الزمان والمكان في رواية ” أميرة ” لـ” جميل السلحوت “
نزهة أبو غوش| فلسطين
رواية أميرة للأديب الفلسطييني، جميل السلحوت، صدرت عن دار الجندي للطّباعة والنّشر في القدس، في 220 صفحة من الحجم المتوسّط.
أميرة هي رواية ، أحداثها تاريخيّة تعود للفترة الزمنيّة لعام 1948 أي لعام النكبة. عبّر بها الكاتب عن مدى تواطؤ الدّول العظمى في بناء كيان يهودي جديد على الأرض الفلسطينيّة، وتهجير أصحابها خارج الوطن. تلاحقت الأحداث الحدث تلو الحدث، وكأنّنا نشعر بأنّ الكاتب يجري ويلهث، ولا يدع لنفسه مساحة ورقيّة يبتعد بها عن الأحداث؛ من أجل أن يعبّر فيها عن مكنوناته النّفسيّة والعاطفيّة، والاجتماعيّة، والفلسفيّة، من خلال الشّخصيّات الرّئيسيّة في الرّواية.
وقف الكاتب جانبًا محايدًا ينظر إِلى الرّاوي الّذي يعرف كلّ شيء، ويسرد الأحداث من خلال الشخصيات نفسها بضمير هو، حيث تتحاور الشّخصيّات، وتناقش، وتسأل، وتتذمّر وتبكي، وتتألّم و… أودّ أن أُحلّل عناصر الزّمان والمكان، والعاطفة في الرّواية.
عنصريّ الزّمان والمكان في الرّواية
في رواية السلحوت كان المكان ضحيّة للزّمان. الأعوام الّتي سبقت النّكبة،عام 1945-و1946-1947- حتّى 1948 كانت تسيطر على المكان الّذي احتلّه الثوار، على المساجد الّتي استهدفها الانتداب الانجليزي، بسبب الاحتماء بها وسبب التّجمع، الّذي يخافه الانجليزي المحتلّ. الزّمان الخفيّ، كان نقطة لانطلاق الهجرة اليهوديّة من الدّول الأوروبيّة عبر البحر إِلى فلسطين. ماذا حدث للمكان؟ ضاع مكان المهاجر اليهودي حيث كان يعيش، واستبدله بمكان آخر، هو أرض فلسطين. السّجن… أصبح مكانًا للثوّار والمجاهدين. وماذا حدث للمكان، أرض الآباء والأجداد؟ الّذي يقطنه المواطن الأصلي؟ ضاع المكان بغدر الزّمان، وبحث فيه المهاجر عن مكان بديل يُسمّى “المخيّمات الفلسطينيّة للاجئين”. زمن 1948 هزَم المكان بقوّة، وبقسوة. الأمكنة الملموسة المعروفة. البحر والبرّ. يافا، حيفا، بيت جبرين، القدس ، ومئات المدن والقرى، تحوّلت موطنًا آخر لآخرين.
قصر طاهر المحمود في الرّواية، القصر الّذي أبدع الكاتب بوصفه، من حيث العمار والحدائق، والّذي يحلم الكثيرون أن يشاهدوه، أين ذهب؟ استبدله أصحابه بفعل الزّمن – حرب 1948- ببيت آخر في البلدة القديمة في حارة اليهود. البيّارات أين ذهبت؟ شاطئ البحر ومرسى السّفن، والمنارة و…. تغيّر كلّ شيء، وسيطر الزّمان على المكان.
تحوّلات الزّمن في الرّواية كانت سريعة ومتلاحقة، تحمل بين ثناياها الكثير من الأحداث: زواج عبّاس من سعديّة، ولادة أميرة عام 1945، ظهور الثّوار، استشهادهم، مقتل حمدان الفالح ظلمًا، وجنون أحمد خلف ، ابن عمّه. فتح السّجون للثوّار. سجن طاهر، أبو عبّاس، ولادة حفيد له، ثمّ مصالحته مع زوجته. ثمّ الحرب، ثمّ الهجرة، مقتل طاهر، وضياع أميرة والتّشتت، ضياع فلقاء، ثم لقاء أميرة بعد غياب سنوات.
العاطفة في الرّواية
العاطفة هي بعد حيوي في الرّواية، فهي تعبّر عن مكنونات انسانيّة بحتة، ارتبطت باليأس، والفشل والهزيمة، وضعها الكاتب السلحوت، في قالب روائي اجتماعي. كان الألم، والتّعاسة، والقهر، أبطالها.
عاشت عائلة أبي عبّاس حياة الألم اثر هجرتها عن أرض الوطن، أصابها الحزن والقهر لفقدان العزّ والجاه الّذي عاشته ما قبل الهجرة. تسرّب الألم إِلى العائلة بعد فقدانهم لأميرة وعدم معرفتهم أين مكانها؟.
قسوة الظّروف الّتي عاشها المهجّرون في جنوب لبنان، والأردن، وغزّة…سبّبت لهم المزيد من التّعاسة، والحزن.
العاطفة العامّة، هي القهر والألم والتّحسّر، الّتي أصابت الشّعب الفلسطيني بأسره إِثر مقتل شهدائه وضياع أبنائه، ووطنه. عاطفة الخوف والقلق على المصير والمستقبلّ.
عاطفة القلق والاضطّراب، الّتي أصابت عبّاس بطل الرّواية، الّذي اكتشف خيانة والده لوالدته، والأبلى من ذلك ظنّه بتعامل والده مع الانجليز، وخيانتة للوطن.
عاطفة الآباء لحبّ الأبناء، حبّ الأُسرة لأميرة كان مميّزًا. حبّ الابن الذّكر وتفضيله على الأُنثى. وأكبر حبّ هو حبّ الوطن الّذي سحبه المحتلّ من تحت أقدامهم.
عاطفة الشّوق، وحبّ عبّاس وسعديّة.
عاطفة الفرح المسروق وسط الظروف القاسية، نحو اقامة الزّواج بدون الأغاني والعزف.
عاطفة القسوة المصحوبة بالعنف ونوبات الأنانية الّتي عبّر بها المحتلّ نحو الشّعب المحتلّ.