جمِّلْ كلامك بالقرآن ( 1 )
أ. د. هدى مصطفى محمد| أستاذ المناهج وطرق التدريس- كلية التربية – جامعة سوهاج
هناك بعض العبارات والأقوال التي نجد أنفسنا نرددها في بعض المواقف، وهذه الأقوال قد تكون أمثالاَ شعبية، أو أقوالاُ مأثورة والأجمل أن تكون آيات قرآنية أو أحاديث نبوية.
وترديدنا لهذه الأقوال يأتي في سياقات لغوية مختلفة، ويأتي دائماً لتدعيم ما نقول بأدلة واستشهادات . ونأمل دائماً أن نكون موفقين في اختياراتنا لهذه الأدلة؛ لتكون مناسبة للسياق، ولعل أول طرق التوفيق هو التعرف إلى المعاني الصحيحة لهذه الأدلة وسياقاتها أو مناسباتها .
ومن هنا جاء هذا الطرح للآيات القرآنية التي يكثر استخدامها في أحاديثنا وكتاباتنا لنتعرف إلى سياقاتها أو مناسبة نزولها وفي هذا إعادة نظر للحكم على صحة استخدامنا إياها، فقد يتحقق تصحيح فهم لدى البعض، وكذلك إدراك لمدى ما نستخدمه من القرآن في أحاديثنا وقد تكون بداية للإكثار من ذلك فنجمل أحاديثنا بالقرآن ، كما أن معرفة المعاني ستزيد من إدراكنا لكثير من السور التي نقرأها ؛وبذلك يتحقق عنصر من عناصر التلاوة الشرعية وهو التدبر في معاني ما نقرأ، ولعل الفهم لبعض الآيات ييسر التلاوة ويحببنا فيها ويعين على الحفظ لمن أراد؛ فالفهم من العوامل المهمة التي تساعد على حفظ القرآن والارتباط به.
ونبدأ: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” ومعناها أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي، أو يصدني عن فعل ما أُمرت، فإن الشيطان لايكفه عن الإنسان إلا الله. ونردد الاستعاذة في مواضع منصوص عليها :
قال تعالى: “وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” الأعراف /200
قال تعالى: ” وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ” فصلت / 36
وقال تعالى:”وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ” المؤمنون / 97
والنزغ هو الفساد إما بالغضب أو غيره قال ابن جرير في تفسيره: وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهلين ويحملك على مجازاتهم فاستعذ بالله) يقول: فاستجر بالله من نزغه (سميع عليم ) يقول: إن الله الذي تستعيذ به من نزغ الشيطان سميع لجهل الجاهل عليك.
أما “همزات الشياطين” الهمزات هي جمع همزة. والهمز في اللغة النخس والدفع. والشيطان يوسوس فيهمس في وسواسه في صدر ابن آدم وهو قوله: أعوذ بك من همزات الشياطين أي نزغات الشياطين الشاغلة عن ذكر الله تعالى.
وكذلك التعوذ في مواقف الغضب الذي لايملك الإنسان فيها نفسه؛ ذلك أن هذه المواقف هي التي تخلق العداء والمشاحنات بين بني الإنسان.
ولاحرج من ترديدها عند التثاؤب بالرغم من عدم ورود نص بمشروعيتها إلا أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان، يمكن الاستدلال منه على جواز الاستعاذة مع الالتزام بالآداب الأخرى للتثاؤب التي وضحها الحديث الشريف.
كما أنه يستحب أن تكون عند قراءة القرآن قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ” النحل / 98
أما عن لفظها فالشائع أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا يتوافق مع حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله السميع العليم فقال لي: قل :” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فإني قرأت على جبريل: أعوذ بالله السميع العليم فقال لي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم قال لي جبريل هكذا أخذت عن ميكائيل وأخذها ميكائيل عن اللوح المحفوظ “
= الفاتحة : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ .
والفاتحة لها أسماء كثيرة فهي أم الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني وأورد جلال الدين السيوطي خمسة وعشرين اسماً لها، أما عن المواقف التي تقرأ فيها فهي كثيرة فمنها: الصلاة فلا تتم الصلاة إلا بها، كما تكون في استفتاح الدعاء أو اختتامه أو قضاء الحوائج أو شفاء المرضى أو بداية مجالس الصلح وغيرها من الأمور المشروعة، وهناك أدلة شرعية دل على خصوصية الفاتحة في إنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وتيسير الأمور
حتى أن دار الإفتاء المصرية أجازت قراءة الفاتحة للميت، وهبة ثوابها له، سواء كان ذلك لكل ميت واحد على حِدَة أو لعدة أموات مرة واحدة.
وهناك من يشيعون أن قراءة الفاتحة للميت لا يصل ثوابها إليه، وهذا اعتقاد خاطئ، لأنه أثناء صلاة الجنازة تقرأ الفاتحة أمام الميت تعبدًا لله تعالى واستشفاعًا لهذا الميت.
وفي كل ما سبق ما يتوافق مع ما يشيع ويتوافق مع المواقف التي نردد فيها الفاتحة.
سورة البقرة: قال تعالى “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ” ” البقرة / 143
وهو بداية آية ويسبقها قوله تعالى “سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” البقرة : 142
يشيع استخدام هذه الآية للاستدلال على وسطية الإسلام من “الوسْط”، ويعني المنتصف، ولم يذهب عموم المفسرين لهذا المعنى.
فجاء في تفسير ابن كثير إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم؛ لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، فالوسط ها هنا الخيار والأجود فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه أي أشرفهم نسباً. وجاء في صفوة التفاسير أنه كما هديناكم إلى الإسلام كذلك جعلناكم يا معشر المؤمنين أمة عدولاً خياراً؛ لتشهدوا على الأمم يوم القيامة أن رسلهم بلغتهم ويشهد عليكم الرسول أنه بلغكم.
وبذلك فالرأي الأكثر عموماً هو أنه يراد به الأخير والأجود من الارتفاع والعلو.
وعن المعنى اللغوي فقد ورد في لسان العرب قول الزجاج أن في الآية قولين: قال بعضهم وسطاً عدلاً ، وقال بعضهم خياراً، اللفظان مختلفان والمعنى واحد لأن العدل خير والخير عدل.
ولذلك علينا أن نستخدم هذه الآية للنعت بأنها الأمة الأخير والأعدل والأجود.
قال تعالى:”إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” البقرة/ 156
وهو جزء من آية “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” البقرة / 156، ويكثر استخدامها عند سماع خبر وفاة أحد الأشخاص ، والأصل فيها استخدامها في أوقات المصائب عامة وليس الموت فحسب ، وهذا ما يشير إليه سياق الآية السابقة قال تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ” البقرة : 155
ويشير ابن كثير أن الأية هنا تدل على الإصابة بقليل من الخوف والجوع فقال تعالى ” بشيء من الخوف والجوع”، وذهاب بعض الأموال ” ونقص من الأموال ” أما ” الأنفس”كموت الأصحاب والأقارب والأحباب، ” والثمرات ” أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها.. فكل ماسبق مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه ولهذا جاء ختام الآية “وبشر الصابرين”. وجاء توضيح هؤلاء الصابرين أنهم تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم.
و التنكير “بشيء” يفيد التقليل ويعني لنختبركم بشيء يسير من ألوان البلاء السابق ذكرها. وقد زاد البعض في بيان البلاء في “الأنفس” أنه قد يكون بالمرض والشيب، وحكى عن الشافعي أنه قال الخوف خوف الله تعالى، والجوع صيام رمضان، ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات، والأنفس الأمراض، والثمرات موت الأولاد لأن ولد الرجل ثمرة قلبه. وعن عبدالرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني خيراُ منها “
وبذلك يمكن القول إن قصر ذكر هذه الآية عند مواضع الموت فقط، لا يتوافق مع ما جاء في القرآن فلنرددها في مواضع كثيرة عند شعورنا بالخوف من الله عز وجل أو من العدو، وعند الجوع في أوقات صيامنا، وعندما نتعرض لأي خسارة مادية أو معنوية، فخسارة التجارة أو أي مشروع إنتاجي والنقص في المحصول الزراعي ، أو في التحصيل الدراسي، وعند إصابتنا بالمرض أو الشيب أو موت الأحباب فلنسترجع ونسلم بأن كل شيء بيد لله ونقول ” إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ” .
قال تعالى “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” البقرة / 179
المعنى الذي يظنه البعض القصاص من القاتل يمنح أهل المقتول الحياة بما يرده إليهم من كرامة فكأنما أحيا النفس .
أما عن معنى الآية والذي جاء في ابن كثير وغيره من التفاسير أن في القصاص وهو قتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها، لأنه إذا علم القاتل بأنه يقتل، انكف عن صنيعه فكان في ذلك حياة للنفوس واشتهر قولهم ” القتل أنفى بالقتل ” فجاءت الآية الكريمة بالأفصح والأبلغ والأوجز.
قال تعالى ” يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ” البقرة / 185
وهي جزء من آية وجاءت في سياق ترخيص الفطر في حال المرض والسفر ونحوهما من الأعذار؛ لإرادته اليسر. “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “.
ويرى البعض أنها جاءت في سياق الأمر في قضاء ما تم فطره من أيام فمنهم من يرى وجوب التتابع في القضاء فيرد عليهم بأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أوانه في الشهر، أما بعد انقضاء رمضان فلا ضرورة للتتابع وهذا على سبيل التيسير.
ولذلك فهذا الحكم في هذه الآية يراد به التيسير في قضاء ما تم فطره لعذر بعدم اشتراط التتابع. قال تعالى “الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ” البقرة 191 قال تعالى ” الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ” البقرة / 217
المقصود بالفتنة هنا الشرك وذهب المفسرون في الأية 191 أن الشرك أشد وأعظم من القتل الذي فيه إزهاق النفس. أما الآية 217 فقد نزلت في شأن سرية أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب قريشاً وترصد أخبارها وعندما نزلوا قريباً منهم وقد حل شهر رجب فقاتلوهم وقتلوا منهم وأسروا وغنموا . فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام” فظن القوم أنهم هلكوا وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله تعالى على رسوله ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام، فقد صدوكم عن المسجد في شهر حرام أيضاً، وأخرجوكم منه وأنتم أهله، بل وكانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل.
ولذلك يصح استخدام الآية في هذا السياق فقط ، ولا تذكر في سياق معاني أخرى للفتنة كالاختبار أو الابتلاء أو الإعجاب أو غيره من المعاني اللغوية للفظة الفتنة. قال تعالى “لاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ” البقرة /195
نزلت هذه الأية في النفقة . عن أسلم أبي عمران قال: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر (عقبة بن عامر) وعلى أهل الشام يزيد بن فضالة فخرج من المدينة صف عظيم من الروم فصففنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا فصاح الناس إليه فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: ياأيها الناس إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل، إنما نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا، لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها فأنزل الله تعالى” وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” ولذلك فهي ليست للقتال إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك في النفقة في سبيل الله، فيراد بها هنا البخل ، وقيل في معناها أن يذنب الرجل الذنب فيقول لا يغفر لي فيستكثر من الذنوب فيهلك. وقيل :إن رجالاً كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة، ويقطع بهم فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع أو العطش أو من المشي .
ولذلك وجب إدراك هذا المعنى للتهلكة في الآية وأنه البخل. قال تعالى “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ” البقرة / 216
نزلت هذه الآية في أمر القتال والجهاد ذلك أن الجهاد شديد وفيه مشقة، فمن يخرج قد يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء ولهذه الأمور هو مكروه، لكن لأن القتال يعقبه النصر والظفر والغنيمة من الأعداء وفي ذلك خير فهو خير. “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” البقرة / 216
“وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ “فقد يحب المرء شيئاً وليس له فيه خيرة أو مصلحة. ومن ذلك القعود عن القتال وأشار ابن كثير أن هذا عام في الأمور كلها . ولذلك يصح أن نذكر الآية في أمورنا وأحوالنا جميعاً. قال تعالى “وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ” البقرة / 237
جاء في ابن كثير أن الفضل بمعنى المعروف والمقصود لاتهملوه بل استعملوه بينكم . عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليأتين على الناس زمان يعض المؤمن على ما في يديه وينسى الفضل وقد قال الله تعالى ” ولتنسوا الفضل بينكم ” شرار يبايعون كل مضطر. أما عن المقصود في الآية فهو التنازل عن الحق أو بعضه بين الزوجين في حالة الطلاق قبل الدخول قال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.. [البقرة : 237].
وفي هذا يقول الشيخ الشعراوي إن العدل يعطي كل ذي حق حقه، ولكن الفضل يجعل صاحب الحق يتنازل عن حقه أو عن بعض حقه.
إذن فالتشريع حين يضع موازين العدل لا يريد أن يحرم النبع الإيماني من أريحية الفضل؛ فهو يعطيك العدل، ولكنه سبحانه يقول بعد ذلك: {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ}؛ فالعدل وحده قد يكون شاقاً وتبقى البغضاء في النفوس، ولكن عملية الفضل تنهي المشاحنة والمخاصمة والبغضاء. وبذلك فهذه الآية تستخدم في مواضع التنازل عن الحق على سبيل الفضل لا العدل. قال تعالى: ” اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ” البقرة / 255.
آية الكرسي عرفت بأنها سيدة القرآن قال عنها صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إن لها لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش، لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة ،وفيها آية هي سيدة آي القرآن”.
وقد ذكر فيها 17 اسماً من أسماء الله الحسنى منها الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، ومكونة من خمسين كلمة في كل كلمة خمسون بركة .
ويشيع ترديدها قبل النوم لقوله صلى الله عليه وسلم “إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فلن يزال عليك من الله حافظ ولايقربك شيطان حتى تصبح”، وتقرأ دبر كل صلاة لقول رسولنا الكريم ” من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت” ويستحب ترديدها في أذكار الصباح والمساء، وهي ضمن الرقية الشرعية للتحصين من العين والحسد والشر، وهي حارسة للبيت، ومن يقرأ بالليل يخرج الشيطان من بيته حتى الصباح، ومن يقرأها في الصباح قبل خروجه فسيكون في حفظ الله حتى يعود، وهي تزيل القلق والهم وتشرح الصدر.
وتزيد البركة فقال عنها رسولنا الكريم “ما تليت على طعام ولا إدام إلا أنمى الله بركة ذلك الطعام والإدام”. وقيل إنها تحفظ الأطفال من أم الصبيان.
وكل ماسبق شائع ويتوافق مع ماجاء بالسنة النبوية. قال تعالى “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” البقرة / 256
أورد ابن كثير أنها نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصيني كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاُ مسلماً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا استكرههما، فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فأنزل الله فيه ذلك”.وذهب طائفة من العلماء أن هذه الآية محمولة على أهل الكتاب فقط. وقال آخرون أنها منسوخة بآية القتال .
وللحديث بقية ،،