حول مفهوم “ الأدب النسائي ”

محمد المحسن | تونس
حين يعيد الشعر مد الجسور بين المرأة وذاتها.. ويفجّر كوامن المحظور
تصدير :” لا توجد كتابة تنشأ من لا شيء،فالإبداع يتكوّن نتيجة مطلب ضروري لحسم تناقض ما،وفي المسيرة النضالية الطويلة للمرأة العربية نحو التحر،لم تجد لنفسها موضع قدم إلا بالكتابة التي تتخطى بها آلامها وكآبتها في عالم يغلب عليه الحجر الأبوي.”
المرأة هي قائدة في كل مكان يقع نظرك عليه، فهي تستطيع أن تكون رئيس تنفيذي، وتدير شركة، وتستطيع أيضًا أن تكون ربة البيت، وتربي أطفالها؛ لأن معظم بلداننا بُنيَت من قِبَل النساء القويات،وسوف نستمر في تحطيم الجدران وتحدِّي القوالب النمطية.”( نانسي بيلوسي- السياسية الأمريكية  في الحزب الديمقراطي)
فكّري مثل ملكة..ملكة ليست خائفة من الفشل، الفشل هو آخر نقطة انطلاق إلى العظمة.( أوبرا وينفري)
يعد مصطلح “الأدب النسائي” من الموضوعات التي انتقلت إلى النقد العربي عن طريق التأثر بما استحدثه الغرب من طروحات فكرية،إذ عرف الغرب هذه القضايا منذ القرن السابع عشر، وقد بلغت حدا ملفتا للانتباه من التطور والتبلور بسبب أن الكتابة النسائية داخل تيارات واضحة المعالم قد برزت وتطورت أولا في هذا الجزء الغربي من العالم.وبالمقابل يبدو أنه لا يمكن الحديث عن كتابة نسائية عند العرب إلا مع مطلع القرن التاسع عشر.
وعلى الرغم من قلة ما أفرزته الكتابة النسائية من مساهمة أدبية، مقارنة بالإنتاج الأدبي العام، نلاحظ أنها لقيت ردود أفعال نقدية،تتسم في أغلبها بالعاطفية والانفعالية وتتراوح بين المجاملة والإعجاب والحط من قيمة ما تنتجه المرأة من أدب في بعض الحالات، ومع ذلك نجد من النقاد من نظر إلى هذه الكتابة على أنها ظاهرة تستدعي الدراسة والتأمل باعتبار زمن الصمت الطويل، الذي قضته النساء بعيدا عن مدارات الفكر تستدعي الدراسة والتأمل باعتبار زمن الصمت الطويل، الذي قضته النساء بعيدا عن مدارات الفكر والأدب، في هذا السياق انبثق مصطلح “الأدب النسائي” الذي يطرح إشكالات متعددة ومنظورات متباينة بين النقاد باعتبار مرجعياتهم الإيديولوجية ورؤاهم المعرفية المختلفة.
عندما نتحدث عن العالم العربي كثيرا ما نصفه بأنه مجتمع لا يزال يعيش في الماضي،مقطوع الصلة بالعصر.
وبالرغم من أن هذا التوصيف ليس بعيدا عن الصواب في العديد من النواحي،ومن ضمنها نواح ذات أهمية بالغة،إلا أن هناك مجالا لا يمكن القول بشأنه بأنه لم يشهد أيّ تغيير.
و نقصد هنا مجال مشاركة المرأة في الإنتاج الثقافي داخل المجتمع بالقياس إلى ما كان عليه الأمر في الماضي،فإذا ما قارنا الحاضر بالسابق،نجد فرقا واضحا في هذا المجال.
وتبدو الكتابة بمعناها الأدبي،وربما الشعرية منها بالأساس،المجال الأبرز لتحول المرأة العربية إلى ناشطة ومنتجة للثقافة ومشاركة للرجل في هذا الحقل الذي ظل،ولقرون،حكرا على الرجل بالدرجة الأولى في الثقافة العربية.
وقد عكس هذا التحول بروز مفهوم “الأدب النسائي” أو “الكتابة النسائية”،ذلك أن ظهور هذا المصطلح ليس سوى تعبير عن هذه الظاهرة “الجديدة” المميزة للعصر الحديث المتمثلة في “انبثاق” المرأة كذات فاعلة في مجال الكتابة والثقافة عامة،ودلالة على تغير دورها وموقعها في المجتمع على مختلف الأصعدة في العصر الحديث.
وهنا أقول: إن الشعر أعاد مد الجسور بين المرأة وذاتها،وفجر كوامن المحظور،فأستطاعت الشاعرة أن تعبر عن نفسها بقوة.وهنا أشيد أيضا بابتعاد العنوان المختار عن التسمية الإشكالية عن الشعر النسائي،إلا أني أعتبر أن النظرة التحقيرية أو الدونية لأدب المرأة لا يحددها أو يحكمها مصطلح ما،بل خلفية التناول ومحتوى البحث والدراسة.
وعليه،أدعو إلى ضرورة تجاوز حديث جدل المصطلحات،الذي أخذ -في تقديري-أكثر من مساحته وأصبح للمزايدة والقفز على مواضيع أكثر أحقية بالنقاش،وأهمية تجاوز نظرية المؤامرة في الأدب،والانطلاق إلى المزيد من اكتشاف ذواتنا في تنوعاتها.
وإذن؟
إن تبني مصطلح “الكتابة النسائية” أو “الإبداع النسائي” لا يعبر عن نظرة تجزيئية للأدب،بل الطموح المنهجي للكشف عن الجرح الأنثوي الذي يسكن الكتابة النسائية وعن قواعد لعبة الانتماء من خلال فعل الكتابة عند أقلية فاعلة داخل مشهدنا الثقافي العربي.
وهنا أقول: بشكلٍ عام لا يمكن تصنيف الأدب على ما اصطلح تسميته بأدب «ذكوري» وأدب «نسوي»،فمنذ قدم التاريخ كانت المرأة موجودة بوصفها شاعرة وأديبة،مثال ذلك إنخيدوانا (يعتبرها العلماء والأدباء أقدم امرأة كاتبة وشاعرة حب،إنخيدوانا وصلت إلى أعلى رتبة كهنوتية في الألف الثالث قبل الميلاد،وكان لها دور زمن حكم أبيها سرجون الأول وزمن أمها الملكة تاشلولتوم،وكان لها أعمال وأشعار أدبية عن الإلهة إنانا وعن الألهة السومرية الأخرى.كونها أول شاعرة في التاريخ..)
والخنساء كونها أشهر شاعرات العرب،ورابعة العدوية كونها أشهر من تغنى بالحب الإلهي،حتى الشاعرات المعاصرات اللواتي غيرن في القالب الشعري،مثل نازك الملائكة،التي مع بعض معاصريها من الشعراء ثبتت وجود شعر التفعيلة بوصفه نوعاً أساسياً مع الشعر العمودي..
ولا ننكر أهمية الإعلام الحديث والتعليم في ترسيخ محبة الشعر وحب تعلمه وإتقانه عند الجيل الجديد..
وإذن؟
لا غرابة،إذا،أن تبدع المرأة في هذا المجال خاصة،وذلك لما به من شاعرية عالية تسهم طبيعة المرأة وحساسيتها وعاطفتها في إظهارها على الوجه الذي يتوقد بالإبداع،فالمرأة الشاعرة حاضرة وإن قلّ البروز الإعلامي،سابقاً،للكثير من الشاعرات نتيجة ظروف معينة أهمها الانشغال بالتحصيل الدراسي أو إنشاء عائلة أو حتى الحياء كونه عاملاً يمنعها من الظهور على الساحة الأدبية،لكن الواقع الآن يشهد لمعاناً شعرياً أنثوياً يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والنبوغ الفكري والاهتمام الثقافي والتعاضد المجتمعي في إرساء معايير لشاعريتها عن طريق الشعر في أبهى تجلياته..
على سبيل الخاتمة :
في الحقيقة تحتاج “الكتابة النسوية” إلى شروط،ومن بين ما تحتاج إليه،حسب النقاد،ضرورة أن تصدر عن وعي مكتمل بالوضعية المأساوية التي ما زالت تعيشها أعداد كبيرة من النساء على مستوى العالم، فهي تضع تحرر المرأة وتقدم المجتمع كأفق للفن الإبداعي الأدبي النسوي سواء سردياً أو شعرياً.
ومهما يكن من أمر،الأكيد أن “الأدب النسائي”،أو “النسوي”،شكّل إضافة نوعية مهمة للإنسانية كافة،إذ أضفى نوعاً من التوازن في الرؤية إلى العالم، والتي ظلت ذكورية بالكامل لقرون عديدة، كما أنه يشير إلى كفاح المرأة من أجل المساواة، ويحارب النظرة النمطية التشييئية غير الإنسانية،وهو غير متوقف حصراً على النساء فقط، بل يمكن أن يبدعه الرجال أيضاً.
وهنا أختم : إن مصطلح الأدب النسوي الذي شاع في الغرب ينطلق من نظرة عنصرية يلغي كل جوانب إبداع المرأة ويحصرها فقط في مُحيط الأنوثة،رغم أن هذه الأنوثة هي جزء أصيل من ذات المرأة  تضفي عليها بعضًا من الخصوصية في الكتابة،ولكنها ليست كلها ذات المرأة المبدعة،فذات المرأة المبدعة مثل الأرض تنبت كل الزروع وأنواع الزهور وعطورها المختلفة والمتنوعة في جمالها الأخَّاذ.
وليس هناك عيبٌ في أن تبدع المرأة بنفس وحس وجداني أنثوي لأن ذلك يمثل خصوصية تمتع فيها المرأة بخصوبة المشاعر وفقًا لفطرتها،بل إن نجاح الكاتبة في أن تبدع نصًا بمذاق أنثوي فياض بالدلالات والتجارب الإنسانية يضفي على تجربتها الأدبية صدقًا يمس القلوب والعقول معًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى