيونية المسلحة فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية. وانتهت المعارك بقبول العرب الهدنة الثانية التي كانت اعترافا بالهزيمة وتدخل حرب فلسطين التاريخ العربي تحت اسم (النكبة).
قرار التقسيم:
وهو الاسم الذي أطلق على قرار الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947 بعد التصويت (33 مع، 13 ضد ، 10 ممتنع) ويتبنّى خطة تقسيم فلسطين القاضية بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة ، كالتالي:
1. دولة عربية: وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا ، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوبا حتى رفح ، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.
2. دولة يهودية: على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل ، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حاليا.
3. القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة ، تحت وصاية دولية.
تعاقبت الأحداث بعد توصية التقسيم 181، وتوسّعت إسرائيل على الأراضي التي استولت عليها في نزاعها مع جيرانها. وحتى العام 2004، تستولي إسرائيل على 50% من الأراضي العربية بمقتضى قرار التقسيم وتسيطر سيطرة تامّة على النصف الباقي.
وفي المادة ال19 من الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرته منظمة التحرير الفلسطينية في تموز/يوليو 1968 يقال: “تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير “.
أما في وثيقة إعلان الاستقلال التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية في نوفمبر1988 فيوجد نوع من الاعتراف المتحفظ بشرعية قرار التقسيم من 1947. “ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير ، إثر قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947م، الذي قسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ، فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني “.
اللجوء:
كانت النتيجة الرئيسة لنكبة الشعب الفلسطيني ، لجوء أكثر من مليون فلسطيني تقريباً، وبعبارة أخرى أجبروا على الخروج من منازلهم ومدنهم وقراهم ، حيث سلبت أراضيهم وأملاكهم ومقتنياتهم وأصبحوا لاجئين بلا وطن ولا آية وسيلة من وسائل العيش. والقسم الأكبر منهم رحلوا “هجروا ” إلى الأردن والى قطاع غزة ، والضفة الغربية ، والباقي إلى سوريا ولبنان.
أسباب اللجوء الكبير:
المجتمع الدولي : فهو المسئول عن أهم جوانب وأبعاد اللجوء الفلسطيني ، وهو المسئول – من قبل- عن التمهيد والتوطئة لخلقها من خلال إذكاء ، وتشجيع ودعم الأطماع الصهيونية في فلسطين ، بما صدر عن القوى الاستعمارية الكبرى وفي مقدمتها بريطانيا من دعوة متلاحقة بشأن إنشاء “وطن قومي ” لليهود في فلسطين.
الذعر والهلع الذي سببه القتال ، والهجوم على مجتمعاتهم ، وبسبب الإشاعات صادقة أم كاذبة عن أعمال إرهابية من قتل وطرد .
الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ، ففي أثناء حرب 1948م، اقتلع الفلسطينيين بالآلاف على أيدي الميليشيات الصهيونية، وبعد تأسيس الدولة اليهودية اقتلع الآلاف على أيدي القوات الإسرائيلية وذلك من خلال مجموعة من السياسات التي تنتهك أبسط مبادئ القانون الدولي. وهذه السياسات تشمل هجمات عسكرية مباشرة على المدنيين (الأماكن المأهولة بالمدنيين)، ارتكاب المجازر، النهب والسلب، تدمير الممتلكات (تدمير قرى بأكملها) والتهجير القسري للسكان.
وواصلت سياستها في التهجير والاقتلاع حتى بعد توقيع اتفاقية الهدنة في عام 1949، ويحدد المؤرخ هنري كتن الأسباب في ثلاثة منها :
– طرد وتهجير اليهود للفلسطينيين بالإرهاب والعنف .
– انعدام الأمن والأمان في البلاد .
– فقدان وانهيار الجهاز الحكومي الذي يطبق القانون ويحافظ على النظام خلال الأحداث.
الاستعمار البريطاني ووعد بلفور المشئوم الصادر عام 1917م الداعي إلى إقامة وإنشاء “وطن قومي ” لليهود في فلسطين، والذي بموجبه التزمت الحكومة البريطانية وأخذت على عاتقها المساعدة في تأمين كافة الشروط اللازمة لإحلال اليهود مكان السكان الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين ، وكان أخطر ما قامت به، فتح الأبواب على مصراعيها أمام الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وغض الطرف عن الجهود الحقيقية التي كانت تقوم بها المنظمات الصهيونية، لإنشاء جيش يهودي مدجج بالأسلحة هدفه العمل بكل وسيلة لطرد وتشريد الفلسطينيين عن أراضيهم وتمكين المستوطنين اليهود من السيطرة عليها، فما أن صدر صك الانتداب البريطاني عن عصبة الأمم في 24/7/1922م ووضع فلسطين تحت الانتداب حتى أصرت بريطانيا على أن تنّتدب على فلسطين، وفعلت لذلك الكثير لكي تفي بما قطعته على نفسها من التزامات للمنظمة الصهيونية العالمية علماً بأن صك الانتداب لم يأخذ بعين الاعتبار رغبة الشعب في اختيار الدولة المنتدبة عليه، وهذا منصوص عليه في ميثاق عصبة الأمم فيما يتعلق بقواعد الانتداب.
الإرهاب اليهودي: من خلال طرد السكان الفلسطينيين من بيوتهم ووطنهم بالمذابح المحسوبة ، وكسر الروح المعنوية للفلسطينيين ودفعهم إلى الفرار “اللجوء “، وليست مذبحة دير ياسين في 9/4/1948م إلا واحدة من سلسلة مذابح نظمتها العصابات الحاقدة وقد بلغ عدد ضحاياها عدة مئات حوال254 من شيوخ ونساء وأطفال، إلا أنها لم تكن المجزرة الوحيدة، أو أكبر المجازر التي ارتكبت فقد كانت مجزرتا الدوايمة قضاء الخليل، ومذبحة اللد أكبر وأبشع وقد نظمت العصابات الصهيونية العديد من المذابح والمجازر للشعب الفلسطيني الآمن في وطنه حوالي 25 مجزرة منها : مذبحة سعسع في 16/4، ومذبحة سلمة في 1/3، وبيار عدس في 6/3، ثم مذبحة القسطل في 4/4، ومذبحة طبريا بتاريخ 17/4، ومذبحة سريس في نفس التاريخ، وحيفا في 20/4، والقدس في 25/4، ويافا في 26/4، ومجزرة عكا في 27/4، ومذبحة صفد في 7/5، وبيسان في 9/5، ومذبحة ناصر الدين، ومذبحة قبية 1953م، وكفر قاسم، ونحالين والسموع ومذبحة الطنطورة..الخ. راح فيها آلاف المواطنين الأبرياء معظمهم من الشيوخ، والنساء والأطفال على أثر هذه المذابح الحاقدة الهمجية حيث غدا الفلسطيني أمام خيار مر: الموت أو الهرب واللجوء.
فقدان الجهاز الحكومي : كان لانهيار الأمن والأنظمة الإدارية أثناء انتهاء الانتداب دورها في اللجوء الفلسطيني ، فبعد انتشار العنف والرعب بسبب الإرهاب والمجازر التالية لصدور قرار التقسيم ، ظلت الحكومة البريطانية عاجزة عن صيانة القانون والنظام في فلسطين ، ولم تكن مستعدة لتوريط قواتها في سبيل هذا الهدف ، والدليل على انعدام أية سلطة للحكومة في تلك الأيام العصيبة ، قد أثبته الواقع حينما حدثت المذابح العديدة ، فلم تكن هناك سلطة تعترض أو تحاول منع المذابح أو تساعد في إسعاف الجرحى ، أو حتى في إنقاذ أو دفن الضحايا .
الحرب النفسية :أساليب الحرب النفسية والدعايات الكاذبة التي اتبعها اليهود لإكراه العرب على ترك بلادهم، التحذيرات التي كانت توجهها الإذاعات اليهودية السرية إلى العرب الفلسطينيين من تفشي الأمراض الوبائية: الكوليرا، التيتنوس “الجدري” وان الأمراض الخطيرة قد انتشرت بينهم من جيش الانقاد. وحاولت كذلك تقويض ثقة السكان بأنفسهم وقياداتهم بغرض تحطم المعنويات واذكاء الفتنة، مثل الحديث عن حجم وعدد الخسائر في الأرواح بين العرب والخلافات السياسية بينهم وضعفهم وقلت كفائتهم، ولجاءوا أيضاً إلى استعمال مكبرات الصوت وراحوا يبثون تسجيلاً لأصوات صرخات، أنين ونحيب النسوة العرب ورنين أجراس عربات الإطفاء يقطعها صوت جنائزي مناشداً باللغة العربية: “أنقذوا أرواحكم أيها المؤمنون، أهربوا لتنجوا. وإذاعة تسجيلات لانفجارات شديدة عبر مكبرات الصوت، كما عمدت القوات الصهيونية إلى تفجير تجمعات الأسواق التجارية والأزقة، واستخدمت القنابل، “البراميل” وهي عبارة عن براميل محشوة بخليط من المتفجرات وزيوت الوقود، وعند اصطدامها بالجدران كانت تحدث صواعق من اللهب ودوي انفجارات شديدة، كما ولجأوا إلى إذاعة إنذارات للعرب الفلسطينيين بضرورة الرحيل ومغادرة قراهم ومدنهم في فترات محدودة وإلا تعرضوا للقتل وقد جاء في أحد النداءات في مدينة القدس” “إذا لم تتركوا بيوتكم، فإن مصيركم سيكون مثل دير ياسين انج بنفسك” وفي طبريا وزعت منشورات تحذر العرب من التعاون مع المجاهدين ومعارضة مشروع التقسيم ففي أحد البيانات التي وزعتها عصابات الهاغاناه جاء: على الناس، الذين لا يريدون الحرب أن يرحلوا جميعاً، ومعهم نساؤهم وأطفالهم ليكونوا آمنين، أنها سوف تكون حرباً قاسية، ودون رحمة ولا ضرورة لتخاطروا بأنفسكم” . وقد تكرر ما حصل في حيفا، ويافا، والقدس وطبريا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية فقد وزعت ملصقات على الجدران حملت معظمها، عبارة ارحل من أجل سلامتك.
ومن الأساليب أيضاً، أسلوب “الدعاية السوداء “،استخدام هذا الأسلوب “موشية ديان ” الذي خلف ايغال آلون في قيادة القطاع الجنوبي، وخاصة عندما أراد الصهاينة إجلاء عرب المجدل ودفعهم باتجاه قطاع غزة، فاستخدام نفس الأساليب والوسائل الضاغطة التي استخدمت مراراً من قبل، هي الطرد البحت عبر بث الرعب في نفوس المواطنين.