الأقصى وسماحة المفتي.. يا جبل ما يهزك ريح
جميل السلحوت | القدس
تردّدت كثيرا في الكتابة حول ما جرى في المسجد الأقصى في صلاة الجمعة يوم 21 مايو 2021، وذلك لأكثر من سبب منها أنّ سماحة الشّيخ محمد حسين مفتي القدس والدّيار الفلسطينيّة وخطيب المسجد الأقصى فوق الشّبهات، وليس بحاجة لشهادة من أيّ إنسان، فتاريخه ومسيرته وسيرته تشهد له بالعلم والتّقوى والنّزاهة والإلتزام بقضايا وطنه وشعبه وأمّته.
فأنا أعرف سماحته منذ طفولتنا، وأشهد له بنقاء السّيرة والسّريرة والإستقامة منذ طفولته. وقد أفنى عمره منذ طفولته وحتّى يومنا هذا في المسجد الأقصى يصلي ويتعبد ويتصدّى لكل من تسوّل له نفسه بالمسّ بالمسجد العظيم، ولمن لا يعرف سيرة سماحة المفتي في طفولته وفي صباه، فقد درس سماحته المرحلة الثّانويّة في “المعهد العلميّ الإسلاميّ” الكائن في رواق المسجد الأقصى، والذي تحوّل بعد حرب حزيران عام 1967 العدوانيّة إلى “ثانويّة الأقصى الشّرعيّة”. وواصل دراسته الجامعيّة في كلّية الشّريعة في الجامعة الأردنيّة، وعاد ليعمل مدرّسا ثمّ مديرا لثانويّة الأقصى الشّرعيّة، وبعدها خطيبا وإماما لأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشّريفين ومعراج خاتم النّبيّين صلوات الله وسلامه عليه.
وفضيلة المفتي ليس رجل علم ودين فقط، بل هو شخصيّة وطنيّة واجتماعيّة معروفة، لم يبخل يوما في بذل الجهد والوقت في إصلاح ذات البين، ومشاركة النّاس أفراحهم وأتراحهم، فقد أحبّ شعبه فبادله حبّا بحبّ. لكنّ الأولويّة عنده كانت للمسجد الأقصى الذي نذر نفسه للدّفاع عنه. وهو من قاد معركة إزالة البوّابات عن مداخل المسجد العظيم عام 2017، ويشهد له بذلك روّاد المسجد والمقدسيّون منهم خاصّة.
والحديث عن سيرة ومسيرة سماحة المفتي محمد حسين لا يمكن الحديث عنها في مقالة سريعة، فهي تحتاج إلى كتب ومؤلفات، لأنّ الرّجل قدوة تقتدى.
ما علينا….سنعود إلى خطبة صلاة الجمعة التي ألقاها سماحته، وما صاحبها من ضجيج أثاره أشخاص لا يليق بوصفهم إلّا أنّهم جهلاء لا يفهمون ما سمعوا، أو أنّهم مدسوسون لإثارة الفوضى في المسجد العظيم؛ لتحقيق أهداف يسعى إليها الطّامعون في المسجد، والذين يكيدون ويخطّطون للمسّ بالمسجد الذي هو جزء من العقيدة، والمسّ بالإسلام والمسلمين، وإذا افترضنا حسن النّوايا فإنّني أعجب من أناس كيف يتطاولون على من يعتلي منبر صلاح الدّين خطيبا في المسلمين، وأتساءل عن مدى اختلافهم عمّن أحرقوا هذا المنبر وأشعلوا النيران في المسجد في شهر آب-أغسطس- 1969. وأزداد عجبا ممّن كتبوا على صفحات التّواصل الاجتماعي شاتمين وشامتين دون مراعاة للأخلاق العامّة، منجرّين وراء إشاعات كاذبة وهم لم يسمعوا الخطبة، وحتّى لم يقرأوها!
لم أحظ بصلاة الجمعة الأخيرة في المسجد الأقصى لأسباب صحّيّة يعلمها من يعرفونني، وبالتّالي لم أسمع خطبة سماحة المفتي، لكن بعد الضّجيج والفوضى التي افتعلها البعض حول تلك الخطبة، بحثت عنها فشاهدتها صوتا وصورة على “يوتيوب”، وقرأتها مكتوبة أكثر من مرّة، لأقف على حقيقة ما جاء فيها، فوجدت فيها:” بدأ سماحته الخطبة بآية العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ثمّ أثنى على الشّهداء وتضحياتهم ودمائهم الزّكيّة، وترحّم عليهم مُبيّنا مكانتهم عند الله عزّ وجل. ثمّ تحدّث عن الجرحى ودعا لهم بالشّفاء العاجل والصّحّة والعافية. ثمّ تحدّث عن الأسرى والمعتقلين ودعا لهم بالفرج القريب، وشكر أبناء الشّعب وقواه الفاعلة. ثمّ تحدّث عن المرابطين في أرض الإسراء والمعراج وأنّهم في جهاد إلى يوم القيامة. وتحدّث عن الطائفة المنصورة في بيت المقدس وأكنافه، وعن المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، وشكر تضحياتهم، وتحدّث عن الوحدة والاجماع وضرورة لمّ الشمل وتشكيل قيادة موحّدة تمثل كلّ الشعب.
دعا الفصائل المختلفة لإلتقاط الفرصة فرصة العزّة والكرامة.
انتقد جامعة الدّول العربية ومنظمة التّعاون الإسلامي ووصف دولهما بالأنظمة العاجزة والمتخاذلة، وطالبهم بضرورة مسح العار الذي لحق بهم جرّاء تخاذلهم، وتحدّث عن المنافقين والمتخاذلين والظالمين والمعتدين وتحدّث عن بوصلة القدس بوصلة الخير والعزّ والكرامة وأنّ أيّ بوصلة لا تتّجه للقدس وأهلها ليس فقط مشبوهة بل خائنة.
تحدّث مرارا عن الأقصى والقدس وضرورة شدّ الرّحال إليها بالرّغم من المشقّات وحواجز الاحتلال، وذكَّر المصلين مرارا بالإسراء والمعراج. وتطرّق لارتباط القدس بالعقيدة ومكانتها عند فاتحها الفاروق عمر رضي الله عنه ومحررها صلاح الدين ومن على شاكلتهم. وعن التّميّز والتّمايز بين المؤمنين والمنافقين وارتباط ذلك بالقدس والأقصى. وعن الولاء للمؤمنين والبراءة من المنافقين والكافرين وعن الإخوة الإسلامية وحرمة دم المسلم وماله وعرضه، وعن المخلصين والصادقين من أبناء هذا الشّعب الذين ضحّوا وما زالوا من أجل القدس وفلسطين وحريتها وكرامتها تحت الشّمس.وطالب الأمّة الإسلامية بضرورة مراجعة حساباتها وضرورة إعداد العدّة واستنهاض الهمم في نصرة القدس والأقصى.
وعن السّلام العادل والشّامل الذي يحفظ لنا حقوقنا، وليس الاستسلام الذي يذهب بالحقوق والمقّدسات. ودعا الله أن يهيّئ لهذه الأمّة قائدا يقودها إلى العزّة والكرامة.”
ولمثيري الفوضى في أقدس مقدّساتنا أتساءل: هل المطلوب من خطيب المسجد الأقصى أن يسرد في خطبته تاريخ القضيّة الفلسطينيّة؟ وكيف يكون ذلك؟ وليتهم يعودون إلى رشدهم فيتّقون الله بالمسجد الأقصى الذي هو جزء من عقيدتنا الإسلاميّة. يقول تعالى:” وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. ويقول سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.”
ولسماحة الشيخ محمد حسين أقول: لا تحزن على ما جرى، فالأشجار المثمرة هي التي ترجم بالحجارة. و”يا جبل ما يهزّك ريح”
السبت 22 مايو 2021