ترجمة دقيقة لنتائج الانتخابات: ليس بالشراكة في الحكم نكسب بل بالنضالات
أمير مخول | حيفا – فلسطين
عن شراكة الموحدة مع لبيد – بينيت
لا مفاجأة في المشهد، ربما تكون المفاجأة الوحيدة هي نجاح لبيد في تشكيل الائتلاف الذي ليس مضمونا له بعد أن يحكم، وهذا ما ستوضحه الاسابيع القريبة. اما فيما يتعلق بالقائمة الموحدة والحركة الاسلامية الجنوبية، فلا جديد، بل أن انضمامها كشريك الى ائتلاف لبيد بينيت ساعر العمل ميرتس، هو ترجمة دقيقة انتائج الانتخابات الاخيرة وبالاصح ترجمة دقيقة لنهجها بالتقارب من سُدة الحكم، والذي قضى بالخروج من القائمة المشتركة، وكذلك ترجمة لبرنامجها السياسي الاجتماعي.
ما كان يبدو في البداية انه سيطرة الفرد المتمثلة بنجومية منصور عباس الاعلامية، والتي يبقى للمؤسسة الاعلامية السياسية الاسرائيلية حصة كبيرة في الترويج له ودعمه بشكل فظ، يتبين اليوم انه نهج متكامل وموقف حركة بكل مؤسساتها سواء مكتبها السياسي ام مجلس الشورى. وبنظرة اخرى يعود الى طبيعتها السياسية النفعية (البراغماتية).
عليه، فإن النداءات المنتقدة وكأنّ الحركة قد غرّرت بجمهور مؤيديها وغدرت بهم، هي ليست في مكانها، لان الحركة لم تقل غير ما تقوم به، ولم تترجم الا نهجها، ولم تترجم ايضا سوى مسببات انشقاقها عن المشتركة. ولذلك فإن خطاب “الإعابة” لا ينطبق على انضمامها الى الائتلاف، بل ما ينبغي ان يشغلنا هو خطورة موقف الموحدة والجنوبية على مجمل العمل الوطني وعلى كيفية التعامل مع حقوقنا هنا في الداخل وحقوق شعبنا الفلسطيني كله والتي هي حقوقنا المباشرة. وخطورة النهج تكمن في فك الارتباط مع ادوات شعبنا التاريخية وهي النضال والانتقال الى الشراكة الموهومة في الحكم الاسرائيلي وعلى هامش عنصريته الاستعمارية.
هناك فرق شاسع بين تعاون او شراكات في اطار منظمة طلابية او نقابة عمالية او لجنة موظفين، وبين شراكة في ادارة الدولة. فالدولة أم السياسات المتراكمة والقوانين واجهزة القهر والقوة، وسياساتها منبثقة عن جوهرها، وفي حالتنا جوهرها الصهيوني العدواني الاقصائي الاستعماري الاستيطاني العنصري، وهي الدولة التي لم تكن لتقوم الا على نكبتنا نحن الشعب الفلسطيني، وعلى مصادرة كل الثروة للشعب وأملاكه، وعلى مصادرة الارض والتهويد، وماذا لا. وهنا يجدر التنويه للخطاب القائل وكأن كل ويلاتنا الحالية هي نتاج قانون القومية. باعتقادي ان قانون القومية هو نتاج طابع اسرائيل المذكور وليس مسببه بتاتا. فالواقع اكثر عنصرية واستيطانا واستعمارا واقصاء من قانون القومية. بل ان كل ما تحقق تاريخيا من انجازات كان فقط وبالمطلق نتاج ما قامت به جماهير شعبنا من نضالات في طريقها الكفاحي. ليس بالشراكات بل بالنضالات. وليس بالمنفعة المحلية هنا على حساب حقوق شعبنا بل بحمل المسؤولية عن مجمل حقوق شعبنا.
التحدي الحقيقي اليوم هو ليس امام الموحدة، فهي متصالحة مع ذاتها ومع نهجها، وإنما هو في التنظيمات السياسية البرلمانية وغير البرلمانية والتي تشكل التيار الوطني المستهدف والذي يجري السعي لإحكام الطوق عليه سواء من اذرع الدولة وادواتها في هندسة القهر والسياسات، ام من القوى الاقليمية المتصالحة مع اسرائيل والتي تدفع بنا وبكل شعبنا بهذا الاتجاه، ام من خلال التحولات الاجتماعية والمساعي المتواصلة لاحداث انقلاب في النخب وفي صدارة المشهد السياسي والخطاب السياسي، وهذه انعكست في عدة احداث ومحطات مفصلية في العقد الاخير بدءا بالتحول في انتخابات بلدية الناصرة 2013 وبلوغا الى انتخابات الكنيست 2021. وبالتأكيد جذور هذه التحولات اعمق وتعود لمراحل سبقت. لكن لن اتطرق الى ذلك في هذا السياق. في المقابل هناك تحولات قمعية تلقي بظلالها على المشهد الحالي بقوة، ومن ابرزها الحظر الاسرائيلي للحركة الاسلامية وملاحقة قياداتها (الشيخ رائد والشيخ كمال) والسعي لتدمير بنيتها المادية وحضورها المعنوي، مقابل تشجيع غير مسبوق لنهج “الاعتدال” والترويج له، لدرجة وجد هذا الامر تعبيرا عنه حتى في خطابات الحرب من نتنياهو وغانتس خلال العدوان على غزة وعلى شعبنا.
احد اوجه ازمة الحركة الوطنية بمختلف مركباتها، وللاسف، هو قراءتها المترددة للواقع كما هو وللتحديات الجوهرية التي تهدد حضورها وموقعها، وبالذات لان مركبا اساسيا في موقعها المتأصّل بين الناس هو المركب الاخلاقي السياسي وبالذات البعد النضالي والموقف من اولوية قضايانا كجماهير وكشعب. وتتعمق هذه الازمة حين تترجم القائمة الموحدة حملتها الانتخابية ونتائج الانتخابات بدون تردد، ورغم خطورة واسقاطات نهجها في حين ترى الموحدة غير ذلك، بينما لم تستكمل اطراف المشتركة بعد قراءة نتائج الانتخابات ذاتها (على صعيد الاحزاب التي تخوض الانتخابات البرلمانية)، ولا يبدو ان العبر قد ذُوِّتت. وربما كان في بيان المكتبين السياسيين للجبهة والشيوعي بمعارضة الائتلاف المذكور، بداية التخلص من “خطاب التأثير”، لكن الخوف هو في تسلّل موقف انتهازي مستقبلي تحت مسوغات الموقف المذكور، والقائل ان معارضة الائثلاف الحاكم المذكور من الممكن ان يتيح تأييد ائتلاف حاكم اسرائيلي اخر، وهذا يعيدنا الى مسألة المركب الاخلاقي في السياسة.
ان دخول حزب عربي في ائتلاف حكومي هو سابقة ستؤثر على مجمل التنظيم السياسي والثقافة السياسية في الداخل، وهذا من شأنه ان يطرح السؤال والتساؤل هل يستطيع حزب عربي ان يكون شريكا في الائتلاف الحكومي وعضوا في لجنة المتابعة العليا والتي يتمحور كل دورها في مواجهة حكومات اسرائيل وسياساتها. والاخطر من الجانب المؤسساتي والتنظيمي المرجعي هنا، هو ان نهج التصالح النفعي لا يتوقف عند حد، وليس ملكا لأحد او لطرف، بل قد يفسد السياسة حين يلغي اي بعد اخلاقي منها.
لست ممن يؤمنون بنهايات المطاف، ويكفي ان ننظر الى الهبة الشعبية العظيمة والى الحراكات الشبابية واللجان الشعبية وهبّة الناس في الدفاع عن الذات وعن الشيخ جراح والاقصى وغزة واللد وكل الوطن والشعب. والتي كنست كل اشكال الاحباط وولّدت الامل. ورغم ما ذكرت عن التحديات، فهناك بوادر لسعي الاحزاب والحركات الوطنية الى تعزيز دورها وحضورها وخطابها. كما وشكّل اضراب 18 ايار الذي دعت اليه لجنة المتابعة علامة فارقة ولافتة في تاريخ النضال الفلسطيني الوحدوي. وما العدوان الاسرائيلي الرسمي والمعلن على جماهير شعبنا وحملة الترهيب للاجيال الناشئة الا تأكيدا على جوهر اسرائيل وفي المقابل على طينة شعبنا.
ليس تحديا سهلا ما تفرضه القائمة الموحدة، لكن ليس بالضرورة ان يكتب له النجاح والتجذّر، ويكفي مزاج عضو كنيست كنيست مستوطن عنصري ليقلب المعادلة ويعيد الجميع الى الخانة الاهم: لم نحقق شيئا ولن ننجز شيئا الا بقدر ما نناضل من اجله.