أي الخطابين أخطر: نتنياهو أم غانتس؟ جبهة الداخل الفلسطيني تستحوذ على خطاب العدوان
أمير مخول | حيفا – فلسطين
لأول مرة في حروب إسرائيل وعدوانها، يخصص كل من رئيس حكومتها ووزير الحرب جزءا مركزيا من خطابيهما للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل (الأحد 16 أيار). لقد قاما بذلك بحيث تحدثا بداية عن “عظمة” القصف الإسرائيلي والدمار في غزة، واحتفلا بحجم الدمار، والتبجح بما يقوم به جيش الاحتلال و”بعدالته وأخلاقياته”.
إلا أن اللافت هو تخصيص الحيز الكبير من الخطابين للداخل الفلسطيني، باعتباره جزءا من الجبهة الفلسطينية من ناحية، وبالسعي إلى فك ارتباطه مع شعبه ووطنه من ناحية أخرى والسعي خلال خطاب الحرب إلى شق صفوفه بين “متطرف” و”معتدل”.
جدير التنبيه إلى أنه حتى في صخب الأحداث والعدوان وانشداد كل الانظار والوجدان إليها، فإن سياسة الدولة الثابتة تتواصل ولا تتوقف. بعد أن بدأ ديباجته عن غزة انتقل نتنياهو إلى فلسطينيي الداخل، وفي ذلك امتداد للسياسة الثابتة، بينما الجديد هو النظرة إلى أن دور هذا الجزء من الشعب الفلسطيني تجاوز مسألة الاحتجاج وتعتبره إسرائيل فتح جبهة أخرى إضافة إلى غزة، ولم تتوقع أجهزة الأمن القومي مداها أو حجمها أو أثرها ومعناها. بل كانت بعض التحليلات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة والتي تؤكد ضرورة إخماد نار إحدى الجبهتين والحيلولة دون تزامنهما وتقاسم الحالة الفلسطينية.
بعد أن تفاخر بالضربات والدمار والأخلاق، وبتحويل”مترو أنفاق حماس إلى قطار نحو جهنم”، حدد غانتس ثلاثة أهداف للعدوان وهي: “توفير الهدوء بعيد المدى”، و”تقوية العناصر المعتدلة في المنطقة”، و”تدمير قدرات حماس الاستراتيجية”.
الهدف الثاني هو الجديد مقارنة بكل الحروب العدوانية السابقة، وهذا ينطبق أيضا على توجهه لدور فلسطينيي الداخل. بينما كان نتنياهو أكثر وضوحا ومباشراً في تطرقه اإى الفلسطينيين في إسرائيل، إذ أكد: “أرحّب بالمنحى العام الذي يشهده الجمهور العربيّ نحو الهدوء النسبيّ الذي لا يُعدّ كاملا، لكن رأينا انخفاضا في وتيرة أعمال الشغب” وحصر أعمال “الشغب” “ليس جميع العرب ولا حتى الأغلبية بل هناك أقلية جدية التي ينبغي علينا معالجتها”.
وأضاف: “هدفنا وقف العنف ثم إعادة العلاقات بين اليهود والعرب. نحن نعيش معا في البلاد ولا بُدّ من استعادة طريق التعايش والتعاون” ثم أشار إلى اعتقال أكثر من ألف من هذه “الأقلية الجدية”.
كلا الخطابين فيه تهديد لجماهير شعبنا في الداخل ومنبثق عن العدوان على كل شعبنا في غزة والقدس والداخل وبالذات مدن الساحل الفلسطينية والمدن المختلطة، وهي خط التماس مع المجتمع الاسرائيلي.
يبدو أن سطوة الدولة وشرطتها وقوات الأمن وعصاباتها الفاشية أخفقت في عدوانها على جماهير شعبنا، وبذلك أخفق هدفها في إضعاف هذا الجمهور بغية إضعاف كل الشعب الفلسطيني الذي ارتسمت معالمه المتجددة على كل جغرافية الوطن وتكامل الشعب ودوره.
لقد شاهدوا عظمة دور جماهير شعبنا في الداخل في معركة القدس والشيخ جراح والأقصى وباب العامود، ورأوا في دورها فائض قوة هائل يسعون للحد منه بعصاباتهم التي تتقاسم الدور مع أجهزة القمع الرسمية.
الخطابان المذكوران يكشفان نوايا المؤسسة الصهيونية الحاكمة بالسعي لما يمكن اعتبارة “الخطة ب”، وهي الانتقال من القمع الشامل إلى القمع الانتقائي لمن يعتبرونهم “متطرفين” وفي المقابل تشجيع دور “المعتدلين”، وهذا ما قد يجد تعبيرا عنه في عدة تجليات، ومنها التحول من الاعتقالات الميدانية خلال الاحتجاجات إلى الاعتقالات الاستخباراتية الانتقائية من البيوت، والسعي لتعديل التهم ومسوغات الاعتقال من التظاهر والمواجهات، إلى تهم التحريض، وإلى تمديد الاعتقالات واشتراط الإفراجات بالابعاد عن اماكن السكن، اما التجلي الاخر فهو المؤشر لامكانية استخدام انظمة الطواريء الادارية ومنها الاعتقالات الادارية، وهناك ظاهرة وهي أن المدن الساحلية جميعها تواجه حالة حظر تجول مطبّق على الأرض في المناطق العربية وحولها وبذات الوقت غير معلن رسميا، وهذا ما يشاهده كل من يتجول في شوارع هذه المدن في ساعات المساء وتشهد عليه أيضا “الحواجز الطيارة” أي المتنقلة من شارع إلى شارع إذ تقوم حافلة شرطة بسد الطريق وتفتيش السيارات والمارة وتنفذ الاعتقالات.
كما كان لافتا الإعلان عن الجديدة المكر منطقة عسكرية مغلقة (14 أيار) هذا كله ناهيك عن نقل العديد من قوات حرس الحدود من الضفة إلى الداخل. لقد أدار الثنائي نتنياهو وغانتس أعنف عدوانين على شعبنا الفلسطيني في غزة، الأول عام 2014 حين كان الأخير رئيسا لأركان الجيش، يواصلان اليوم بعدوان أكثر إجراميةً، وما كان بين العدوانين هو عدوان متواصل من الحصار.
وفي خطابيهما العدوانيين اليوم فإنه من الصعوبة بمكان تحديد أيهما أخطر، بل كلا الخطابين هو الخطاب الرسمي الإسرائيلي وخطاب الإجماع القومي الصهيوني في العدوان على شعبنا. كل شعبنا.