ندوة عن تجربة حكمت الحاج.. شاعر يعيش اللامعقول مسرحا وحياة
عماد البليك | روائي وإعلامي سوداني
نصوص حكمت الحاج المسرحية والإيغال في اللامعقول، وتحدي اشكاليات الجغرافيا واللهجات.. تجربة مهمة تستحق الاحتفاء والاستكشاف والتدارس، تم تدارسها في ندوة خاصة تحت عنوان “المسرح الشعري بين نص الكتابة ونص العرض” ليلة الثالث من يوليو 2021م وذلك ضمن فعاليات الملتقى الأول للنص المسرحي في رحاب المنتدى العربي الأوربي للسينما والمسرح، المنعقد للفترة من 1 إلى 9 يوليو/ تموز 2021، عبر منصة زووم على الشبكة العنكبوتية.
اللقاء مع الشاعر والكاتب العراقي حكمت الحاج حمل العديد من الأسئلة المفتوحة حول تجربته في المسرح، لاسيما تجربة مسرح اللامعقول، في مُساءلات حول نص الكتابة ونص العرض، وشارك في الأمسية وحضرها ثلة من النقاد والأدباء والفنانين، وهم: الدكتور أصيل الشابي الكاتب والناقد التونسي المعروف، والناقدة والقاصة التونسية الاستاذة عواطف محجوب، والناقدة التونسية والباحثة لامعة العقربي، والناقد التونسي الاستاذ عبد الجليل حمودي، كمتحدثين أساسيين، كما شارك في المناقشات الشاعر العراقي عدنان الصائغ والناقد الأردني الدكتور عاطف الدرابسة، و المخرج المسرحي التونسي جلال حمودي وهو الذي أخرج مسرحية “أصوات”، وآخرين.
أدار الجلسة الكاتب اليمني والفنان حميد عقبي، رئيس المنتدى العربي الاوروبي للمسرح والسينما، رفقة الروائي والكاتب السوداني عماد البليك.
وقد تحدث البليك في البدء مستعرضاً سيرة الشاعر والكاتب حكمت الحاج التي كانت ثرية ما بين الشعر والكتابة الأدبية عموما والنقد والعمل في مجالات الصحافة والثقافة والعمل الإعلامي والنشر، الأمر الذي أكسبه تجربة عميقة جعلته مختلفاً في التجارب والإنتاج.
وذكر الناقد التونسي الاستاذ عبد الجليل حمودي بأن شخصية حكمت الحاج كسرت معايير سايكس بيكو في الزمن الجغرافي فهو إنسان تنقل ما بين البلدان من موطنه العراقي إلى العديد من البلدان، وحيث أقام في تونس وهناك حوّلت مسرحياته إلى اللهجة التونسية ومثلت على المسرح، وأشار بأن الحاج مهووس بتحطيم الحدود والإبداع المنفتح على الفنون الجديدة. وقال بأن مسرح الحاج وإن كان هو من رواد اللامعقول إلا أنه ينتهي بنا إلى المعقول، وقد شكلت مسرحياته إضافة للمسرح التونسي، وخلقت مناخاً حوارياً سواءً للنقاد والمشتغلين في الحقل أو المسرحيين.
أما القاصة التونسية عواطف محجوب فقد تعرضت للملامح العامة لمسرح حكمت الحاج، مستعرضة تاريخ مسرح اللامعقول في أوروبا وتحطيمه للقواعد الأرسطية في المسرح. وذكرت بأن الوجودية لها حيز خاص في هذه التجربة، وأشارت بأن مسرحيات الحاج تقوم على نظام الفصل الواحد، وهي تؤسس لصراع مع عالم غير مرئي، كما أنها تحمل طابع المونولوج الذي يعكس الصراعات النفسية المختلفة، بحيث يمكن القول بأن النتيجة هي دمى في مهب العبث وتأكيد تام للغياب، حيث تسود لعبة الظهور والتخفي.
وقدمت الناقدة التونسية والباحثة لامعة العقربي، ورقة بعنوان “الخطاب المسرحي بين اللامعقول واللامقول في تجربة حكمت الحاج المسرحية”، حيث أتت على تشريح بعض النصوص ومحاولة تأويلها بأدوات النقد، مفرقة ما بين طبيعة النص المقروء والنص المسموع والمرئي. وتوصلت إلى أن شخصيات الحاج في مسرحياته قلقة وحيث البحث عن المعلوم من خلال اللامعلوم، مشيرة إلى التكاملية بين الشعرية والمسرح، وأن ثمة تاريخاً مشتركاً في الأساس بين الشعر والمسرح في التجربة الإنسانية، يتجلى في مسرحيات حكمت الحاج، كما توقفت عند فكرة المعنى السطحي والمعنى الثانوي وتعدد المعاني والتأويلات في فهم المسرحيات.
من جهته تعرض الشاعر العراقي عدنان الصائغ إلى شخصية حكمت الحاج الأدبية والثقافية وأثره على أجيال مختلفة في العراق وكيف أن كان يأتي دائماً بالجديد ثم يخرج منه ليكتشف جديداً آخراً، بما يجعله كاتباً وناقداً عابراً للأجيال. وقال إذا كان الحاج يكتب مسرح اللامعقول فإن جملة تجربته الأدبية والحياتية هي في حد ذاتها، تحمل تجسيداً للامعقول، فهو مبدع عصي على الإمساك، هشّم الحدود.
أما الناقد الأردني عاطف الدرابسة، أثار قضية مسرح اللامعقول في علاقته مع السلطة، متسائلاً هل هو مسرح خائف من هذه السلطة، وقال بإن مسرح حكمت الحاج كما حكى هو شخصياً لا يقدم إجابات أو يبحث عن منحى رسالي، بل يعرض البعد الفني والغائية الأدبية، وأضاف بأننا نعيش في عصر القمع، والخوف، وأن ذلك ربما كان سبباً في الاتجاه لمسرح اللامعقول.
من جهته فقد أوضح الأستاذ حكمت الحاج إجابة على العديد من التساؤلات وتعقيباً على المداخلات بأن المسرح يتطلب رسالة في تأسيس مجتمع وأنه بعيد عن ذلك في تجربته مع مسرح اللامعقول، فهو ليس مسرحاً كالواقعي الاشتراكي أو أي من المدارس التي تنافح ضد السلطة، بأي شكل كان، حيث أنه مسرح يفتح سلطة المعرفة ويعمل على تهشيم البنية التقليدية ويقوم على لا جدوى الحياة والعالم في رحلة البحث عن المعنى.
كذلك أشار الحاج إلى أن تجربة كتابة المسرح باللغة الدارجة التونسية أو أي لهجة محلية كانت إنما يشير إلى أنه متمرد على قالب اللغة، مؤكداً على ارتباط اللامعقول بالعامية والمحكيات بشكل عام وأن هذه العودة إلى المحكيات إنما هي انعكاس للذات المتشظية.
وأكد حكمت الحاج أنه من خلال الكتابة الإبداعية يعيد اكتشاف نفسه، من خلال النص الذي يكتبه وهو ما يعرف بمفهوم المكاشفة الإبداعية.
الناقدة الدكتورة رائدة العامري قدمت مداخلة حول مسرح حكمت الحاج، ركزت فيها على أن شخصية الشاعر في مسرحية “أصوات” واستنتجت نقدياً ان المقصود في المسرحية هو شكسبير نفسه، واستشهدت بعدة تخريجات نقدية في هذا الإطار.
أيضا شاركت الدكتورة ذكرى صاحب، كذلك الأديب صبري يوسف الذي أكد على أن مسرح اللامعقول يقود إلى المعقول في النهاية.
حفلت الندوة الزاخرة بالأفكار بتشريح لبعض مسرحيات حكمت الحاج وشخوصه، وتساءلت حول بعض الأبطال مثل الشاعر وغيرهم وما الذي يمكن أن يحملونه من رمزيات.
وقد أشار البليك إلى أن الحاج لا يعترف بالسلطة في مسرحه، وإنما يتجاوزها بكتابته للامعقول، وأن لحظة ما بعد الحداثة هي مسار عالمي يتجاوز الأشكال التقليدية ويهشمها، وهو ما يفعله حكمت الحاج في فنونه المسرحية ومشروعه الأدبي عامة.
واختتم الحاج بالتأكيد على أن ظاهرة الكورونا سوف تعيد ترتيب الكثير من الأشياء، وهي مرحلة اختبار حقيقي للعرب في الخروج إلى فنون جديدة ومفارقة الإرث المثقل، فعالم ما بعد الكورونا لن يكون حتماً كما قبلها في المسرح مثلاً حيث أن المسرح الجديد سوف يكون تباعدياً، وقد تنتهي فيه الكثير من الصور القديمة.