مقتضيات قبول الأعمال
بقلم: ماجد الدجاني
يقول الله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). صدق الله العظيم.
إنها دعوة للعمل لا للقول؛ فإن الله يتحدث بعد الإيمان عن عمل يثبت حقيقة الإيمان فالله يقول: (آمنوا وعملوا) ويقول (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) ورسولنا أجاب من سأله عن قول في الإسلام لا يسأل بعده أحدا: (قل آمنت بالله ثم استقم) ورسولنا الكريم رد على من جاءه قائلا: أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله بقوله:لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟)
وليس كل عامل يقبل عمله فالدين طهر وطيبة ونقاء وكلمة الإيمان كشجرة طيبة أولا – وهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ثانيا – لذلك قال عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإنه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين(أكل الطيب) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء :يا رب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي من حرام أني يستجاب لذلك؟) لاحظوا يطيل السفر لأن دعوة المسافر لا ترد كدعوة المريض ودعوة الوالد لولده ومع إطالة سفره أي فرصة الاستجابة للدعاء إلا أن لقمة الحرام منعت ذلك، ويقول الرسول :أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به) وعندما طلب سعد بن أبي وقاص (الذي كان يناوله الرسول السهام ويقول ارم سعد فداك أبي وأمي) أن يكون مستجاب الدعوة قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا سعد: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف باللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملا أربعين يوما). ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الله تعالى طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة.
ويقول:(من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام لم يقبل الله صلاته ما كان عليه).
وقد حددت السنة أصناف من لا يقبل عملهم وظروف عدم قبولها أمثال: المرأة الساخط عليها زوجها بحق ومن شرب خمرا ومن أتى كاهنا أو عرافا فصدقه ومن غل ومن يتصدق منا وأذى يقول عليه الصلاة والسلام:لا يفبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول,
ولا تقبل صدقة من سحت وحرام وقد وضح المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله:(ما تصدق عبد بصدقة من مال طيب ولا يفبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمان بيمينه ورباها كما يربي أخكم فلوه(المهر)حتى تصبح مثل الجبل ولا يكتسب عبد مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه ولا يتصدق منه فيقبل منه ولا يتركه خلفه إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحوالسيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث.)
ويقول تعالى:(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث.) (فأما الزبد الرابي المنتفخ فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)
ويقول تعالى:(إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.)
وقد تحدث القرآن عن أولئك الذي تقبل أعمالهم فقال:(حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين, أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وغد الصدق الذي كانوا يوعدون)[الأحقاف 15=16] لاحظوا قول الله: (نتقبل عنهم) ولم يقل (نتقبل منهم) حيث إنهم ثقلت موازينهم فحملها الله عنهم فهم جاهدوا في الله فهداهم سبله.
ولاحظوا التواصل الأسري (والدي, ذريتي)، وفي المقابل يصور منذ بدء الخلق حقيقة القبول وعدمه وأن الفيصل في الأمر هي التقوى:(واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين).
فالتقوى وحسن النية مقياس فإن قابيل قدم قمحا سنابله سيئةووجد سنبلة مليئة فأكلها واستخسرها في القربان وهابيل قدم كبشا من أحسن ما عنده فرفعه الله إلى السماء ورعى في الجنة ويقال إنه الذي فدي به إسماعيل لذلك تقبل الله من هابيل لتقواه ولم يتقبل من قابيل لعدم تقواه وعدم إخلاص العمل لله.
(ومثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكله ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) وبالمقابل هناك من يمن فيبطل صدقاته:يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا).
وبيان الله واضح لا لبس فيه (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون).
المؤمن حريص على أن يكون صادق النية في عمله حتى يتقبل منه وها هو أبو الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل يرفعان القواعد من البيت الحرام ولسان حالهما يقول:ربنا تقبل من إنك أنت السميع العليم).
نعم تسمع وترى وتعلم خالص الإعمال وقد علمنا الرسول العظيم أن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه وأن الله خير الشركاء وأن من عمل عملا أشرك فيه مع الله غير الله فليلتمس الأجر من ذاك الشريك(من عمل عملا أشرك فيه معي غيري فليلتمس الأجر منه) وحديث إنما الأعمال بالنيات يوضح ذلك (إنما الأعمال بالنيات وإن لكل أمريء ما نوى فمن كانت هجرته إى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إلي) والحديث ثلث الإسلام كما قيل لأن الإسلام قول وعمل ونية.
وقد صورت الأية60 من سورة المؤمنون الفئة الصادقة مع الله بأنها مشفقة تخاف ألا يتقبل عملها خوفا من أن يكون قد شابه وخالطه رياء ويريدون أن تكون أعمالهم نقية لا شية فيها: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون, أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).
وفي المقابل تظهر الفئة المنافقة التي لن يقبل منها عمل ولا نفقه ففي سورة التوبة في الآية55 تظهر هذه الصورة بكل وضوح وتظهر بشاعة النفوس والقلوب المنافقه (قل أنفقوا طوعا أوكرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون). هم يعتبرون النفقة مغرما كما اعتبر ثعلبة الزكاة جزية وقال(إنها لجزية إنها لأخت الجزية)فهلك.
يقول عليه الصلاة والسلام (إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين، فترقبوا خسفا ومسخا.وريحا حمراء وزلازل وآيات كعقد قطع سلكه).
أخوة الإيمان يتبين لنا مما سبق أن نقاء القلب وصدق النية وإخلاص العمل والتقوى الحقة هي من عوامل قبول الأعمال والصدقات فلنكن كذلك في أعمالنا صادقين النية متقين لا نتبع أعمالنا منا ولا أذى اللهم تقبل من واقبلنا وعافنا واعف عنا وأصلحنا وأصلح أعمانا وكما حسنت خلقنا فحسن خلقنا. آمين