سوالف حريم.. بين الطبيعة والتصنيع

حلوة زحايكة | القدس

بينما كنت جالسة في المساء أشاهد التلفاز، وبين فنية وأخرى تطل عليك الإعلانات والدعايات التجارية، وكان من بينها دعاية عن الحليب والألبان والجبنة، وكيف يتم تغليفها بأشكال وعلب جميلة حتى ترغب المستهلك بالشراء، وكيف يتم صنع عدة اشكال بعدة مذاقات، وكيف يتم تصنيعها بالمصانع واضافة المواد الحافظة من أجل حفظها مدة أطول، ومن أجل القضاء على الأمراض التي تتواجد بالحليب، في هذا الزمن أصبح كل شيء تتناوله يسبب لك الامراض، لم نكن نعرفها من قبل، كل هذا أعادني مرة أخرى الى أيام الطفولة.

في صغري، كنت اذهب دائما للرعي مع الأغنام والتمتع بجمال الطبيعة الذي يخلب الأبصار، وابداع الخالق في خلقه. كانت الأغنام

تأخذ جزءا كبيرا من حياتي، بحيث امضيت معظم طفولتي بينها، أسير كل يوم في الصباح معها أنا وعمي، وألعب وأركض ونحن متوجهين الى المراعي في سفح الجبل، كنت ألعب مع الخراف والسخول الصغيرة، أركض مره خلف ذاك الخروف ومرة خلف هذا السخل من أجل مداعبتة، والشعور بالمرح الى أن نصل الى المرعى، كي ترتع الأغنام في السفح، وتأكل الأعشاب التي تطيب لها، بسعادة لا يمكن أن يفهمها الانسان.

وعندما كنت أشعر بالتعب، استلقي على الأرض تحت إحدى الأشجار وأنام قيلولة الظهر، وعندما استيقظ وأشعر بالجوع والعطش، فأمسك بإحدى الأغنام وأستلقي على ظهري تحتها، وأتشبث بضرعيها، وأتلهف للحليب من ضرعها مباشرة الى فمي الى ان تمتلىء معدتي ويرتوي عطشي.

وحليب الماعز شهي المذاق وخفيف على المعدة، وأقل دسما من حليب النعاج، كان طعم الحليب له ميزة خاصة ولذة، وذلك لأن الأغنام

لم تكن تأكل في ذلك الوقت غير الأعشاب البرية، وهذه الأعشاب تمد الحليب بطعم لذيذ وتجعله شهيا، وتحمي الأغنام من الإصابة بالمرض، وفي المساء أعود مع أغنامي من المرعى وضروعها مليئة بالحليب، وأقوم بربط الأغنام من رؤوسها لتسهيل عملية الحلب، وتبدأ أخواتي وبنات عمي بالحلب.

كانت أمّي تقوم بعمل الجبنة واللبن واللبنة والزبدة من الحليب كل يوم.

وكانت أمّي تخضّ اللبن، في جلد الخروف الذي يدعى بـ” السقى” لتخرج الزبدة في كل صباح باكر، وما ألذ وما أطيب أن تتناول فطورك في الصباح زبدة بلدية مع رغيف شراك مخبوز على الصاج ويكون وقوده الحطب!

لم نسمع في ذلك الوقت عن وجود أمراض أو مرض اسمه الحمى المالطية، ولا عن أي مرض آخر كان يصيب الأغنام، ولم أصب بأمراض ناتج عنها أو عن إحدى منتوجاتها، لأن الأغنام لم تكن تتناول غير الأعشاب البرية، بعكس اغنام اليوم، التي تعتمد اعتمادا كليا في غذائها على الشعير والخلطة والبرسيم، ولا تخرج من حظائرها، وذلك لأن الاحتلال صادر جزءا من الأرض، وأغلق المراعي والأراضي الزراعية. ولم يعد الحليب”المبستر” نقيا كما هو الحليب الطبيعي ومشتقاته. لذا انتشرت الأوبئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى