السمات الدلالية في إبداع الشاعرة السعودية ” عطاف سالم “
بقلم: نبيل منصور نور الدين | ناقد
في كثير من الأحيان يتناهى إلى الإدراك التصورات المجازية والاشعارات الذاتية مكونة المعنى الدلالي الذي يقيم حد الشعور ويتماهى في المدرك التخيلي مستجرا الذاكرة الى التصور المنطقي ومستحثا الادراك ومستنطقا الشعور ما يبرز العمل الإبداعي ويجلي ماهيته ويفسر وجهاته بحيث يصبح الوعي مكيفا مع الشعور وبحيث يستدرج المعنى في المخيلة وهذه الاستدراكات تهيئ الموائمة بين المنطوق من التعبير وبين المدلول من التصور ما يعني أن المدركات الذاتية تقيم الحدس وتوافق المدرك التخيلي بحيث يصير المد الشعوري مهيأ للاستشعار الذاتي لمكنون البوح وفي هذا بيان ايحائي مقيم في الذاكرة يفصح عنه الشعور المبطن الذي يرافق الإحساس حيث تعتمد الادراكات التسريب الرمزي المنشأ من قبل الذات وهذه مقامة للتهيؤ الذهني مقابل الحدس اذ يتوائم المدلول التصوري مع ما يستشعر في المخيلة وتتواكب المعارف مع المنطق المهيأ للشعور.
يجرني هذا القول وأنا في بداية حديثي عن السمات الدلالية في شعر الشاعرة الكبيرة عطاف سالم التي يمتاز شعرها بالدلالات الموحية والتقمص اللاإراديللشعور مستبطنة في قصائدها الذات الموحية بأساليب إبداعية وايماءات دلالية تصور المعنى المكافئ للذات تصويرا واعيا يستجلي الرؤى المبهمة ويساوق الشعور المهيأ للإدراك بتقنية ايحاء تصويري بليغ.
وفي هذه التناولة نقرأ ثلاثة من دواوينها الشعرية ديوان (نزف الحرير) وديوان (أوراق امرأة برية) وديوان (يواقيت العتمة) كاستقراء لمجمل انتاجها الشعري المميز ولنأخذ من ديوانها الأول بعض الأمثلة على السمات الدلالية التي تتجلى في قصائد الشاعرة في هذا الديوان وفي الديوانين الذين يليه.
ففي قصائد هذا الديوان تتجلى الذات كوحدة روحية مقيمة بالحدس تتناهي اليها مدركات الروح وتتسرب اليها مدركات الشعورفالايماءات الدلالية في قصائد هذا الديوان مسهبة بحيث اغرقت الشاعرة بالتمثيل الشعوري واسهبت في استجلاء المعنى مستقية من المد الروحي مدلولاتها المغيبة كأفق مقترن بالذات فالاستشعار الكامن في نصوص هذا الديوان مقيم بمدلوله الذي يوائم بين مد البوح وبين الايماء الشعوري النابض في المخيلة حيث استطاعت الشاعرة ان تتجاوز الوعي متخيلة آفاقا شتى مقيمة مع التمثيل بأفق مدرك للبوح ففي قصيدة (شكوى) يتماهي المدرك الوجداني للذات وتغيم المدلولات الاستشعارية في المخيلة بحيث عمدت الشاعرة الى استحضار الذات حيث تقول:
ثائر حزني وصبري ارقده
ليت شعري أي قهر جدده
أي حرق ضج فيه خافقي
فاشتكت منه مناي المسهدة
يصطفيني ثم يمضي مرعدا
يجتبي قلبا هوى ما احقده
كان فكري ساهما في مأمن
وانطوى فيه جنون أجهده
فالايماءالدلالي في هذه الابيات مستوحى من الشعور وعليه قام المد الغيبي المستنكه مقام التمثيل والتخيل واستلهمت الاستشعارت الروحية المهيأة للتمثيل فتجسد المعنى مقابل الذات واستنطقت الادراكات مقابل الروح وفي هذا بيان قيمي للمدركات العاطفية المستوحاة من التخيل كما ان النسق الشعوري تكيف مع المعنى ووائم المد التخيلي بحيث صار الوعي مكافئا للتمثيل وهذه مقامة رائعة من مقامات الشعور وفي قصيدة (مفارقة) التي تقول منها:
ألبستني ثوب الضنا وظلمتني
وعميتني لما حسبتك اثمدا
وشهدت معترك التوجد في دمي
فضربت صفحا عنه بات مشردا
وشققت في صلف عرى اشواقنا
وانا التي وثقت حبك مذ بدا
وانا التي اشربته لك خالصا
وخصصت قلبك في الصبابة مفردا
تترقي المدركات الى مدى مبهم من التصوير الدلالي والى افق شعوري غائم بح يث صار التمثيل للاشعارات الروحية مدلولا قائما بذاته وبحيث لزم الادراك التصور المرئي للنفس فاستشعرت الذات الغيب ومازجت بين المدرك واللامدرك مع ان التصور مبهم في الذات لكن المعنى المندغم مع الشعور ساوق بين الإيحاء النفسي والمدرك العاطفي فتجسد التصور المرئي للنفس واستقام المعنى الدلالي كإيحاء رمزي للتصور المشابه للنفس وهذه مقامة أخرى فريدة تتميز بها الشاعرة في هذا النسق التخيلي الواعي كون الإشارات التمثيلية تستهوي المدرك العاطفي وتبوح بقيمه في الذات وهو ما تشير اليه الشاعرة وتمثله في هذه القصيدة إذ عمدت الإيحاء المبطن كتمثيل محض للادراك مماجعل من التخيل مسافة بلوغ للمرئي من المدرك أما في قصيدة (أطير اليك لزاما وطوعا) فقد عمدت الشاعرة الى استجلاء البوح بمدرك تمثيلي موائم للمدرك الشعوري فتمثلت المدركات جميعها في آن واحد وتمثلت المشاعر كإيحاء رمزي بنيت عليه الدلالة التمثيلية كمدرك ايحائي رمزي دلالي مسهب في الروح يتوائم مع المخيلة الشعورية ويقيم مع الذات ويوافق الذات فتمثلت المدركات الغائمة وتمثلت المشاعر واستنطقت الالهامات كمتخيل رمزي يفتق الادراك ويسرب حيثيات الوعي الى المتخيل الضمني للنفس والروح فاستدركت المشاعر وتمثلت الادراكات واستلهم البوح كما تقول الشاعرة:
كما القطر انت كما البدر تأتي
شفيفا مضيئا تروي الضلوعا
اطير اليك لزاما وطوعا
فما في اختياري اروم القطوعا
حبيب الي كسحر الاماني
قريب الي ويهوى الرجوعا
ذلك ان الشاعرة ساقت المعنى باتجاه الروح فتواكبت المشاعر ممتثلة الذات بحيث صار التخيل موائما للفيض الوجداني في مدلوله وبحيث استنطقت المشاعر الى اقصى مدى ومع ان التمثيل الضمني ساوق بين الروح والذات الا ان التشبيه المرئي للوعي تسرب من حيث الذات المنطوقة بإيماءة تصويرية مدركة ابتنت عليها الاشعارات المنطوقة والتصريح الايحائي المرمز كتعبير افقي استقام عليه البوح.
بينما في ديوان (أوراق امرأة برية) فقد استعاضت الشاعرة في قصائد الديوان بالرمز الدلالي كمدلول تعبيري يقيم حدي الشعور والتمثيل ويعمق المدرك الوجداني بمسافاته البليغة ويسرب حيثيات البوح الى المدرك التخيلي بينما قام التصور مقام الادراك ففي قصيدة (فرق كبير) التي تقول فيها:
فرق كبير بيننا يا سيدي
فقلبك الكبير كالاناء
يفور بالكثير من طوائف النساء
والشرع في يديك لعبة تهزه
ترمي به متى تشاء
وهذه الدنى في ناظريك
خامة لقيطة
يحق ان تمجها
تجرها لاقبح الأشياء
وانت وحدك الخبير
العاقل الوحيد
العالم الكبير
والناس اسوياء
وجاهلون أغبياء
تزيح الشاعرة عن المنطوق لثام الهيمنة الذاتية للادراك وتتوغل في استقصاء الشعور كمدرك تخيلي بمسافاته القائمة بينه وبين الذات وتجعل من المدرك التخيلي موائمة بينه وبين الشعور فاستهجان الفعل يوحي باللاشيء واستقصاء التصور يلازم الذات فتمثل الشعور مقام البوح واستنطقت المدلولات الايحائية بمدرك تمثيلي يسخر الوعي ويستقصي الادراك فالتمثيل المحض للأداة القامعة يقوم مقام التشبيه والمجاز التنظيري للصورة يقوم مقام الشعور وبين الايماء الرمزي والتصور مسافة لبلوغ الوعي اذ ان الادراكات التمثيلية مسيرة باتجاه الفعل وما ينبغي ان يدرك بالشعور يساوق المد التخيلي باتجاه البوح وعلى هذا عمدت الشاعرة الى استقصاء التصور المكافئ للذات وهنا قمة الترميز الدلالي الذي يستقيم معه التصور من حيث هو اشعار مهيأ للادراك بينما في قصيدة (إطلالة) يهيمن المدرك التنظيري للرمز على مسافات البوح وتتسرب حيثيات الادراك الى الوعي مقيمة الذات مقام المثول فبين الاشعار الروحي وبين التمثيل مسافة للخيال وهنا يقيم الحدس مقام الادراك كما هو قولها:
أطل على بابك المغلق
فارجع صفرا
بلا منطق
والمح سيل القصيد
مضى
الى كل عين
كنهر نقي
فيجري كطفل
بلا غاية
وعني يصد
كطفل شقي
فالتصور قام مقام الطفل بينما الاشعار الذاتي تهيأ للادراك حيث استنطق المبطن من التصور واستجلى الفعل بمعية الطفل وهنا ترميز ايحائي يقوم بالدلالة التصويرية ويوائم بين المدركات المختلفة وبحيث تم استشعار الذات واستدراك المنطوق كمد تخيلي مستمد من الشعور بيانه فالايماء التصويري مرمز بالروح وعلى ذلك سار التصور باتجاه المعنى واستلهم الإحساس الغائم في الذات اذ ان الصورة الرمزية مستوحاة من المعنى المنطوق فالمسافة التي بين الطفل وبين المعنى تتمثل الشعور وهذه رمزية بالغة المعنى في القصيدة.
بينما في ديوان (يواقيت العتمة) ترتسم الدلالة الرمزية في قصائد الديوان حيث عمدت الشاعرة في جل قصائد الديوان الى التبطين المعرفي للشعور وأفاضت على المدرك التخيلي افاضة بليغة بحث تسربت الى المدلولات الترميزية مسافة بالغة الشعور من ذلك قولها من قصيدة (عزف)
على وتر الحياة عزفت لحني
فشيع صوته ركب التمني
وصوره بألوان وشعر
رحيق البدر أحلام المغني
فراح يسوح في زهو ورجف
يرش الأفق اسحارا بفن
فبين الدلالة المحملة بالايحاء والرمز مسافة بالغة المثول يستقيم معها الشعور اذ ان الشعور بالفن متسرب من حيث الادراك والبوح التنظيري للمشابهة التمثيلية يستقيم مع المد الروحي الذي يؤول المدركات وعليه فان الشاعرة اعتمدت الغناء كمدرك يقيني لبلوغ الوعي بينما تمثل الشعور كمسافة بليغة للادراك وهذه ميزة جمالية تميز بها وقع الشعور وفي اكثر من قصيدة من قصائد هذا الديوان تبرز المخيلة كحد فاصل بين الوعي والمدرك اليقيني وكمسافة تمثيلية للشعور فاحادية الرمز المبني على الإيحاء مرتبطة بالتقمص الوجداني ومهيأة لبلوغ الوعي كحد فاصل بين المدرك التمثيلي وبين الادراك اذ ان الايماءات الدلالية تهيأ بمثول الوعي بينما الحد الأقصى من الشعور موائم لطبيعة التخيل ففي قولها من قصيدة (شيء غريب بيننا):
بيني وبيني عالم
مازلت اجهل كيف اعبر عالمي
امشي على حبل الشعور
أميل لا أدرى
كيف الوصول الى مجاهل ذاتي
شيء غريب بيننا
لا مهجتي لغتي
ولا نفسي تشابهني
حريتي بعدت
واحلامي سدى
والشعر يهرب من تمائم غربتي
فالتمثيل المدرك الواعي لاستجلاء البوح مهيأ بالذات والشعور بديمومة التصور مهيأ للذات استقصاؤه وهنا بلاغة تعبيرية تتمثل المشاعر وتستنطق المخبوء من الإحساس وعلى هذا عمدت الشاعرة الى بلوغ التخيل فتوزعت في القصيدة التصورات المجازية وتوزع المعنى محملا بالدلالات التي تبطن الشعورماجعل من القصيدة ومضة تحمل الكثير من الاشعارات الدلالية ولمحة تعبيرية تسهم في إزاحة عتمة النص المؤول بحيث أظهرت الايحاءات الدلالية وكأنها تنظير محض لمسافة الشعور وفي قصيدة (ودعت قلبي) استنهض الشعور مقابل الإحساس وتماثلت الرؤى التشبيهية من منظور الوعي فتكيفت الاشعارات الدلالية في النص واستلهم الإيحاء التصويري مقابل الشعور حيث تقول الشاعرة:
ودعت قلبي كي اعيد بنائي
ورميت أشلاء الهوى بسنائي
القلب زاغ ولم يعد لمكانه
وهواي سهم خارق لسمائي
فبقيت فردا للرياح تقودني
نحو الخواء ونحو كل خلاء
اسمو هناك برفعة وطهارة
وأميس نورا عند كل بكاء
فالبوح مسير باتجاه الذات والايماءات الدلالية مهيأة لبلوغ الشعور والقصيدة كلها بانساقها تحمل ايماءات رمزية مؤولة من منظور الشعور بينما تستقل قصائد الديوان بغنائية الشعور وبالتبريح الوجداني للذات بحيث اندغمت المعرفة مع كينونة الشعور.
والشاعرة عطاف سالم تعد من المجددات في الشعر العربي وتمتلك لغة خاصة بها وفنا تصويريا بالغ التأثير ولها وقفات شعرية كبيرة في الساحة الإبداعية حيث أسهمت بشكل واضح في احياء قصيدة التفعيلة من خلال نتاجها الشعري وتمثلها للحركة الإبداعية والأدبية في وطنها كما ان لها اسهامات بارزة في احياء التراث المنطوق بنوعية الشعري والنثري ولها العديد من الدواوين الشعرية والابحاث الأدبية والرؤى الخلاقة التي أسهمت في خلق حاضر ادبي اكثر اشعاعا على مستوى الوطن السعودي.
أحبائي…
أبنائي وبناتي…
ابنتي الزميلة الصديقة المبدعة المتألقة الطيبة النقية عطاف سالم…
ليست شاعرة عادية…
هي مبدعة تجيد صيد اللحظة الإبداعية…
وهي في حوار مستمر مع المفردات الكونية….
أحبائي….
لحظة محبة…
أدعو سيادتكم إلى حسن التعليق وآدابه…واحترام البعض للبعض…..
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض…
نشر هذه الثقافة بين كافة البشر هو على الأسوياء الأنقياء واجب وفرض…
جمال بركات…رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة
جمال بركات…والدنا الروحي التقي النقي الأديب الكبير المعلم وعميد الأدباء
توظف قلمك الذهبي دائما في نشر أشعة الضوء حول المبدعين الذين يستحقون ذلك
الشبكة العنكبوتية ينتشر عليها حروفك المضيئة الباعثة على الأمل والمشجعة على المزيد من الإبداع
دعوتك الجميلة لنشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء جعلتنا نسير خلفك بحب واطمئنان
كل التحيات القلبية لك ولهذه الشاعرة الحقيقية المبدعة المتألقة